لماذا وإلى أين ؟

من مفارقات سنة 2022.. ثلاث شخصيات مغربية “عادية” تحمل رسائل كونية: “الطفل ريان”.. “باعلي الصحراوي” و”الركراكي”

  • د. طارق ليساوي

وأنا اقوم بجرد لسنة 2022 و بخاصة ما قمت بعرضه لجمهور القراء من ” طنجة إلى جاكرتا” ، أجد نفسي قد بدأت مقالات 2022 بمقال له صلة بانتخابات شتتنبر 2021 و خرجاتها التي توجت بتنصيب حكومة أخنوش ” من الخيمة خرج مايل” و الذي حاولت من خلاله التنبيه إلى خطر تعيين حكومة ” الباطرونة” برئاسة أخنوش ، حكومة مشاهير ” إقتصاد الهمزة” و ” تجار الأزمات” و ” اثرياء الحروب” ، و الأيام و الشهور أكدت صدق ما نبهنا منه ، كما تناولت مأساة الطفل ريان رحمه الله، و التي واكبتها بسلسلة من المقالات التي طرحت فيها معنى ” الأوطان الحقة ” و ” الاوطان المزورة” ، و حاولت من خلالها تجاوز حدود المغرب ..
و هنا لا بد من العودة إلى مفتاح هذا الحدث و ايقونته ” الطفل ريان ” رحمه الله صانع الحدث ، و لكن في المقابل ” ذاك الرجل الشيخ “باعلي الصحراوي ” الذي قاد بخبرته و موارده البسيطة جهود الإنقاذ، غامر بنفسه و قدم أغلى ما يملك جهده لإنقاذ هذا الطفل من غياهب الجب، و قد توحد خلفه كل المغاربة و العرب و المسلمين ، بل الانسانية، و لن انسى دموع هذا الرجل و هو ممد على الارض لحظات قبل الاعلان عن إخراج الطفل إلى مثواه الأخير ، ووسائل الإعلام تتضارب اخبارها و “الحيرة” تراود الجميع ، هل سيعود الطفل ريان إلى عالمنا ، ام أنه سيرحل إلى عالم الغيب و الشهادة…منينا النفس بإمكانية إنقاذ هذا الطفل ، لكن رغم الفشل في إخراجه حي، لكن نجح المغاربة ، في إرسال رسالته الخفية إلى مشارق الأرض و مغاربها.. في هذه اللحظة الفارقة رأينا صور من التضامن و التآزر و التعاضد، أصبحت هذه المنطقة المنسية و التي لا تلقطها الاقمار الصناعية ، و لا يعرفها القاصي و الداني ، حديث كل بيت في كل مكان..رغم المأساة لكن إكتشفنا قيم النبل و الشهامة و الأمة الواحدة…اكتشفنا ” إنسانية الإنسان”..
” باعلي الصحراوي ” كان رجل المرحلة بدون منازع ، عبر عن حقيقة المغربي المسلم، المغربي المرابطي الموحدي…تدخل بمعرفته و خبرته و صلابته، لقيادة عملية الإنقاذ، في الوقت الذي عجزت الدولة بعتادها و رجالها في فك شفرة الأزمة، لم يستغل الأزمة لتحقيق مكسب شخصي و دون إدعاء زائف الوطنية.. نموذج “باعلي الصحراوي” نفتقده كثيرا في الشخصيات التي تدير السياسة و الاقتصاد و تتصدر الشأن العام …

حزنا و لم ننم طيلة الأيام التي قضاها ريان في حفرته، هذا الحدث أحزننا و أخرجنا من قوقعة الذاتية و الفردانية ، و أصبح همنا إنقاذ هذا الطفل..جبال بشرية تحركت لعين المكان و متطوعين حاولوا المجازفة لانتشال الطفل من محنته…رأينا شعب اخر و قيم أخرى أصبحت شبه غائبة، قيم نصرة الضعيف، و الدفاع عن حقه..

فكان من ثمار ذلك، ان العالم تعاطف مع الطفل ريان و اخد صورة مغايرة عن المغرب بلدا و شعبا..و لكن اشتغلت ايادي خفية و حاولت سرقة جهود الاخرين ، حاولت إنكار الايادي التي حفرت و خاطرت و إبعادها عن هذه الملحمة الشعبية بامتياز…
لكن ونحن على مشارف نهاية السنة يتكرر الحدث لكن بنسخة مغايرة عنوانها الفرح ، نهاية السنة ستشهد حدث افرح الملايين من المغاربة و العرب و المسلمين ، حدث الانجاز الكروي التاريخي الذي حققه المنتخب الوطني لكرة القدم بقيادة شخصية يصعب انكار دورها و محوريتها ” وليد الركراكي” ” ابن الشعب المغربي ” صناعة مغربية ، و الذي اعاد هندسة المنتخب و حوله بالفعل لفريق، لجسد واحد، لكتلة إنسانية متناغمة و متجانسة..و نجح بالتالي في إسعاد قلوب ارهقها الظلم و الغلاء و الفساد و الاحتكار و الفشل التنموي…و قد خصصت سلسلة من المقالات التي حاولت تقريب القارئ الكريم من دروس مونديال قطر 2022 و انتصاراته الحقيقية و الاخرى الوهمية..

و هذا الانجاز الذي تحقق في قطر كان مصحوبا بكرم رباني غير محدود، ففي لحظة قنط و ضنك شديد، أكرمنا المولى عز وجل بما هو أهم و أخطر ، أنقذنا المولى عز وجل من العطش و شح المياه، في وقت خيم شبح الجفاف، فكان فرج الله قريب و رحمته واسعة و كرمه جزيل، فهطلت امطار الخير بالقدر الكافي و الشافي ..فتغير الحال و المآل..و انقلب الضيق إلى سعة، و القنط إلى رحمة …
سنة 2022 كانت حبلى بالرسائل المشفرة، التي تستحق المزيد من الدراسة و التحليل، و لعل هذا الامر هو ما سأحاول إن شاء الله تعالى توضيحه من خلال سلسلة كتب سوف تصدر في ربيع السنة القادمة 2023 إن شاء الله ، و سيكون عنوانها الأكبر ” المجتمع الزكوي كبديل عن المجتمع الربوي..و إلى ذلك الحين نأمل أن تطلعوا على ثلاثية ” النموذج التنموي المنشود ” و أن تتقبلوها بقبول حسن ، خاصة و أن هذا الجهد المعرفي و الأكاديمي يستحق عناء القراءة …و أني على يقين تام ان ثلاثية ” النموذج التنموي المنشود” كتبت لتبقى شاهد على مرحلة، و دقت ناقوس الخطر للمخاطر مستقبلية، و لكن ايضا مبشرة بانتصارات حقيقية و لصعود حضاري و عدوى تنموية قادمة، و تغيير على الابواب فجره إقترب ، بدات ملا محه في التشكل منذ ربيع 2011 العربي الموؤود، و الذي تم تحويله لخريف .. “الثلاثية ” هدفها الأساسي فتح نقاش فكري و مجتمعي حول الخطوط و المحاور الأساسية الواردة ب ” الثلاثية ” محاور حبلى بالاقتراحات و الخيارات و البدائل التنموية و النهضوية و لعل هذا النقاش سنحاول ان شاء الله التوسع فيه من خلال منصة برنامج ” إقتصاد×سياسة” ..و الاهم الذي ركزت عليه ” الثلاثية” منذ لحظة طحن ” محسن فكري” و انفجار حراك الريف، هو ان القطيعة مع الظلم و الحكرة و بناء دولة الحق و القانون ، و توسيع خيارات الناس ، و اعتماد مبدأ التقنية العالمية و الروح الإسلامية المدخل الذي لا بديل عنه لتغيير اوضاعنا جميعا ، فالحلول الفردية انتهى زمانها و لا تغيير دون وحدة و تعاضد و تكتل ، و دون بحث عن القواسم المشتركة و ترك الخلافات الجزئية و الهامشية…و عندما ننتصر للمستضعفين و ندافع عن حقوقهم و ندافع عن من يدافع عنهم ،من المؤكد سيكون النصر حليف لهذا المجتمع التراحمي الزكوي…

كم “عاش الشعب” المغربي و باقي شعوب العالم مطلع سنة 2022 على وقع الإتهامات المتبادلة بين “أمريكا” و “الصين” حول منشأ فيروس “كورونا” و تداول الناس في مشارق الأرض و مغاربها، عشرات ” الأَطَارِيح” و ” النظريات” حول الغاية من كتم انفاس الإقتصاد العالمي بدعوى “محاربة الجائحة”، في الوقت الذي كُتِمَت فيه حقيقةً أنفاس المستضعفين بحجر صحي و معيشي…كما شهدت السنة اندلاع حرب محلية بتأثيرات كونية و اعني الحرب الروسية الأوكرانية ..

لكن أخطر ما أثار انتباهي في سنة 2022، الجوائح و الكوارث الطبيعية و التي تبقى إلى حدود الساعة ، أدهى و أمر و أشد خطرا على الوجود الإنساني ، منذ بدء الخَلِيقة ، و تقتل الملايين على بعد شهور و أعوام، تقتلهم رعبا و خوفا و قلقا و شكا..و هو ما يسود حاليا عالم الاقتصاد و السياسة، الكل يَتَوجَس خِيفَةً من اشتداد الأزمة بين الشرق و الغرب..و الكل يخشى “أزرار الدمار الشامل” و الانهيار الاقتصادي و المالي الساحق و الماحق..و الكل يبحث عن “طوق نجاة” و سيد جديد وولاء “لا تسقط له راية”..
يذكرني ما يجري اليوم بين “الصين” و “أمريكا” و حيرة “الأتباع ” بينهما، بحيرة سيدنا إبراهيم عليه السلام، بين “الشمس” و “القمر” و أيهما أكبر.. أيهما يستحق الخضوع والإتباع..و كأنه لا مناص من الاختيار بين “الجنة” و “النار”، و أيهما ” الجنة” و أيهما ” النار” ؟ ويذكرني هذا الاختيار الصعب بما سيقع للعالمين جميعا ساعة خروج “الدجال”..في مثل هذه الأوضاع الصعبة و ” المَأزقية” نحتاج إلى بصيرة ربانية للخلوص إلى ” الطريق الثالث” بعيدا عن الإصطفافات السياسية التقليدية ، و إلى نموذج تنموي و حضاري نصوغه بأيدينا، و نصل إليه بخالص قناعاتنا، و ندحر به أعداء الله و أعدائنا.. لكن للمرحلة الانتقالية شروطها و محدداتها و مساراتها و حججها..أي أننا في حاجة لمقارعة ” النمرود” و أتباعه، أي أن هناك قوى سياسية و اقتصادية “خَامِدَة” تنتظر فرصة سقوط الكبار أو تناطحهما (الصين و أمريكا)، لفرض أجندة جديدة قد تكون أشد هلاكا و خرابا و إستعبادا من ” الأمركة” أو ” الأصينة”..
و في هذه المرحلة الانتقالية العصيبة التي ستشهد ” فراغ الأسواق” و “سقوط العملات” و “تفكك الاتحادات” ، و ” تعدد الجوائح” و عودة القديم منها ( الكوليرا مثلا)..العالم على أبواب متتالية من الفوضى و الأزمات..و تقهقر بإتجاه ” القطرية” و المصالح الضيقة كرها لا طوعا، خاصة في ظل كوارث بيئية و مناخية قادمة لا محالة..
فالكوارث المرتبطة بالمناخ و الطقس، تزايدت بمعدل 5 أضعاف خلال الخمسين سنة الأخيرة، مُخَلِفَة خسائر بشرية و اقتصادية بيئية غير مسبوقة (موجة الحرائق و العواصف و الجفاف و الفياضانات و ” التطرف الحراري” ) و قدرت الخسائر الاقتصادية -المباشرة و غير المباشرة- بتريليونات الدولارات..
و قد حاولت من خلال “ثلاثية” النموذج التنموي المنشود، و التي تعنى بالنموذج التنموي “محليا” و “إقليميا” و “دوليا”، تصورا شاملا غيْر هَامِل لأبعاد التنمية و مُصَحِح للتصورات التنموية الخاطئة ، المُعْتَمَدة من قبل الشرق و الغرب ، و لا بديل لأمة العرب و المسلمين و مستضعفي العالم من اعتماد نموذج تنموي “أصيل” غير دخيل ، غايته سعادة و سلامة الإنسان و حفظ أمنه الطبيعي و المعرفي، فضلا عن أمنه السياسي و الاقتصادي و صدق الله تعالى عندما قال في محكم كتابه : {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَـٰذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} {قريش3-4}…

هذه المحاور تشكل خارطة طريق لكتاباتي في السنة القادمة ان شاء الله تعالى، سنة نأمل أن تكون سنة التغيير و العودة إلى الحق و ردم هوة الخلافات المحلية و الاقليمية ، سنة تخرج فيها الأمة العربية والإسلامية من غثائيتها و تنتقل من حالة الضنك إلى السعة..و من المجتمع الربوي إلى المجتمع الزكوي ، الذي أصبح يشكل هاجس الكاتب و يسعى جاهدا لجعله مشروع حضاري موضع نقاش عام و متعدد الاطراف ..لذلك لا تنسونا من دعواتكم و دعمكم و لو بنشر هذا العلم، الذي نأمل أن يكون علما نافعا للأمة و ابناءها حاضرا و مستقبلا…و الله غالب على امره ولكن اكثر الناس لا يعلمون..

– إعلامي و أكاديمي 

 

الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x