لماذا وإلى أين ؟

الجزائري والمونديال: عندما تفشل النبوءة

علي الرباج

في كرة القدم، كما في أي لعبة أخرى، هناك فوز وخسارة، بالإضافة إلى التعادل، وهذا ما يعرفه الكل دون استثناء. وفي كل أنحاء العالم تنتهي المباريات بعد الصافرة، ويبدأ النقاش الذي قد يستمر لأسبوع على الأكثر، إلا أن إحدى المباريات لم تنتهِ في ذهن البعض إلى يومنا هذا.

في التصفيات المؤهلة إلى كأس العالم تواجهت المنتخبات الأفريقية بطلة المجموعات، فقد وجد المغرب نفسه في مقابلة مع المنتخب البوركينابي، بينما وقعت مصر في فخ السنغال، وواجه المنتخب الجزائري نظيره الكاميروني، والتقى نسور قرطاج مالي. وفي النهاية، تأهل كل من المغرب وتونس وأُقصي المنتخب المصري والجزائري.

إقصاء مرّ هو الذي تعرض له رفقاء محمد صلاح، لكنهم تناسوا الأمر، وها هم يمضون قدماً، وليس يذكر الشارع المصري المباراة إلا قليلاً، على عكس الشارع الجزائري الذي لم يستوعب الإقصاء، ولم يتقبل فكرة عدم وجود الخضر في مونديال قطر.

بدأت المباراة عند الدقيقة الثانية والعشرين حين سجل موتينغ هدف التقدم للأسود الكاميرونية، بعدها توالت محاولات ثعالب الصحراء، التي أدت إلى تسجيلهم هدفين من طريق المهاجم إسلام السليماني، إلا أنه في كلا الهدفين تدخلت تقنية “الفار” لمصلحة الكاميرون. ففي الهدف الأول احتسب الحكم تسللاً، وفي الثاني لمسة يد، لتنتهي أطوار اللقاء بتلك النتيجة التي أهّلت المنتخبين إلى الأشواط الإضافية.

أمام الجمهور الغفير الذي ملأ جنبات الملعب، وأمام هتافاتهم، لم يكن أمام أحمد توبة وهو يشاهد الكرة قادمة من ركنية نفذها رشيد غزال سوى الارتقاء واستقبالها برأسية قوية سكنت الزاوية التسعين لمرمى حارس الإنتر أونانا، لتعمّ الأفراح الجزائر من شرقها إلى غربها، وليصدح المعلّق بـ”هيا بنا إلى المونديال”.

وكما يقول البيت الشعري: “تجري الرياح بما لا تشتهي السفن”، وكما يعرف الجميع، فإن كرة القدم علمتنا ألا نفرح بالفوز إلا بصافرة النهاية، جاءت رمية تماس نُفّذت بسرعة إلى رجل لاعب الوسط الذي أرسلها بشكل مثالي إلى رأس زميله الذي مررها برأسه إلى داخل المنطقة المحظورة، منطقة العمليات؛ لتجد المهاجم إيكامبي في انتظارها على أحر من الجمر، ولم يكن لصاحب التجربة الأوروبية مع أولمبيك ليون أن يهدر فرصة كهذه، خاصة أن الدفاع الجزائري كان في حالة فوضى جعلته ينسى مهمته الأصلية ويفسح المجال للمهاجم الذي لم يتوانَ في وضع الكرة على يسار مبولحي، لتسكن الشباك أمام دهشة وحسرة الجزائريين الذين ودوا لو أنهم في حلم، لكنهم لم يكونوا كذلك؛ وما حدث واقع لا مفر منه، والجزائر خارج حسابات الفيفا في مونديال قطر.

هل تنتهي المباراة هنا أم بعد أسبوع؟

لن تصدق إن أخبرتك أنها في عقول الجزائريين لم تنتهِ، وأن هناك من يؤمن بأن الفيفا سيذهب نحو الإعادة، بل سيؤهل الجزائر مباشرة ويقصي رفقاء السفاح إيكامبي الذي اغتال أحلام الجزائريين!

يبدو الأمر هزلياً وغير قابل للتصديق، لكن بإمكانك البحث على مواقع التواصل، وستصدم بكمية المنشورات والفيديوهات التي تتحدث عن الأمر، وتعجب من القوة الإبداعية لدى البعض، والإخراج المذهل لروايات عن التأهل المتوقع والقريب. فتقريباً، لا يمر أسبوع دون خروج أحد الجزائريين بفيلم من نوعية الخيال العلمي عن تأهل الجزائر إلى المونديال، والغريب هو التفاعل مع مثل هذه القصص؛ إذ تجد المعلقين وهم في غاية الانتشاء والسعادة، يهللون ويذكرون الله ويسبّحون كأنه فتح جديد!

وحتى يوم النهائي في لوسيل، قد تخرج إحدى الشخصيات أو الصفحات لتنشر خبراً مفاده تأهل المنتخب الجزائري إلى النهائي مباشرة، وستجد أن هناك من سيصدق الخبر، وقد تستغرب، لكن للأمر علاقة بحالة نفسية تسمى في علم النفس “التنافر المعرفي”.

في خمسينيات القرن الماضي ظهرت طائفة دينية تدعي أن العالم سينتهي مع حلول يوم معين وساعة محددة، ووفاءً بذلك اجتمعت الطائفة بعد أن باع معتنقوها كل ما أمامهم وخلفهم، ووقفوا ينتظرون قيام الساعة وقدوم مخلصهم الذي سينقلهم إلى عالم آخر حيث سيعيشون حياة أخرى.

ضمن هؤلاء كان العالم الأميركي فيستنجر وفريقه، ليس إيماناً بل من أجل غرض علمي، فقد انضموا إلى دراسة هذه الطائفة.

حين جاءت اللحظة الحاسمة، ولم يحدث شيء بالطبع، توقع العالم أن يدرك الجميع زيف النبوءة، إلا أن المكلَّف الاتصال بالإله خرج ليخبرهم أن الإله أشفق عليهم، وقرر تأجيل الفناء!

وصدقت الطائفة الخبر وعبّرت عن حبها وامتنانها للإله الرحيم؛ واستمروا في إيمانهم كأن لم يحدث شيء، وهنا خرج العالم بنظرية “التنافر المعرفي” وكتب كتابه الشهير “عندما تفشل النبوءة”.

هذا بالضبط ما يحدث مع الإخوة الجزائريين، فرغم أن كل المواعيد التي رصدها الكاذبون لإقصاء الكاميرون والمناداة على الجزائر قد مرت دون أن يحدث ذلك، فإنهم ما زالوا يصدقون الخبر ويؤمنون بأن الجزائر ستتأهل، وفي كل مرة يصدقون كذبة جديدة.

كلما ارتفعت التطلعات، كان السقوط قاسياً، هذا ما حدث بالضبط مع أشبال بلماضي ورفقاء محرز. كان بودنا لو تأهل الخضر، إلا أن كرة القدم تبقى لعبة حظ، والحظ لم يحالفهم هذه المرة؛ ونتمنى أن يحالفهم الحظ في النسخة القادمة.

لكن ما لم يعجبني، أن تصبح كرة القدم صنماً يعبد، وأن تتحول من لعبة هدفها التسلية إلى حرب نفسية تسحق الشعوب، وإلى صندوق باندورا يخرج لنا شرور الناس.

عوض أن يهتم الجزائري والمغربي وكل كادح بواقعه اليومي وشروط عيشه، وخبز أبنائه أو مستقبله، أمسى يناقش المباريات، وعوض أن يحلم بوطن أفضل، يحلم بمنتخب أفضل

الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

3 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
ادريس
المعلق(ة)
15 نوفمبر 2022 03:56

من غريب الطرائف انهم وضعوا كأس افريقيا وكأس العالم في الجيب من فرط غرورهم القوة الضاربة عند التبونيين و اسيادهم الكبرانات مجرد فقاعات لتبليد الشعب واستحماره ونهب ثرواته

محمد أيوب
المعلق(ة)
14 نوفمبر 2022 21:35

تصحيح:
كما قال الاخ شادي اعلاه،منتخب المغرب لم يواجه منتخب بوركينافاسو بل واجه منتخب الكونغو الديموقراطية…على الكاتب ومعه الموقع التأكد من المعلومات قبل النشر…

شادي
المعلق(ة)
14 نوفمبر 2022 19:42

المنتخب المغربي قابل المنتخب الكونكو الديمقراطية وليست بوركين فاسو (البوركنابي في المقال) الرجاء تصحيح الخطأ

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

3
0
أضف تعليقكx
()
x