لماذا وإلى أين ؟

المستشار(ة) في التوجيه … فوج 22-24؟!

ذ. الحسن ايت الحسن

شهد العالم تغيرات سوسيو-اقتصادية مهمة خلال السنوات الأخيرة مع بداية الألفية الثالثة، خاصة بعد أزمة «كوفيد»، هذا جعل مجموعة من مؤسسات التنشئة الاجتماعية، ومن أهمها المدرسة، لم تعد مخرجاتها تلائم متطلبات المجتمع الذي يتغير باستمرار. إذا كانت المجتمعات التقليدية اعتمدت على التضامن الآلي في تقسيم العمل، بينما اعتمدت المجتمعات  الصناعية على التضامن العضوي حسب السوسيولوجي الفرنسي «دوركهايم»،  فإن مجتمعات «الحداثة المتأخرة » حسب «انتوني كيدن»)  (Anthony Giddens[1] تتصف بعقلانية العلاقات الاجتماعية الناتج عن تفكك مفهومي الزمان والمجال الذي يفصل العلاقات الاجتماعية والأنشطة عن الجذور المحلية والتقليدية ونقل الأنظمة الاجتماعية إلى العالمية  (délocalisation des systèmes sociaux   )، زد على ذلك انعكاسية الحياة الاجتماعية( la réflexibilité de la vie sociale)  التي تتميز بالمراجعة الدائمة والمستمرة للممارسات الاجتماعية على ضوء مجموع المعلومات التي يستقبلها الشخص حول هذه الممارسات. فما دور المستشار والمستشارة في التوجيه في ظل هذه التغيرات؟

انطلاقا من هذه التغيرات، أضحى المستشار (ة) في التوجيه من أهم الفاعلين في منظومة التربية والتكوين نظرا لدوره الفعال في تقديم مجموعة من الاستشارات والإرشاد النفسي عن طريق جمع معلومات عن المتعلمين من خلال المقابلات والاختبارات والاستمارات وذلك لتنوير طريقهم مما قد يسهل عليهم الخروج من حالات التردد الناتجة عن نقص في المعلومات أو مشكل نفسي أو اجتماعي قد يعيق مساره الدراسي وبالتالي المهني.

ترتكز عملية التوجيه على تنمية قدرات المتعلمين من أجل إعدادهم للدخول إلى عالم الشغل لضمان مهنة لائقة لتكوين حياته life designing» « من خلال مساعدتهم على بلورة مشارعهم الشخصية وتجسيدها ومراجعتها كلما دعت الضرورة إلى ذلك. إن قضايا التوجيه تؤثر على المجتمع ككل، ولكن أيضًا تؤثر على المدرسة لأنها الضامن لتدريب الشباب أثناء تعليمهم.  وبالتالي فإن السعي لملائمة مخرجات التكوين لمدخلات سوق الشغل يأتي من خلال نجاح عملية التوجيه.

يتلقى المستشار (ة) في التوجيه تكوينا لمدة سنتين في مركز التوجيه والتخطيط التربوي في الرباط، هذا المركز الذي يتميز بخصائص تجعله من بين أهم مراكز التكوين؛ فزيادة على الطاقم الإداري الحرفي والمتخصص، يتوفر المركز على أطر تربوية متمرسة عالية التكوين في تخصصات متنوعة.

يدرس المستشار(ة) المتدرب(ة) في المركز مواد مختلفة ومتنوعة تجمع بين النظري والتطبيقي والتدريب الميداني؛ يتكون في السيكولوجيا ، في سوسيولوجيا التربية، في الاقتصاد العام واقتصاد الشغل، في الإحصاء، في الاعلاميات، في مناهج البحث، في التوجيه، في علوم التربية، في القياس، في تقنيات التواصل … ناهيك عن بحث ميداني يتوج به المستشار نهاية التكوين. هذا التكوين يجعل المتخرج(ة) من المركز مكتسبا لمجموعة من الكفايات في الإرشاد والمواكبة وإنجاز بحوث تربوية والقدرة على الاطلاع على ما يروج في سوق الشغل.

إن متانة التكوين التي أشرت اليها سابقا تجعل من المستشار والمستشارة في التوجيه قادرا وقادرة على مواكبة تغيرات «الحداثة السائلة» بتعبير «زيجمنت باومن» وبالتالي القدرة على تقديم المشورة، بل ومواكبة المتعلمين لإنجاز مشاريعهم الشخصية التي تلائم تطلعاتهم ومتطلبات سوق الشغل وذلك للحد من الهدر المدرسي والجامعي. لكن هل هذا الدور يقابله دعم معنوي ومادي لهذه الفئة في منظومة التربية والتكوين خاصة فوج 22-24؟

كان الولوج إلى المركز، قبل فوج 20-22 ، يتم باجتياز مباراة تهم فقط أساتذة التعليم الاعدادي، بعد ذلك فتحت المباراة في وجه جميع الأسلاك مع شرط الاجازة وذلك رغبة من الوزارة في اصلاح هذا المكون الأساسي في المنظومة، إلا أن فوج 22-24 ولج المركز بشروط جديدة؛ فزيادة على الاجازة ،اشترط كون المدرس في الدرجة الأولى أي السلم 11 وأقدمية لا تقل عن 15 سنة، شروط جعلت من هذا الفوج زبدة نساء ورجال التعليم الذين خبروا التربية بل ومنهم من لديه شهادات عالية في تخصصات عديدة مما قد يساهم فعلا في الارتقاء بمهنة التوجيه في المغرب. هؤلاء المتدربون والمتدربات اجتازوا مباراة كتابية قد تكون من أصعب وأدق مباراة لولوج أحد مراكز التكوين بالوزارة.

لا شك أن مدخلات التكوين بالنسبة لهذا الفوج كانت جد عالية، وبالتالي، فإنه من المنصف أن تكون المخرجات من نفس مقام المدخلات سواء منها المعنوية أو المادية؛ هذا الفوج قد يفقد بعد التخرج أقدمية جد مهمة راكمها خلال مساره المهني، خاصة،   مع ما يروج  له إثر اتفاق 14 يناير 2023 بين وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة وبين النقابات الأكثر تمثيلية، فلم يقتصر الأمر  على منع المتدربين والمتدربات من الاستفادة من مخرجات تليق بالمدخلات، ولكن، يبدو أن هيئة التوجيه يخطط لتوجيهها نحو هيئات أخرى، وهذا ما يرفضه سواء الممارسون أو المتدربون.

[1] Yves Bonny, La modernité en question, Critique de la modernité by Alain Touraine: Les conséquences de la modernité by Anthony Giddens, en ligne : https://www.jstor.org/stable/43150393.

أستاذ، مستشار متدرب بمركز التوجيه والتخطيط التربوي

الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x