2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

لعل أول المحاضرات التي يتلقاها طلبة مادة الفكر السياسي بكليات العلوم القانونية بالمغرب، درس يستنتج منه الطالب المبتدئ أن الفلاسفة اليونانيين ربطوا ظهور معالم الفكر السياسي وتطوره بنشأة وتطور المدينة في شكلها اليوناني المُنَظَّم وفق قواعد الديمقراطية المحلية، فالمدينة/الدولة، بالمفهوم اليوناني، كانت، كما هو ثابت من معطيات التاريخ، المكانَ المُلائم، بل و الأوحد، لظهور موضوع فكري حديث يحمل تسمية “الفكر السياسي”.
الحقيقة أن هذه القاعدة، أو الخلاصة، التي انتهى إليها فلاسفة اليونان الأوائل، تبدو على قدر كبير من الوجاهة والسداد، ما دامت الدولة-المدينة، باعتبارها أبرز تجمع سكاني منظم وفق قواعد وضعها المجتمع، قد استطاعت التفكيك و التخلص من قواعدالمجتمع القبائلي و بالنتيجة، تحريرالمواطن اليوناني من الوصاية الثقيلة للعشيرة والعائلة و ما ارتبط بهما من مساوئ و نقائص.
الحديث عن ارتباط الفكر السياسي بالمدينة والتمدن، يدفع الإنسان للتساؤل عن مدى تحقق هذا الإرتباط في حالة وطن كالمغرب، وطن لم ينتج على مدى فترات طويلة من تاريخه فكرا سياسيا يحضى بمكانة راقية، مكانة يُنْظر إليها بمنظار التقدير والإعجاب، وهو أمر، كما يبدو في اعتقاد الكثير من الناس،يعود لكون أن العمل السياسي المغربي، رغم ارتباطه بالمدينةشكلا، فإنه لم يُمارَسْ وفق أدبيات وثقافة الحاضرةبل استمر في النشاط و الحركة وفق آليات و أدبيات ذاتعمق بدَوّي في المقام الأول.
والمعروف، في هذا الباب، أن البادية المغربية كانت، علىمر حقب التاريخ، مجتمعات انقسامية و انشطارية، و لعل هذه المرجعية القروية، بإمكانها أن تفسر، وإلى الحدود الملائمة،تلك الرحلات الدائمة التي تكون الأحزابالسياسيةموضوعا لها، إلى درجة دفعت باحثين في السياسة، وممارسين لها، إلى اعتبار إنشاء أحزاب جديدة شكلا متقدمامن أشكال هذه الرحلاتلا سيما عندما يأتي هذا التأسيس على خلفية تصدعات تعرفها الأحزاب الهرمة أو السائرة في على طريق الشيخوخة.
إن الإرتحال الدائم، وبحسب مواعيد، تكاد تكون ثابتة و متكررة، صفة لصيقة بطائفة من البدو، ولذلك أطلق عليهم لقبُ الرُّحّل، وهممُجْبَرون على ذلك لأسباب ترتبط بنمط حياتهم، وطرق تدبير أسباب الحياة عندهم. لكن يبدو أن هذه الصفة لمترتبط بهذه الفئة المواطنين فقط، بل تعدتها، كما يبدو، لتشمل الناشطين منهم في حقل السياسة، فقد أضحوا مثل أقرانهم البدْو، لاينتهي الواحد منهم من رحلة حتى يشرع في الإعداد لرحلة أخرى.
رغم ذلك، لا يملك الواحد إلا التماس الأعذارلهم، فهمرُحّل،لأنهم لم يتخلصوا من رواسب البادية وبلغوا في هذا الشأن درجة من”البدوية” قد يوضع معها ارتباط العمل السياسي بالمدينة، كنظرية يونانية، على محكصعب، فالمدنيون/السياسيون يفكرون بصيغة”البادية”، لكن في أجواء “المدينة” ، و تلك صيغة قد تجعل من كل مواطن فرد مشروع تكتل سياسي جديد.
بعد مرور بضعة أشهر على تنظيم الإنتخابات التشريعية،يسجل المرء أن إيلافات السياسيين المغاربة قد فاقت إيلافات قريش في رحلتي الشتاء والصيف،فليعبدوا، بالنتيحة، رب هذا البيت الذي “أطعمهم من جوع المقاعد”، و “آمنهم” من خوف” الرقـــــــابة” !
الآراء المذكورة في المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.