2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

محمد العطلاتي
يكــــاد يجمع المفكرون و رجال القانون العالِمون بتاريخ تطــور المؤسسات السياسية، على مقولة محورية تنبني في هندستها على أن مؤسسة سياسية مثل “الـدولة” لم تكن لتنشأ لولا حصول تعاقد يجمع بين أفراد و طبقات كل مجتمع، وهكذا يرى المفكر طومـاس هوبز، على سبيل التمثيل، أن “القانون الطبيعي حتَّم على الأفراد البحثَ عن مَخْرَج من حالة التعاسة التي كانوا عليها في مرحلة الفطرة، ما دفعهم لإبرام عقدٍ بِإنشاء “الدولة”، عقدٍ تنازلوا بموجبه عن حقوقهم ليضعوها في يد جـــهة تتركز لديها السلطة، و ذلك مقابل شرطٍ فريد هو “حُصــولهم على الأمــــن”
بالرغم من تعدد نظريات المفكرين بخصوص الإجابة عن سؤال : كيف نشأت الدولة؟ و بصرف النظر عن النقاشات الكثيفة التي دارت حول طبيعة أطراف “العـــقد الإجـــتماعي ” المؤسس لهذه (الدولة)، و مضامينِ هذا(العقد)، و شروط فسخه أو تعديل مضامينه، و غير ذلك من الأسئلة النظرية، رغم كل ذلك، فقد حصل اتفاق و إجماع على أن الهدف المركزي يجب أن يــكون هو إنـــشاء “الدولة” بشكل يضمن لها الخروج في أفضل الصيغ لتكون بذلك “قادرة على تلبية طموحات الشعب، وتنطوي في الوقت نفسه على الآليات الكفيلة بتمكين حكومة منتـــخبة من إدارة شــؤون الدولة بأعـــلى قدر من الكـــفاءة”.
بعيدا عن المناظرات الفكرية المرتبطة بنظرية “العقد الإجتماعي” و تحولاتها عبر التاريخ المعاصر، لا بد من الإقرار بأن نشوء الدولة، بشكلها الحديث، قد تم في أوروبا، وتحديدا في النصف الغربي من القارة العجوز، و منها انتقل “المفهوم الحديث للدولة” نحو بقاع أخرى من العالم، سواء أتمَّ ذلك عبر منهج الاقتداء، أو عبر آلية التوسع الإستعماري التي اتخذتها الدول الغربية.
وبالطبع، فالمغرب، رغم أنه عرف في السابق أشكالا يمكن وصفها بالــــــ”مـاقبل حداثية” فيما يخص مفهوم الدولة، فإنه يُعتبر بدوره موضوعا لنشـــوء الدولة عبر وسائط الاستعمار، و هو استعمارٌ صيغ في شكــــله (القانوني) الملائم ليوصفَ معه بكونه “حمايةً” بدل التصريح و الإعتراف بكونه احتلالاً، و لذلك فإن الشكل الحديث للدولة المغربية لم يظهر للوجود إلا مع خروج “الحامي” الأجنبي و إعلان البلد استقلاله.
وما دام نشوء المغرب، كدولة حديثة من حيث نظام الإدارة و المؤسسات القائمة فيه، لم يتحقق إلا قبل نحو نصف قرن أو أكثر بقليل، فإن السؤال الذي يجب أن يُطرح الآن يتعلق بماهية و طبيعة التصورات التي يمتلكها المغاربة إزاء كائن سياسي اسمه “المغرب”؟
لقد تشكل لدى المغاربة منذ السنوات الأولى للإستقلال، بمختلف فئاتهم و عقائدهم و طبقاتهم، مفهوم ثقافي يعتقد بأن الدولة كائن قوي و خارق لا يقف في وجه إرادته أحد، وأن بإمكانه صناعة المستحيل إن اقتضت الضرورة ذلك، و بلغ الإعتقاد بهذا المفهوم و عدم القدرة على التفريق بين الدولة و بين من يمثلها، ( بلَغَ) درجةً أصبح معها بعض “المواطنين” يجسدون الدولة،كعنوان للقوة، في مجرد فرد بسيط و تافه، فقط لأنه “مُنْتَمٍ للدولة” !
لا شك أن درجة الإعتقاد بهذا المفهوم قد تراجع إلى حدٍّ ما لدى عامة الناس، ربما لاعتبارات حقوقية و معرفية، لكنه تغير بالنسبة لكثيرين منهم، لاسيما أولئك الذين يصنفون ذواتهم في دائرة “الدولة” أو في حواشيها، إذ تحوَّل اعتقادُ هؤلاء و تطور بشكلٍ سريعٍ و مُنْحرِفٍ تمام الإنحراف، بحيث لم تعد الدولة بالنسبة إليهم مجرد كائن “مرعب” بل هي أيضا، من جانب آخر،كـائنٌ (نفعي) لكونه يفتح سُبُلَ الإثــراء بدون سبب وجيه أمام ذلك الشخص الذي يعتقد أنه”مُنتمٍ” لهذه الدولة، بل إنها قد تكون أيضا مجرد آلية شكلية للسّطو و السرقة التي تحدث خارج دائرة الضوء، حتى و لو كان ذلك يتم عبر مجرد انتماء تافه لمؤسسة من مؤسساتها .
هكذا تشكلت في “الفكر الإدارويّ” المحلي نظرية جديدة تقوم على مبدأ وحيد هو الإكثار من النفقات التي يخولها القانون “المكتوب” لرعاية مصالح العموم”، وذلك قبل العمل بطرق مبدعة في الإحتيال على “استعادة” هذه النفقات نحو الحساب “الخصوصي”، وهي نظرية بسيطة لكنها تمتاز بكونها عملية و تحقق “الفائدة الخصوصية”، إنها بكل تأكيد نظرية مؤسسة على “ثقافة السرقة و النهب” عبر تقنية التحايل على قواعد الشكل التي يذكرها القانون”
إن منطق الفكر الغربي المعاصر في تأسيسه لمفهوم الدولة الحديثة و مؤسساتها يقوم على مبدأ مركزي يتأسس على فلسفة المنفعة، ومعنى ذلك أن الدولة لا يمكن أن تكون دولة حقيقية بمجرد قيامها و إحداث مختلف المؤسسات لإدارة شؤونها، بل لابد من أن تكون تلك المؤسسات ذات مردودٍ ظاهر و نفعٍ حقيقي و ملموس يمكن التأكد من وجوده و من أثره الحسن على حياة الدولة و الأفراد، لكن ما يحدث في دولة مثل المغرب، تعاني الفشل و التخلف الفكري، و من غلبة الانتهازيين و الأفّاقين، أن لا أحد ينظر للمؤسسات، التي يصفها القانون بأنها عمومية، من منظار مدى مردوديتها و نفعيتها بالنسبة للمجتمع، بل ينظر إليها كمجرد أدوات عمومية لتحقيق مآرب خصوصية، وهذا بالتمام و الكمال ما يعتبر عنوانا بارزا “من عناوين الفـــشل المستدام”.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.
نظرة تستحق ان تكون مدخلا نظريا وتوطئة لتوصيف الدولة في المغرب، لكنها وقفت عند ويل للمصلين، لان الدولة مند الاستقلال الى الان تطورت كتيرا من حيت الشكل والمضمون عبر سلسلة من المخاضات السياسية والثقافية، تطورا اداريا واقتصاديا وسياسيا،وهو ما يغيب في كثير من التحليلات التي تحتاج بعض العمق و تحتاج دراسات الميدانية للوقوف على دقائق الامور.