لماذا وإلى أين ؟

النقيب الجامعي يكتب: الحداد على عدالة البلد

النقيب عبد الرحيم الجامعي
صدمة تاريخية كبرى وعنيفة من جديد في ليلة افتضاض بكارة العدالة امام مراى ومسمع العالم، شعرت بها عند سماعِ قرار محكمة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستيناف بالدار البيضاء وهو يتوج سنة من المدح والمديح والكلام الفارغ عن قيم الدستور ودولة القانون وحقوق الدفاع والأمن القضائي و عن النزاهة والحياد وكل ما يُروِح عن النفس بلغة الخشب وبنفاق المسطرة والقانون ، ليعلن القرار الصادر لائحة جديدة من ضحايا الاعتقال السياسي ضحايا العدالة من معتقلي حراك الريف، ناصر الزفزافي ومن معه، ويعلن في نفس الوقت ان الدولة والسلطة في الريف وجها لوجه في صراع مستمر ، ويقرر ان الدولة ضحية ووزارة الداخلية ضحية ويجازي جهودهم القوية في الاساءة للحسيمة واقبار مشاريع منارة الشمال والريف وإهانة معتقلي الحراك السلمي، وذلك بالحكم على المعاقبين المعتقلين لفائدة الدولة بتعويض الدرهم الرمزي.

شعرت بالصدمة التي لم أكن انتظر غيرها، وكنت أراها اتية لا ريب فيها وفِي زحفها نحو ناصر وربيع واحمجيق، وجلول ونحوهم كلهم دون هوادة ، كما شعر بها رفاقا لي من نساء ورجال المحاماة الذين قاسمتهم حلاوة المرافعات وجودة الأداء المهني نهارا وليلا ، والذين شاركتهم وشاركونني اياما وشهورا من العمل وسط محكمة محاصرة وهواتف محاصرة وأعلاما محاصر وصحفيين محاصرين وعائلات محاصرة ستحفظه لي ذاكرتي بكل الاعتزاز رغم تعَبها و رغم شحْنِها ما يقرب من نصف قرن بالجميل والقبيح من اجندة المحاماة وممارستها.

شعرت بالصدمة، لكنني لم اشعر بالندم على ما وفرناه أنا و زملائي من هيئة الدفاع للمعتقلين السياسيين بمحاكمة الريف بالبيضاء، من وقت للمحاكمة ومن الصبر على وقع عنف وحِدة مواجهاتها، وكنا على وعي كامل بان لمواصلة معركة السنة مع المحكمة وقُضَاتها ومع النيابة العامة ومُمثليْهَا سيكشف للراي العام و للعالم ان ملّف الريف ما هو الا ملف منفوخ بالهواء حُمِل على بالون يُحَلق دون أحزمة للنجاة، و اريد له ان يفوز بجائزة السباق بين سوء التدبير السياسي وسقوط السياسيين بعد حراك الريف و سوء التدبير القضائي الذي انتهى بمقاطعة المحاكمة وجلساته النهائية وكلمات الدفاع الاخيرة.

فازت أطروحة النيابة العامة و أطروحة قاضي التحقيق وفازت بالتالي المقاربة الأمنية للدولة، وانتصرت المحكمة وقضاتُها لمحاضر بحت تمهيدي تم تحت وطئة الاكراه والعنف والتعذيب والعبث بحرمات اجساد المعتقلين امام الملَئ وضدا على ارادتهم، و رًُفِضت طلبات الخبرة التقنية والطبية والصوتية والخطية والعقلية، ورُفِضت الدفوع الأولية والشكلية، وتوالت المآسي حيث شُنت إضرابات عن الطعام من طرف المعتقلين بضغط من مجريات المحاكمة، و توبع بعض أولياء المعتقلين بارتباط مع ملّف ابنائهم بل توبع محامون ضدا على حصانة الدفاع وبسبب ممارستهم لمهامهم المهنية ، وطرد المعتقلون او البعض منهم لمرات عديدة من قفص الاحتجاز الزجاجي بداخل القاعة نحو القبو المظلم بالمحكمة، و نال الملف ما يستحقه من انتهاكات مسطرية جوهرية عالجها قضاة المحكمة بعنايته وأعطوها مشروعيتهم التي لا تختلف عن المشروعية المزيفة للمحاكمات الكبرى في زمن الرصاص والتي يعلمها الجميع.

ليلة الثلاثاء الأربعاء 27/26 من شهر يونيو وهو شهر نهاية الربيع ونهاية الدراسة وعيد الآباء والشهر الذي يخلد فيه العالم يوم التبرع بالدم والاحتفاء بيوم الموسيقى ، وفيه اختارت المحكمة ان تنطق بحكم لا يعرف احد غاياته ومقاصده ولفائدة من …. حكم بلحنٍ موسيقي خاص وحزين بآلة القضاء الذي يعرف وحده وقع أوتارها، وهي بالبداهة الموسيقى التي تشيع بها جنازة الأمريكيين لنقل موتاهم ودفنهم و وداعهم لمثواها الأخير.

الحكم الصادر على شباب الريف في محاكمة الحراك السلمي شيع و دفن عدالة بلدي في زمن الردة العارمة للحريات بالمغرب. والمواطنة في عالم ومحيط قتل روح الربيع و روح العشرين من فبراير و فتح باب الردة على كل المستويات وفِي طليعتها الردة القضائية، ولكنني سأترك قضاة المحكمة في حزنهم يسيرون وحدهم وراء النعش لدفن العدالة، اما أنا فقد أصبحت متحللا من الصمت الذي التزمت به مع باقي هيئة الدفاع دون نبسٍ ولو بكلمة كل أطوار المحكمة احتراما لنفسي و لقواعد مهنتي ، وسأتكلم وسأكتب عن قتل أحلامي التي سرقتها مني احكام الماضي والحاضر وليلة الأمس.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

2 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
متتبع
المعلق(ة)
28 يونيو 2018 12:32

أحـــــــــــكــــــــــــام جـــــــــــــــــــــائــــــــــــــــــــــــــــرة

الا ترى يا أستاذ أن التاريخ يعيد نفسه ؟؟؟؟؟ و أن المرحلة التي تمر بها البلاد هي شبيه بما عرفته في ازمنة سابقة ( أيام سقوط الدول التي تعاقبت على حكم المغرب).

والله ثم و الله ، انا جد متشائم و خائف على مستقبل البلاد. فان سارت الاحداث بهذه التراتبية ( نفس التراتبية التي عرفتها أيام سقوط الدول السابقة) . فالنتيجة الحتمية ستتكرر ……..

يوسف
المعلق(ة)
28 يونيو 2018 10:43

محكمة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستيناف
انظر اعلاه

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x