2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
العالــمُ السفلي.. قصة البارون “علي” أكبر مُورِد للمُخدرات بالمغرب و إسبانيا

“العالم السفلي”؛ سلسلة قصصية مشوقة، تفتح من خلالها “آشكاين” لقرائها الكرام نافذة لاستكشاف عالم تجارة المخدرات في شمال المغرب.
من خلال هذه النافذة، تنقل الجريدة الإلكترونية “آشكاين” لمتتبعيها أحداث مشوقة من عالم التهريب الدولي للمخدرات بعضها ينبش تفاصيل ملفات معروف للعامة وبعضها خفي لا يعرفه إلا المقربون من العالم السفلي لتجارة المخدرات، إضافة إلى قصص أشخاص واكبوا وعملوا مع أكبر البارونات بمناطق الشمال والمغرب.
قصة هذا الأسبوع، ستأخذنا في رحلة إلى حياة شبح العالم السفلي لتهريب المخدرات بين المغرب وأوروبا، فكري المعروف ب”علي”، الذي تم اعتقاله في منطقة رافال، وملازمه عادل، الذي تم القبض عليه في غارة بويرتا بلانكا السنة الماضية، واللذين كانا قادرين على قيادة أكبر شبكة إمداد للقنب الهندي المغربي في إسبانيا، تم تفكيكها من قبل وحدة العمليات المركزية للحرس المدني الإسباني المعروفة اختصارا ب”UCO”.
إليكم القصة :
العاملون معه، زبائنه، كما مصالح الأمن، كلهم يعرفون أنه موجود، لكنهم لم يعرفوا هويته أو مكان إقامته أو كيف يتنقل، كان شبحًا حقيقيًا. لقبه هو “علي”، كما يدعوه المقربون منه، نسبة لمحمد علي كلاي، لأن البارون المعني كان ملاكما ماهرا، كما كان مقاتلا من العيار الثقيل في مجال تجارة المخدرات بين الضفتين المغربية والإسبانية.
في الحقيقة اسمه فكري ويبلغ من العمر 44 عاما، كان يعيش في شقة متواضعة في حي رافال في برشلونة، حيث كان لديه محل لبيع المثلجات، ويُزعم أنه قام من هناك بنقل القوارب السريعة وقوارب الصيد والطائرات الصغيرة لنقل أطنان من المخدرات عبر المضيق، بين المغرب و إسبانيا. عندما ألقوا القبض عليه، كان يستخدم خمسة هواتف نقالة في نفس الوقت، وبجانبه كان دفتر ملاحظات يدون فيه معلومات جميع عملياته.
لقد كان كائنا ليليا حقيقيا، بالكاد غادر منزله وينطلق بنشاط في عمله عند غروب الشمس. يقول أحد مصادرنا :”إذا اضطررت إلى تسليط الضوء على شيء عنه، فسيكون أسلوب حياته الذي كان قائمًا على التكتم، إنها الوصفة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة لمدة 20 عامًا في هذا العمل، ولم يكن مثل تجار المخدرات الشباب الآن الذين يقودون سيارات فارهة و يسرفون في البذخ ويجذبون الأنظار إليهم”.
عندما ظهر فكري على رادار وحدة العمليات المركزية (UCO) للحرس المدني الإسباني، علم العملاء أنهم كانوا يتعاملون مع مهرب مخدرات يُعتبر أحد هؤلاء المهربين الذين “لا يمكن المساس بهم”. في البداية لم يكن أكثر من اسم، أثر مجهول الهوية على تسجيلات التنصت على المكالمات الهاتفية واسما على ملفات المصالح الأمنية. واستغرق الأمر ستة أشهر لرؤية وجهه لأول مرة منذ أن بدأت التحقيقات في أمره.
فكري أو علي، من مواليد الحسيمة، وكان يعمل بحارا قبل أن يصبح تاجـر مخدرات، بدأ الصيد مع صديقه عادل، الملقب بـ “كابوشينو”، الذي أصبح فيما بعد ملازمه و ساعده الأيمن. تسلق فكري جميع درجات العمل في تجارة المخدرات، من القاعدة إلى القمة. بدأ كحمّال، يحمل رزم الحشيش على الشواطئ، يفرغها من القوارب السريعة إلى السيارات رباعية الدفع والشاحنات، وأصبح بعدها قائدا لقارب مخدرات، وانتهى به الأمر، وفقًا للمعلومات التي جمعناها “كأكبر مورد للحشيش من المغرب إلى إسبانيا”.
ملفات المجموعة المركزية لمكافحة المخدرات في جهاز الحرس المدني الإسباني، تشير إلى أن فكري نقل 132 طنًا من الحشيش وأكثر من 3359 كيلوغرامًا من الكوكايين في خمسة أشهر فقط من عام 2021. في إحدى عملياته نجح في إدخال 15 ألف كيلوغرام من الحشيش إلى مدينة “هويلبا” الإسبانية، ويعتقد العملاء أنه كان تاجر مخدرات بالجملة ومزود خدمات لمهربي المخدرات، وأن من بين عملائه مهربون معروفون مثل عبد الله الحاج المنضري الملقب “بميسي” وعشيرة “لوس كاستانياس” الشهيرة.
وكان المعني على اتصال مع تجار مخدرات في المكسيك وكولومبيا، وكذلك في دبي، التي تعتبر حاليًا “المركز العصبي” لتهريب المخدرات في العالم. من هناك، استورد فكري ساعات باهظة الثمن، لأن شرائها في إسبانيا سيثير الشكوك، وغيرها من السلع الكمالية التي تجلبها شبكة من “البغال” (الأشخاص الذين يستخدمون أجسادهم لنقل البضائع المخفية)، مباشرة إلى منزله في برشلونة.
حياة الزهد التي كان يظهرها علي للعيان، في الواقع، كانت مجرد واجهة بحتة، فما كان يرتديه يوم القبض عليه قد يكلف مليون يورو، ساعته اليدوية وحدها تبلغ قيمتها 800 الف يورو. كما كانت له مصادر في بويرتو بانوس تمكنه من شراء الملابس من أكثر العلامات التجارية تميزًا، ومن وقت لآخر، سافر إلى جزيرة إيبيزا، حيث استمتع بالمنازل واليخوت الفاخرة والسيارات الفارهة، مثل لامبورغيني أوروس التي كان يملكها.
وقد حجزت المصالح الأمنية، بعد القبض على علي، في إسبانيا وحدها، ثروة تبلغ خمسة ملايين يورو، فليس من الغريب أن يتم حجز 995 ألف يورو نقدًا في أحد غارات العملية التي قضت على إمبراطوريته، حتى إنه قال في محادثة تنصتت عليها مصالح الحرس المدني أثناء التحقيقات :”ليس لدينا مكان لإخفاء هذا الكم من الأوراق النقدية”.
في إحدى المداهمات، عثر عناصر الأمن على مخططات القصر الذي كان فكري ينوي على ما يبدو تشييده في برشلونة، وهو عبارة عن فيلا فاخرة بها أجهزة تلفزيون حديثة في كل غرفة، وأثاث وأجهزة إلكترونية باهظة الثمن، بميزانية قدرها ما يقرب من مليوني أورو.
وفي غضون 20 عامًا، لم يتمكن فكري (علي) من إنشاء بنية تحتية لتهريب الحشيش من المغرب إلى إسبانيا فحسب، بل كان ينوي أيضًا السيطرة على ما يسمى في العالم السفلي بـ “الطريق الأفريقي” بواسطة شبكة من الطائرات الصغيرة التي تعبر المغرب محملة بشحنات الكوكايين من طرف إلى آخر. وكل ذلك دون إثارة الشبهات، وبدون جذب الانتباه.
وفيما يتعلق “بالطريق الإفريقي”، فشرح هذا الأمر جد بسيط. بعدما قللت المصالح الأمنية من ضغطها إلى الحد الأدنى فيما يتعلق بتفتيش السفن الشراعية واليخوت والسفن التجارية في المحيط الأطلسي، والتي يتم إرسالها إلى وجهات أكثر أمانا لتفريغ حمولتها، مثل ساحل العاج أو سيراليون. ومن هناك يستخدم تجار المخدرات البنية التحتية لفكري، أي بمجرد تفريغ الشحنات في الموانئ الإفريقية، تتحرك في طائرات صغيرة من جنوب إلى شمال المغرب بكل سهولة لتفريغ حمولتها في أي منطقة.
الحلقة الثالثة : العالمُ السفلي.. قصة “باتشو”من قِيادة قوارب “الفانطوم” إلى إمام مسجد
الحلقة الثانية : العالم السفلي.. عصابة “الشطونة” وشقيقه لتهريب البشر والحشيش
الحلقة الأولى : العالمُ السفلي.. هكذا خطط لتصفية النيني بواسطة قاتلٍٍ مأجـــور