لماذا وإلى أين ؟

بعد المقاطعة..هل ستزيد أحكام معتقلي الريف من حِدّة الاحتقان في المغرب؟

لا شك أن حملة مقاطعة بعض المنتجات الإستهلاكية التابعة لشركات “سنطرال”، “أفريقيا” و”سيدي علي”، قد أحدثت رجة اجتماعية لا مثيل لها في المغرب، مما انعكس بشكل مباشر على الجانب الإقتصادي وكذا السياسي، وذلك بعد أن لجأ المقاطعون إلى نمط جديد من الاحتجاج ألا وهو المواقع الإجتماعية، التي كانت سيد الموقف والعامل الحاسم في الموضوع.

وفي خضم ما أعقب هذه الحملة من تطورات، كخروج الشركات المعنية بالمقاطعة ببلاغات وكذا تقديم وزير شؤون الحكامة لطلب استقالته، إضافة إلى دخول هذا الموضوع إلى قبة البرلمان، لتصبح القضية الأولى بامتياز في البلاد، عادت هذه الحملة مرة أخرى لتطال أكبر حدث فني في المغرب، وهو مهرجان موازين، الذي وجهت له حملة المقاطعة أيضا ضربة قاضية، حيث قرر عدد كبير من المغاربة عدم الحضور لحفلاته، ليجد المنظمون أنفسهم أمام حرج كبير ولا مثيل له بعد مرور العديد من النسخ التي استقطبت حضورا جماهيريا قياسيا خلال السنوات الفائتة.

كل هذا، وكما سلف الذكر، انطلق عبر المواقع الإجتماعية، نظرا لسرعة وسهولة تداول الخبر وكذا أسلوب الإخبار على نطاق واسع، مما يعني أن المغرب يعرف احتقانا اجتماعيا من نوع آخر، حيث هجر المواطنون الشوارع، لعوامل عديدة، فيما لجؤوا إلى هواتفهم وحواسيبهم لتمرير رسائل معينة ومواقف مختلفة في الشكل، وموحدة في المضمون المتمثل في مواجهة الريع والإحتكار والفساد الاقتصادي وضرب القدرة الشرائية للفقير والمسكين، مقابل ملء الحسابات البنكية للشركات بالملايير عبر أسعار مرتفعة أثارت توجسا لدى المواطن الذي وجد نفسه أمام تكاليف الحياة التي لا ترحم.

وبعد شهور من هذا التحول النوعي في النط الاحتجاجي للمغاربة، تفاجأ الجميع بأحكام قضائية اعتبر الكثيرون أنها قاسية وظالمة في حق معتقلي حراك الريف حيث أدينوا بما مجموعه 308 سنوات، وأعلى عقوبة هي تلك التي حوكم بها ناصر الزفزافي قائد الحراك بمعية ثلاثة آخرين من رفاقه (20 سنة سجنا نافذا)، وبعد يوم فقط ذُهل العدو قبل الصديق، بإدانة الصحفي حميد المهدوي مدير موقع “بديل” المتوقف عن الصدور، بثلاث سنوات سجنا نافذا، بتهمة عدم التبليغ عن جناية تهديد أمن واستقرار الدولة.

وللربط بين كل هذه الأحداث، بدءََ بمقاطعة المنتجات المذكورة، مرورا بمقاطعة مهرجان موازين، ووصولا إلى قضية الأحكام القضائية السالفة الذكر، فقد كانت المواقع الاجتماعية في الموعد، حيث ساد جو من الحزن والغبن بين مختلف النشطاء والمواطنين بل حتى الفرقاء السياسيين الذين بادروا إلى إعلان عن مواقف -وإن كانت في ظاهرها محتشمة- إلا أنها في الواقع تخبئ العديد من الرسائل التي مفادها أن هناك حالة من عدم الرضا داخل الأوساط السياسية بالبلاد.

وخير دليل على ذلك، هو الموقف الذي عبر عنه وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان مصطفى الرميد، ونبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، فضلا عن حكيم بنشماس الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، والعديد من التنظيمات السياسية الأخرى اليسارية منها واليمينية، بل إن رئيس الحكومة سعد الدين العثماني وحزبه، قد أبيا إلا أن يؤكدا بأن هذه الأحكام ليست في محلها بأنه وجبت مراجعتها في المراحل الاستئنافية، كما أن هذا الحزب القائد للحكومة قد وصفها بـ”الظالمة”، فكل هذه رسائل مباشرة وضمنية تصب في منحى واحد ألا وهو حالة السخط مما يعيشه المغرب حاليا.

وحتما، إذا لم يتم تدارك الأمر فإن الأمور قد تخرج عن نطاق السيطرة وقد يحدث ما لا يُحمد عقباه، لأن الغضب والسخط الجماهيري لا حدود له ولعل حملات المقاطعة لخير برهان على ذلك، في ظل تطور وسائل التواصل، التي جعلت درجة الوعي ترتفع شيئا فشيئا لدى المغاربة، الذين يطمحون إلى العيش في وطن تسوده الديمقراطية والأمل والاطمئنان وكذا الشعور بالأمن والاستقرار، وذلك عبر الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وكل هذا لن يتأتى طبعا إلا باستحضار المصلحة العليا للوطن، والتفكير في مصالحة شاملة وقطيعة مع الماضي المظلم وكذا القطع مع الفساد والريع وكل ما من شأنه أن يُضر بالشعب المغربي بشتى أطيافه ودرجاته.

وفي ذات السياق، فإن تجاهل كل تلك المطالب عبر نهج سياسة النعامة، وعبر التعامل بمبدأ كم حاجة قضيناها بتركها، فلن يزيد ذلك  من الوضع إلا اختناقا، ليصبح الأفق نفقا مسدودا ومظلما، مما قد يجعل بلادنا في حرج كبير أمام المنتظم الدولي، خاصة وأنها دخلت خضم العديد من التحديات والأوراش السياسية والاقتصادية والجيو-استراتيجية، وكذا الرياضية، فكل تراجع عن المكتسبات التي حققها المغرب، قد يكون عاملا مؤثرا وبشكل كبير في مسار البلاد، التي تعاني حاليا من احتقان داخلي -يجب أن نعترف به وبأسبابه- زادت هذه الأحكام القضائية الزيت على ناره، ليبقى السؤال المطروح الآن، هو هل ستزيد قضية الأحكام الطينة بلة بعد الزلزال الذي أحدثته المقاطعة؟ أم أن هذا الليل سينجلي في القريب العاجل وذاك ما نتمناه؟

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x