2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
“بين السـُّـلطة و الثــــــروة”

محمد العطلاتي
“لقد كانت فـترة ما بعد استقلال المغرب التي تلت ما عرف بمحادثات “إيكس ليبان”، و إلى حـدود هذا التاريخ، فترة صراع حقيقي بين دوائر النفوذ المخزني من جهة، و بين “أنوية التحرر” التي شرعت في الظهور تدْريجيا داخـل المجـتمـع لاعـتبارات ربما كانت متعلقة بطبيعة أَساسَها المـادي الذي أسهم في نُشـوءِ تَشْكيلات “طبقية هجينة” أفرزتها التحولات الإنتاجية الجـزئية، من جهة، و أنتجتها، من جهة ثانية “تغيُّرات ثقافية معدومة” لم يعرفها البلد في خضم الإنتقال التدريجي للسلطة من يد “الحماية” الفرنسية إلى يد خلفائها و أعوانها المحليين.
على امتداد مرحلة تزيد عن نصف قرن من الزمن السياسي لما بعد الإستقلال، الموصوف، الموصوف عادة من قوى اليسار الجذري بالشكلي، عرف المغرب محطاتٍ نضاليةً زاخمةً، بدءاً من أواخر خمسينيات القرن المنصرم وصولا إلى العشرية الثانية من القرن الحالي، و مرورا، كذلك، بمحطاتٍ أخرى أكـثر ضراوة كادت تعصف بالبِنْية الكلية لنِظـامِ الحُـكْم.
و خلال تلك “المحطات النضالية”جَميعِها، بدا واضحا أن الصراع كان يحتدم لدى البعض بشأن امتلاك “أدوات السلطة”، لكن ليس باعتبارها وسيلة لإدارة الحكم و ممارسته تحقيقا لوظائف الدولة الأساسية، بل باعتبارها “أداةً عصْرية” لحماية الثروة “المكتسبة” بالنسبة لكثير منهم.
بالنسبة لآخرين، فيبدو أنهم “ناضلوا” من أجل السلطة بالنظر لكونها مجرد تقنيةً فعّالة تضمن الترقي السريع في مسيرة امتلاك الثروة و مُراكمة عناصرها في حسابات خاصة، و مع مرور الوقت سيصير هؤلاء أنفسهم خُدّاما حقيقيين لـــ”الدولة”، غايتهم الأولى هي إعـادة تـوظيف السُّلطة لحماية الثروات التي سبق أن نهبوها دون أساس مشروع .
لقد حاولت القوى السياسية، التي كانت توصف بِــــ”الحـيَّة”، التعبير عن إرادة في تحديث أركان الدولة القائمة على أسس فكرية موغلة في التقليدانية، لكنها كانت تفشل في كل مرة تحاول فيها ذلك، تارة بسبب القمع الشديد، و في مناسبات أخرى لأن القوى ذاتها، وقعت في “شِراك” علاقة العشق الثُّنائي الجامع بين “الثروة” التي تعبِّد الطريق نحو السُّلطة، و بين هذه “السُّلطة” التي اعْتُبرت دالَّةً للثروة لا يجوز، بالنتيجة، “التفريطُ” فيها.
إن الانتفاضات المتكررة التي حركها أبناء الشعب في محطات تاريخية مختلفة، و نُعتوا بسببها من طرف المتسلطين بأوصاف قدحية كشفت درجةَ بِدائيَّة المفاهيم الثقافية التي يُدار بها الحُكم في المغرب، و اتضح جليا أن المؤسسات السياسية للدولة، ما هي، في حقيقة الأمر، سوى مظاهر شَكْلِيَّة لمطلب “الدولة العصرية الديمقراطية” و لا تعبر عن مضمون جوهري بشأن هذا المطلب الحداثي، و لعل ذلك يُفَسِّرُ حقيقةَ الإفْلاس و البوار الذي انتهت إليه كل الأحزاب المغربية كمؤسسات يُفْتَرَضُ أنها عصرية و يُنتظر منها القطع مع مفهوم “القبيلة”، و يُنْتَظَرُ منها أيضا أن تقوم بوظيفة “النضال الديمقراطي” لتحقيق برامج سياسية محددة من خلال إفراز النخب المؤهلة لتولي الحكم، فالمؤسسات الحزبية لم تظهر للوجود المغربي في سياق تطور تاريخي قطع المراحل و الأزمنة الضرورية لإنتاجها بشكل سليم و تبنيها فيما بعد من قبل المجتمع، بل ظلت صورية على جهة الدوام، بل إن أكثرها عنفوانا لم يحْظَ إلا بالنَّزْر اليسير من اهتمام الناس، و بسبب هذا الإفلاس المعلوم الذي أصاب الأحزاب، و بسبب عجزها البنيوي المستفحل عن ممارسة وظائف التأطير إزاء منتسبيها و أنصارها و مواليها، فإن تلك الأحزاب استحقت بالفعل لقب “الحوانيت السياسية” الذي أطلقه عليها بعض النشطاء.
إن أزمة البلد الحقيقية، وهي بالمناسبة أزمة قد تفضي إلى العُسْر و الإفلاس غير المتوقع، تكمُن في عدم قُدرة “النُّخَب المثقفة و المُسيَّسَة” على تصحيح المنظور المتراكم، لدى العوام و الخواص على حد سواء، بشأن مفْهوم الدولة و السلطة، و لعلها تكمن أيضا في عَجْز هذه النُّخب عن صياغة تصور فلسفي مبدع باستطاعته الإجابة عن التساؤلات الجوهرية المتعلقة أساسا بضرورة الفصل بين “السلطة”، كأداة لتحقيق أهداف الخدمة العامة، و بين نيل “الثروة” كمطلب يلبي رغبات “الخدمة الخاصة.”
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.
تحليل يعتمد على افتراضات عامة، تضع الدولةوالاحزاب والنخب باختلاف مشاربها في المغرب خارج السياق التاريخي للتطورالسياسي الذي عرفه المغرب على الاقل مند الاستقلال الى الان، حيت ان الدولة والاحزاب وفق هذا التصور كيانات جامدة ضمن قواليب متكلسة وغارقة في التقليد، طقوس مخزنية من جهة تعتمد اسلوب الاكراه، وآليات قبلية في الاحزاب من جهة اخرى ادت الى التماهي مع نظام الدولة الذي ضل يزاوج بين السلطة والمال، وينتهي التحليل الى حصر الاسباب في غياب تصور فلسفي مبدع لدى النخبة يحقق التجاوز والتغيير: انه تحليل من حيت الوصف لا يختلف عن نظرة شاعرية لا تتحاوز الوصف والتصنيف من منطلق قوالب جاهزة في التنظير، لكنه من حيت المضمون لا يقدم اي مفاهيم علمية دقيقة تفيد في تفكيك المعوقات الحقيقة لتطور النظام السياسي في المغرب الذي لم يكن جامدا على الاطلاق، بل ضل متحركا في جدلية الصراع بين الحكم والمعارضة ويؤتر كل واحد على الآخرإما سلبا أوإجابا، رغم اختلال موازين القوى لصالح طرف على حساب طرف آخر بين الفينة والاخرى. هذه الدينامية الحاصلة في التاريخ هي ما ينقص اي تحليل يتوخى الدقة والموضوعية الملهمة للتغيير.