2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

سليمة فراجي
في ظل التطورات الأخيرة واعتراف وزير العدل بوضع مشاريع قوانين بصفة انفرادية دون مقاربة تشاركية ،وأخرى بإحالتها على النقاش الموسع ، أصبح رئيس الحكومة مطالبا بتفعيل مسطرة دراسة الأثر étude d’impact .
علما أنه نظرا للأهمية المتعاظمة لمسألة التشريع لجأت العديد من البرلمانات المتقدمة الى رفض أي مشروع قانون يأتي من الوزارات ، ما لم يتم ارفاق النص التشريعي بدراسة معمقة تفي بمعرفة نتائجه المرتقبة
وفي المغرب تضع المادة 19 من القانون التنظيمي رقم 13-065 المتعلق بتنظيم وتسيير اشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها على عاتق رئيس الحكومة، بموجب قرار، إرفاق مشاريع القوانين الرامية إلى سن أي تشريع جديد أو مراجعة تشريع قائم بدراسة حول آثارها، وهي أداة تساعد على اتخاذ القرارات بهدف توجيه اختيارات الحكومة والبرلمان وتحسين جودة القواعد التشريعية.
ومن ثم، تعدّ دراسة الأثر أساسية لتقييم جدوى الإصلاحات المقترحة، وإن كانت لا تعوض قرار التشريع من عدمه والذي يعود إلى السلطة السياسية؛ لكن لها دور محوري وأساسي في تقييم الآثار القانونية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والبيئية والإدارية وكذا الأثار على الجماعات المحلية، ومدى احترام تراتبية القواعد القانونية وتناسق وتداخل مجموع القوانين المطبقة وسهولة فهم النص القانوني ووضوحه وجودته، دون أن ننسى متطلبات الأمن القانوني. هذا المبدأ الذي يتزايد الاهتمام به؛ بالنظر إلى ما أصبح يعيشه العالم المعاصر من تطورات متسارعة ومتلاحقة على جميع الأصعدة، سواء تعلق الأمر بما هو سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، بشكل أصبحت معه التحولات توحي بعدم الاستقرار بالنسبة إلى البشرية وأصبح النظام القانوني مواجها بتحديات تفرض عليه تجنب الآثار السلبية مع الحفاظ على دور المؤسسات كعامل استقرار، لأن النتيجة المحتملة بالنسبة إلى القانون والقضاء أثناء مواكبته للمستجدات المعاصرة قد تؤدي إلى تزايد نسبة عدم الاستقرار بدل التقليص منها.
وفي إطار تطبيق هذه المادة صدر المرسوم رقم 2.17.585 ، بشأن دراسة الأثر الواجب إرفاقها ببعض مشاريع القوانين التي تدخل ضمن مجال تطبيق هذه الدراسة، وقد حدد هذا المرسوم شكليات وكيفيات إعدادها، والمعطيات التي يجب أن تتضمنها الدراسة المذكورة.
واذا كان السيد وزير العدل صرح انه ليس نعامة تخفي رأسها في الرمل، اذ قال بالحرف :”أنا الذي اقترحت مشروع القانون المتعلق بالضرائب وأقنعت وزارة المالية به، وما زلت مقتنعا بذلك وأتحمل المسؤولية كاملة، وقانون المهنة أنا الذي وضعته والحكومة لم تطلع عليه بعد…”
وزاد متسائلا: “هل علي أن أنتظر حتى يقوم الآخرون بالتشريع مكاني ثم أعطي رأيي، أم علي أن أبادر؛ أعتقد أن الوزير عليه أن يبادر، لأنه مسؤول ومن موقع المسؤولية عليه أن يجد تصورا ويطرحه”.
فالسؤال المطروح هل يريد وزير العدل التطاول على الدستور لتجريد البرلمانيين من حقهم في تقديم مقترحات القوانين ؟
صحيح انه من حق الحكومة تقديم مشاريع القوانين ولكن من حق البرلمانيين تقديم مقترحات القوانين أيضا ولا حق لأي وزير مصادرة حق البرلمانيين في المبادرة التشريعية
الأكثر من ذلك فان مجال المبادرة التشريعية في ظل دستور 2011 لا يقتصر فقط على المؤسسات بل أصبح يهم أيضا المواطنين٬ ويعتبر هذا الإجراء مؤشرا نوعيا ينم عن نضج سياسي وثقافي مغرب، بل ان المبادرة التشريعية التي يريد الوزير ان يستحوذ عليها بصفة منفردة هي وسيلة أساسية لضمان تواصل دائم بين المواطنين والمؤسسات العمومية٬ وان دسترة هذه المبادرة تنم عن تعزيز مجال الديمقراطية التشاركية في المغرب.
وخلافا لما أورده من تصريحات بخصوص بعض القوانين من تفرده وانفراده بوضعها ،اكد انه “سيفعل المستحيل” من أجل نشر مسوّدة مشروع القانون الجنائي في شهر يناير المقبل، ليطلع عليها المغاربة، على أن يُفتح حولها نقاش موسع، قبل إحالتها على الأمانة العامة للحكومة ”
في قمة التناقض بين التعامل مع مختلف القوانين التي تهم كلها شرائح المجتمع منها شريحة المحامين . اذ تحظى بعضها بنقاش موسع و تبقى بعضها حكرا على تصور الوزير على حد تعبيره .
تصريحات الوزير تحيلنا على موضوع المبادرة التشريعية التي تعتبر تفاعلا بين السلطتين التنفيذية والسلطة التشريعية ، واذا كان للسلطة التنفيذية دور مهيمن في إعداد مشاريع القوانين، فان دور السلطة التشريعية هو الأكثر أهمية في المناقشة العلنية لإلغاء وتعديل مشاريع القوانين، ولو توفرت الحكومة على اغلبيتها البرلمانية التي تصوت لها على مشاريع القوانين .
ولربما تناسى السيد الوزير مقتضيات الفصل 71 الذي يحدد اختصاص مجال القانون حيث يقتسم رئيس الحكومة وأعضاء البرلمان المبادرة التشريعية، أي لرئيس الحكومة ولأعضاء البرلمان على السواء حق التقدم باقتراح القوانين، وفي حالة النزاع بينهما يتم اللجوء إلى المحكمة الدستورية .
لذلك واحتراما لمبدأ الأمن القانوني، يتعين إعطاء أهمية إلى مسألة تقييم مخاطر عدم الأمن القانوني ووضع خلايا وفرق عمل خاصة لليقظة القانونية، مع انخراط المجتمع المدني في هذه الخلايا على اعتبار أن الدستور منح للمواطنين الحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع ضمن شروط يحددها القانون التنظيمي، ومن باب أولى اعتبار رأيهم في خلايا اليقظة القانونية، بالإضافة إلى كون الدستور نص على إحداث هيئات للتشاور من لدن السلطات العمومية قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها.
في ظل دستور 2011 لا احد يتطاول على المقاربة التشاركية بل ان الديموقراطية المواطنة اصبحت تضاهي الديموقراطية التمثيلية !
الوزير المتير للجدل لا يريد فقط تجريد البرلمان من حق دستوري يكفل له حق قتراح القوانين كمؤسسة تشريعية ، بل يريد كدالك ان تبقى الاحزاب مجرد حوانيت صورية لترويج الحملات الانتخابية وخزان احتياطي لجمع الاصوات، بدل أن تساهم في اقتراح التصورات والبرامج التي تغني المؤسية التشريعية وكشريك في مراقبة العمل الحكومي.