2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
حراك الريف في مرحلة مقاطعة المحكمة

يشهد شعب المغرب منذ أواخر سنة 2016 ظاهرتين كبيرتين بارزتين في مجال السياسة، وهما” الحراك”، و”المقاطعة”. ويمكن تلخيص قواعد هاتين الظاهرتين في جملة مفيدة واضحة استخلصناها من دراسة الظاهرتين معا، وهي “دعني أتحرك، وإن لم تدعني فأنا سأقاطعك”.
والأصل في الحراك dynamisme هو نوع من العلاج ضد الشلل السياسي في المجتمع، وضد الجمود stagnation السياسي. والأصل في المقاطعة bouycotte هو توظيف الجمود ضد السلطة التي تفرضه، وهو جواب ممن هو محروم من الحراك، ليتحول المنع والجمود ضد السلطة التي تفرضه. وأشهر قضايا الحراك، هي حراك الريف، وجرادة ، وزاكورة….. وأشهر قضايا المقاطعة هي مقاطعة مياه سيدي علي، وحليب سنترال، وشركة افريقيا للغاز والبترول، ومقاطعة السردين، ومقاطعة موازين ….
ونؤكد منهجيا أن الحراك والمقاطعة مرتبطتان، وبينهما علاقة متينة، وهذه العلاقة تتطلب الانتباه والدراسة من طرف أنصار الحراك والمقاطعة، لأن الأطراف التي تحارب وتضغط ضد الظاهرتين تحاول أن تنفي هذا الترابط..
وقد سمحت المدة الزمنية التي بدأ فيها حراك الريف في 28 اكتوبر 2016 بتوفر جزء مهم من المعرفة والثقافة حول هذا الحراك، الذي تطور الى مرحلة يمكن أن نسميها “مقاطعة المحكمة” وبالضبط نقصد ما وقع أثناء جريان محاكمة بعض قادة الحراك أمام المحكمة الجنائية الإبتدائية بالدار البيضاء. عندما أصدر المعتقلون الريفيون بلاغا يعلنون فيه مقاطعتهم لجلسات محاكمتهم، وتضمن البلاغ طلبهم من محاميهم عدم المرافعة في ملفاتهم لكي تمتد المقاطعة بذلك الى هيأة الدفاع. وتعتبر هذه المقاطعة من الناحية التاريخية أول سابقة في تاريخ المحاماة بالمغرب، وهي متزامنة مع انتشار المقاطعة لبعض البضائع التجارية، بسبب غلاء الأسعار، وبسبب ما سموه “عدم حياد المحكمة” في محاكمتهم، وقد نتج عن المقاطعة ثلاثة تدابير هامة وهي:
– الأول: توقيف هيأة الدفاع من طرف موكليهم، ويفهم من هذا التوقيف أن المقاطعين يَرَوْن أنه لافائدة من مرافعات المحامين عنهم، وأشياء أخرى تتعلق بهذه المهنة التي شملها هذا التوقف الذي سجل بدوره كأول سابقة تاريخية في المحاكمات السياسية بالمغرب، حيث بقيت النيابة العامة، ومحاموا المشتكين، وهيأة الحكم وحدهم في الجلسات، ولم يكن هذا التوقف يشبه الإنسحابات التي سبق تطبيقها من طرف المحامين في المحاكمات السياسية، السابقة لظهور الحراك والمقاطعة كتجربتين جديدتين في ساحة النضال.
– الثاني: هو إصدار هيأة الحكم لقرار الى القوة العمومية المكلفة بالمعتقلين لإحضارهم بالقوة الى الجلسة، وبالتالي إلغاء المقاطعة بأمر قضائي، بعد أن حاولت السلطة التنفيذية من حكومة وأحزاب توقيف المقاطعة في بدايتها بواسطة تطبيق القوانين، ولم تفلح في ذلك، وحاولت عناصر البرلمان توقيف المقاطعة بمختلف الوسائل السياسية المتوفرة لديها وباءت بالفشل.
– الثالث: هو جواب القوة العمومية للمحكمة بأن تنفيذ قرار المحكمة لإحضارهم بالقوة غير ممكن، وهو أيضا جواب يعتبر جديدا بالنسبة لإحضار المعتقلين الى جلسة الحكم، ولم تنشر بوسائل الإعلام أسباب عدم استعمال إحضار المقاطعين بالقوة الى جلسة الحكم، مما يعطي قيمة قوية لهذا النوع من المقاطعة، ليزداد انتشارا في المستقبل.
ليس المهم في هذا النوع من المقاطعة هو دراسة الظاهرة من الناحية القانونية وحدها كما حاول بعض الأشخاص أن ينشروه، ولكن المهم هو كون المقاطعة وصلت الى مستوى القضاء، بعد أن مست السلطة التنفيذية، والتشريعية، وقطاع التجارة والإقتصاد…. وبالتالي دراسة المقاطعة في مجالها الواسع..
لقد اختار السياسيون النافذون منذ حوالي سنة، تجميع شخصيات من حراك الريف واعتقالها، ونقلها الى الدارالبيضاء، ووضعوها بيد القضاء، ليكون هذا القضاء هو من بيده الحل، بعد أن قاطع قادة الحراك أسلوب المعالجة السياسية الإدارية، والوزارية، والبرلمانية قبل الإعتقالات، والوسائط، لكونهم اعتبروها غير مقنعة، وغير ديموقراطية، وغير مجدية. وكان هذا التجميع منتقدا لدى كل من كان يبحث عن حلول مقنعة ليس فيها تسلط، ولا هيمنة سياسية، ولا مناورات، ولا تحيز. ولم تكن المقاطعة مطروحة في مرحلة التحقيق القضائي، ولا في بداية المحاكمة، رغم أن كثيرا من خلصاء مهنة المحاماة تهافتوا على الحضور بالجلسات الأولى التي افتتحتها المحكمة، ثم تغيبوا بعد أن طالت الجلسات لعدة أشهر، حتى ظهرت المقاطعة، وهي موضوع منفتح على مستقبل آخر.