2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
لماذا يقاطعون موازين؟

كما كان متوقعا، نجحت حملة مقاطعة مهرجان موازين المثير للجدل -وفق ما أفاد به عدد من المراقبين ووسائل الإعلام- ليس بفعل الدعوات الرجعية التي بررت المقاطعة بكون موازين وكر للمجون، والانحلال الأخلاقي، بل لأن تكلفته المالية هائلة في بلد يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى أن يعقلن موارده وتتحمل فيه الشركات مسؤوليتها الاجتماعية تجاه المجتمع الذي تجني بفضل سواعد واستهلاك أفراده أرباحا ضخمة، وأن يرتب أولوياته في التنمية.
إن الملايير التي تنفق بمناسبة موازين، طيلة 17 سنة، بغض النظر عما إذا كانت مالا عاما أو مالا لشركات تملك الدولة جزء من رأسمالها، أو شركات خاصة، كان يمكن أن تخلق تنمية مستدامة في إحدى الجهات الأشد فقرا بالمملكة، وكان استثمارها في الخدمات الاجتماعية، قد يعفي عددا من المرضى من أن ينتظروا شهورا لإجراء فحص بـ”السكانير”، أو عملية جراحية لنزع المرارة التي انتفخت لقسوة الدهر، وكان أجدى أن يخصص جزء منها للبحث العلمي الذي يعد محركا أساسيا لخلق الثروة لدى الشركات المواطنة عالميا.
من منطق الأشياء، أنه لا يوجد شيء ترصد له النفقات دون أن ينتظر منه عائد ما، إلا إذا كان نوعا من أنواع العبث، لذلك يحق للمغاربة أن يتساءلوا عن إيجابيات تنظيم موازين، وأن يتلقوا إجابة مقنعة أو على الأقل لها ما يثبتها في أرض الواقع. إلا أن جمعية مغرب الثقافات التي تشرف على تنظيم المهرجان، لم تقدم إلا الشعارات الفضفاضة، مثل : أن لـ”موازين”، أهمية ثقافية وفنية تعكس للعالم تنوع وتعايش المغاربة مع جميع الثقافات في كل أنحاء المعمور، وبالتالي فإن تحقيق هذه الأهداف يتطلب تمويله بسخاء.
لم يقدم مهرجان موازين للفن والثقافة ببلادنا أي شيء، فلا هو رفع من الذوق العام، ولا ساهم في نهضة الموسيقى المغربية التي تكادت تنقرض، بفعل أمواج الرداءة التي تتقاذفها، وذلك في الوقت الذي يمكن أن ترعى فيه المواهب التي تزخر بها معاهد الموسيقى، لعلها تسجل اسم المغرب في الفن العالمي، كما فعل “موزار” النمساوي أو “بيتهوفن” عازف البيانو الألماني، عوضا عن أولئك الذين سقط بهم السقف في ليلة ممطرة، وعلى حين غرة.
كما فشل منظمو موازين في جعله وجهة للسياحة الفنية، أو بالأحرى أن يروج للسياحة المغربية التي تعد مصدرا مهما للخزينة العامة، كما هو شأن بالنسبة لمهرجان “داونلود فيستفال” الذي يجذب السياح من كل فج عميق، لمدينة “ليسترشير” البريطانية، أو مهرجان الموسيقى الروحية بفاس. وأكثر من ذلك، إن ما فشل في تحقيقه منظمو موازين على هذا المستوى، كان يمكن إنجازه بجزء من ميزانية دورة واحدة، إن لم نقل ليلة واحدة من سهراته. هذا إن لم يكن مجموع الأموال التي صرفت بمناسبة موازين منذ انطلاقه، كفيل بإنشاء بنية سياحية على المستوى العالي في مختلف المناطق السياحية التي يزخر بها المغرب والتي يعاني جزء كبير منها من انعدام التهيئة، وهشاشة الطرق المؤدية لها، أو تجد أن معالمها التاريخية مهددة بالاندثار.
ويكاد “موازين” لا يلعب دورا في الحركة التجارية بالعاصمة، إذ قد لا تجد الفنادق ممتلئة بجمهور موازين القادم من بعيد، والمطاعم والمقاهي لا يلاحظ أنها تشهد إقبالا بهذه المناسبة، فقط الباعة المتجولون، خاصة أصحاب السجائر، أو سائقي “التربورتور”، هم من يمكن أن نقول إنهم يستفيدون من الرواج الذي يحدثه “موازين”، لكن هم بالتأكيد ليسوا أفضل حالا من الشباب الذين حاولت جمعية مغرب الثقافات استغلال تشغيلهم لأيام محدودة بدراهم معدودة، في تزيين وجهها، إذ نشرت في إحدى صفحاتها بالفيسبوك أثناء حملتها الاستباقية الترويجية، بأن “موازين” يوفر فرصا للشغل لآلاف الشباب.
إذا أمكن للمرء أن يتغاضى عن كلفة مهرجان موازين، فلا يمكنه أن يدير ظهره، لمدى شفافية صرف هذه الأموال سواء التي تأتي كدعم عمومي أو كمساهمة من الشركات، أو كمداخيل عن بيع التذاكر، والبطاقات والمساحات الاعلانية، لذا كان على جمعية مغرب الثقافات أن تجعل من نزاهة إنفاقها وشفافيته، وسيلة للدفاع عن نفسها أمام شراسة حملة المقاطعة، إذا كانت متأكدة من براءة ذمتها، أو على الأقل أن تكون شفافة وتعلن عن عدد الجمهور الحاضر في سهرات موازين 2018، كما كانت تفعل في الدورات السابقة.
لطالما يدعي منظمو موازين أنهم لا يحصلون على أي دعم عمومي نقدي، إلا أنهم يتناسون أن تكاليف تأمين المهرجان من طرف القوات الأمنية بمختلف ألوانها، لا يمكن تقديره بثمن، ناهيك عن أن التواجد الأمني بموازين يقابله محدودية تأمين الأحياء السكانية بالعاصمة ونواحيها، ثم ألا يعتبر إستغلال هكتارات من الساحات العمومية، دعما عينيا، أم أن الجمعية المنظمة تؤدي رسوم احتلالها للملك العمومي؟ وكذلك ألا يشكل المس بالسكينة العامة عبر الضجيج السمعي الذي تتسبب فيه سهرات موازين الصاخبة، أمرا يتطلب تعويضا للمواطنين المرضى، وأطفالهم الرضع، وأبنائهم المقبلين على إمتحانات نهاية السنة؟
ولا شك أن الفن الرفيع، والرقي الثقافي، وحسن الذوق العام، من معالم حضارات الأمم على مر التاريخ، والمغاربة يستحقون ذلك، ولا جدال في ضرورة السخاء من أجله، لكن ليس في بلد 44 في المئة من مواطنيه يعيشون تحت عتبة الفقر، وفقا لتقرير الأمم المتحدة برسم سنة 2016، وأزيد من مليون عاطل عن العمل، حسب الإحصائيات الرسمية لسنة 2017. فلا استمتاع بالحياة دون لقمة عيش، أو كما يقول المثل المغربي، “فاش تتشبع الكرش عاد تتقول للراس غني”.
حتى وان نفيتم ذلك فموازين وكر للانحلال الخلقي. والا ماذا تسمون الرقص النسائي السنة الماضية بالملابس الداخلية مثلا… الحقيقة جزء لا يتجزأ فاما اخذها كلها او تركها كلها…هذا هو الواقع. موازين لا يصلح من جميع النواحي ماليا وخلقيا…تحياتي