لماذا وإلى أين ؟

هل سيستقيلُ بنسعيد بعدما قـــرَّرت النيابة العامة إحالة طوطو على المحاكمة؟

بصدور قرار النيابة العامة بالمحكمة الإبتدائية الزجرية عين السبع بالدار البيضاء، القاضي بمتابعة مغني الراب طه فحصي المعروف بـ”طوطو”، مع دفع كفالة مالية قدرها 20 ألف درهم، يكون قد أزيل الستار عن فصل من فصول هذه القضية التي تشغل الرأي العام المغاربي لما تمثله أحداثها من انعكاسات على أجيال من مغاربة المستقبل.

قرار النيابة العامة جاء بناء على شكایات مقدمة ضد طوطو، تتعلق بالقذف والإهانة والتحريض والتهديد بالعنف، وكذا الإخلال بالحياء العلني والتحريض على استهلاك المخدرات، وهي تهم مرتبطة أساسا بالأفعال التي قام بها طوطو فوق منصة سهرة عمومية و ندوة صحفية مسؤول عنها وعن تبعاتها السياسية والأخلاقية والقانونية، الوزير المهدي بنسعيد، لكون وزارة الثقافة والشباب والتواصل، التي يشرف عليها هي المسؤولة عن تنظيمها.

“طوطو” خلال الإستماع إليه أكد أنه “لم يكن يقصد الإساءة لأي أحد”، و قدم اعتذارا رسميا للجميع، وهو الإعتذار الذي سبق أن تقدم به خلال ندوة صحفية عقدها رفقة محاميه، الأمر الذي يعد اعترافا رسميا منه بالخطأ الذي ارتكبه في حق المجتمع والقانون، وإقرارا بما وجه له من تهم من طرف المشتكين .

وفي تصريح سابق له، قال “طوطو” : ” أنا باقي صغير ممكن واحد الوقيتة ما نبقاش نخسر الهدرة”. فمن تسبب إذاً لهذا “الصغير”، حسب قوله، في كل هاته المتاعب و ورطه في ارتكاب مخالفات قانونية منصوص عليها و على عقوبتها في القانون الجنائي المغربي؟

بالعودة إلى الوراء ، نجد أن نجم طوطو بدأ يصعد في الميدان الذي ينشط فيه خلال السنوات الخمس الأخيرة، و أنه أصبح يعد من بين مغني الراب الصاعدين، ومعروف أن الراب، “فن الزنقة” أو “فن الشارع” كما يسمى، مليء بالكلمات النابية والخادشة للحياء، لكن الأغاني التي أذيعت لطوطو على أثير إذاعات وطنية لا تتضمن “تخسار للهدرة” أو كلاما فاحشا أو سبا أو قذفا أو تهديدا لمواطنين مسالمين، إلى أن تغير كل شيء عندما تولى محمد المهدي بنسعيد، حقيبة وزارة الثقافة و الشباب والتواصل، وأصبح طوطو يسب و يدخن الممنوعات علانية ويدعو غيره لتدخين الحشيش و أمام مئات الآلاف.

حدث كل هذا بعد تولي بنسعيد حقيبة الشباب والثقافة والتواصل، و ما لهذا القطاع من أهمية كبيرة في تكوين أجيال الغد، مغاربة المستقبل، إلا أن الواقع أظهر أن بنسعيد ليس الرجل المناسب في المكان المناسب، وفي أقل من سنة على توليه لمنصبه، نهج في القطاع سياسة جرت عليه سخط المغاربة، لما تسبب فيه من مس لكرامتهم وخدش لحياءهم.. وأرسل أحد شبابهم إلى المتابعة القضائية.

فكل ما وقع لطوطو كان سببه ما عرف بالحفلات الموسيقية الكبرى، التي احتضنتها مدينة الرباط أيام 22 و23 و24 شتنبر الماضي، في إطار الإحتفالات بالرباط عاصمة للثقافة الإفريقية، والتي أشرفت على تنظيمها وزارة الثقافة بإشراف شخصي للوزير المهدي بنسعيد.

بنسعيد الذي لم يُخْفِ إعجابه بطوطو و بما يغنيه طوطو، وصرح بذلك علانية في أكثر من مناسبة، وهذا حقه، كما عمل جاهدا على إشراكه في جل التظاهرات التي نظمتها وزارة الثقافة من المال العام، وهذا موضوع آخر، لكنه لم يوفر لطوطو شروط الحماية من مخالفة القانون في التظاهرات التي أشركه فيها، بمقابل طبعا.

فكما أشرنا يعرف الراب بـ”فن الزنقة”، والكثير من مغنيه يستعملون كلمات خادشة للحياء في أغانيهم، ومن بينهم طوطو، وهذا أمر معروف، فلماذا لم يقم بنسعيد بتنبيهه قبلا، ولو من باب الصداقة، إلى أن أداءه لأغاني بها كلمات خادشة للحياء أو تلفظه بألفاظ ماسة بالكرامة فوق منصة عمومية يعد مخالفة للقانون؟

ولماذا لم يقم بنسعيد، ولو من باب النصح، بتوجيه طوطو، وهو المعجب به، إلى كيفية التعامل مع جمهور واسع بمنصة تظاهرة ثقافية يشرف عليها قطاع عمومي و منظمة من المال العام، وجمهورها من الناشئة والمراهقين؟

ولماذا لم يضع بنسعيد دفتر تحملات، كما يقع في كل التظاهرات المماثلة عبر ربوع العالم، أمام طوطو، يحدد فيه بوضوح ما له و ما عليه، حتى يكون على بينة من أمره، ويعرف حقوقه وواجباته وحدوده؟

وكيف سمح بنسعيد بقول أي شيء في ندوة صحفية تنظم بإشراف من وزراته دون أن يتدخل المسؤولون عن تنظيمها لتنبيه المشاركين من قول أي شيء في أي شيء و تحذيرهم من الخوض في بعض النقاشات؟ فماذا لو قيل كلام يمس الثوابت الوطنية في تلك الندوة؟

كل هذه التساؤلات وغيرها مما قد نكون قد أغلفناه تُحمِّل بنسعيد، بما لا يدع مجالا للشك، المسؤولية السياسية والأخلاقية في ما وقع لطوطو، وتجعله المسؤول الرئيس عما قام به طوطو و تؤكد أن هذا الأخير مجرد “ولد صغير مزرف”، من طرف ولد صغير أخر أهدي مسؤولية حكومية أكبر منه.

فهل سيتحلى بنسعيد بقليل من المروءة الأخلاقية والشجاعة السياسية ويتحمل مسؤوليته أمام أخطائه ويقدم استقالته، ويخرج من الباب، مقدما بذلك درسا في تفعيل المبدأ الدستوري: المحاسبة مقابل المسؤولية، أم سينتظر إخراجه من النافذة؟

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
رضوان
المعلق(ة)
27 أكتوبر 2022 14:20

هو وزير parachté لا أقل و لا اكثر. فاقد لثقافة و رزانة رجال الدولة بحق مثل آخرين بحكومة 25 درهم

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x