لماذا وإلى أين ؟

العالمُ السُفلي.. “كابو نيغرو” و مُنتجعات البارونات الهاربين

“العالم السفلي”؛ سلسلة قصصية مشوقة، تفتح من خلالها “آشكاين” لقرائها الكرام نافذة لاستكشاف عالم تجارة المخدرات بين شمال المغرب وإسبانيا.

من خلال هذه النافذة، تنقل الجريدة الإلكترونية “آشكاين” لمتتبعيها أحداث مشوقة من عالم التهريب الدولي للمخدرات بعضها ينبش تفاصيل ملفات معروف للعامة وبعضها خفي لا يعرفه إلا المقربون من العالم السفلي لتجارة المخدرات، إضافة إلى قصص أشخاص واكبوا وعملوا مع أكبر البارونات بمناطق الشمال والمغرب وأيضا إسبانيا.

مصدرنا في حلقة اليوم، يحكي لنا عن بارونات الحشيش الفارين من إسبانيا، والتي تعد “كابو نيغرو” ضواحي تطوان ملجأهم المفضل، حيث يتوارون عن الأنظار في شاليهاتها وملاهيها الليلية، هناك حيث يمكن شراء خصوصيتك وصمت جيرانك.

إليكم القصة :

لطالما كان فؤاد مخلصًا لوالدته مريم، وهي امرأة ذات إعاقة ذهنية كانت تعبر يوميًا بالعبارة من سبتة إلى الجزيرة الخضراء مع “بلوطات” من الحشيش مخبأة في جسدها، ثم تبيعه بسعر جيد للتجار المحليين، تعيل عائلتها بفضل ذلك، بعدما تخلى عنها زوجها مع ثلاثة أطفال صغار. نشأ فؤاد وإخوته في الشارع تحت صورة أم تحولت إلى سيدة يحترمها الجميع في الحي، بعدما أعالت وحيدة أسرتها.

استمر الأمر كذلك لمدة عقدين، حتى تغير كل شيء في صيف 2014، عندما حطمت الشرطة باب منزل فؤاد بسبتة، وعثرت عناصر الأمن على تسعة كيلوغرامات من الحشيش مقسمة إلى أقراص زنة 200 جرام و مسدس، واعترف فؤاد بالجريمة حتى لا تدخل والدته السجن، وقضى عقوبة في سجن بوتافويغوس بالجزيرة الخضراء. وبعد ثلاث سنوات، بعد حصوله على أول تصريح للخروج المؤقت من السجن، قرر الهروب إلى ساحل “كابو نيغرو”، ضواحي تطوان.

ولم يكن فؤاد تاجر المخدرات الوحيد الذي فرّ إلى المدينة الشمالية الصغيرة. فخوان وشاكر وحكيم كانوا قد سبقوه إلى هناك منذ بعض الوقت، كلهم تجار مخدرات التجزئة أو مهربون أو مطلوبون من الشرطة الإسبانية لتورطهم في ذلك، واليوم يواصلون جميعًا إدارة أعمالهم من شاليهات “كابو نيغرو”.

سنة 2018 تزوج فؤاد من إحدى البغايا التي كانت تعمل في “Golden Beach”، وهو الملهى الليلي الذي يتردد عليه مهربو المخدرات الإسبان الهاربون. مكان دائما مليء برجال يرتدون بدلات مزينة بعلامات تجارية غالية، يقع داخل منتجع “Tamuda Bay”، المعروف باسم “Marbella المغربية”، ضواحي مدينة تطوان، والذي يغطي خليجًا بطول 15 كيلومترًا على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​وحصل على قيمة كبيرة بفضل الاستثمارات العقارية الأجنبية.

المنطقة بأكملها تعد مرتعا لبارونات الحشيش، الكثير منهم فروا من العدالة الإسبانية، وليس من المكلف للغاية رشوة شرطيين أو شراء صمت الجيران. بالإضافة إلى ذلك، في الشمال، لطالما حظيت شخصية “بارون المخدرات” بتقدير كبير واحترام وخوف، وخير مثال المكانة التي يعتليها بارون المخدرات الشهير “النيني” الذي تم اغتياله بمارينا سمير، على الرغم من أن الحقيقة هي أن جسده لم يظهر أبدًا، ولا يمكن الخوض في تفاصيل قضية دون دلائل، إلا أنه إذا كان أحدهم قادرًا على تزييف موته بتلك الطريقة فهو “النيني”.

وفي واقعة شهيرة سنة 2018، على نفس الشاطئ في مارينا سمير، على بعد 20 كيلومترًا من الحدود مع سبتة المحتلة، وصل بارون المخدرات صامويل كريسبو على دراجة مائية. قبل ذلك بساعات، أنقذه حوالي عشرين رجلاً من عصابته من مستشفى لا لينيا دي لا كونسيبسيون بقادس، حيث تم إدخاله بعد تعرضه لحادث دراجة نارية أثناء مطاردته من طرف الشرطة. انتشرت الأخبار في جميع أنحاء العالم ولا يمكن لأحد أن يشرح كيف تمكن مهرب مخدرات تحت حراسة الشرطة في المستشفى من الفرار. في اليوم التالي لوصوله إلى المغرب، نُقل صامويل إلى عيادة خاصة بطبيب تخدير في تطوان، هناك قام الطبيب بتنظيف وإغلاق الجرح في ساقه. لينهي صامويل رحلته في أحد المشاريع السكنية في خليج تامودا، حيث لجأ إلى إحدى الشقق البيضاء المواجهة لشاطئ خاص، ذلك قبل أن يطل برأسه مجددا لتطيح بيه عناصر الحرس المدني الإسباني بعد سنوات.

وقبل خمس سنوات من واقعة صامويل، هرب إسباني آخر، معروف في قادس باسم خوسيه فقط، إلى “كابو نيغرو”، بعدما كان يعمل لصالح عشيرة الأخوين أنطونيو وفرانشيسكو تيخون، المعروفين باسم “لوس كاستانياس” التي كانت تسيطر على تهريب المخدرات بين المغرب وإسبانيا، قبل توقيفهم وإحالتهم على العدالة خلال السنة الماضية.

اشترى خوسيه منزلا في قرية سوق سبت بني كرفط في جبال العرائش، ليعمل كأحد المسؤولين عن لوجستيات نقل الحشيش من منطقة كتامة، في سلسلة جبال الريف، إلى شواطئ مدن الجبهة وواد لاو، على بعد 45 كيلومترا من منتجع تامودا باي. هناك في الرمال، ينتظر الحمالون، الذين يحملون زرم الحشيش على متن قوارب الزودياك السريعة. ويوضح مصدرنا :”في العادة نرسل ثلاثة قوارب لإلهاء دوريات الحرس المدني بينما نستخدم قاربا آخر لوضع الحشيش فيه”.

يضيف المصدر، أن مجال تهريب الحشيش يعمل كخط تجميع وأن عدة أشخاص يشاركون في العملية، المراقب الذي يحذر من وجود الشرطة؛ سائق الزودياك الذي يأخذ الحشيش إلى إسبانيا مقابل 30 ألف يورو؛ الحمالون، والعديد منهم قاصرون، والذين يفرغون رزم الحشيش التي يبلغ وزنها 30 كيلوغرامًا مقابل ما يصل إلى 3000 يورو لكل شحنة تصل إلى الشاطئ ويتم تحميلها في سيارات الدفع الرباعي؛ والسائق الذي يأخذ المخدرات إلى المخازن التي يمتلكها تجار المخدرات، والذين يمكنهم كسب ما يصل إلى 50 ألف يورو مقابل الرحلة. ويؤكد المصدر، أن كميات كبيرة من هذا الحشيش يتم حفظه في المستودعات الزراعية الموجودة في حقول الأرز في حديقة دونيانا الوطنية في هويلبا الإسبانية.

خوان ودراجته المائية

خوان هو الآخر، تراه من وقت لآخر حول خليج تامودا، وهو رجل من ملقة فرّ من إسبانيا قبل سبع سنوات بعد أن فككت الشرطة منظمته. وكان من بين المعتقلين في تلك العملية ثلاثة حراس مدنيين إسبان عملوا معهم. يتنقل خوان باستمرار عبر شبه الجزيرة على متن زلاجة مائية (جيتسكي). تتطلب الرحلة 35 دقيقة لمسافة 50 كيلومترا من مقر إقامته في المغرب إلى مدينة “Línea de la Concepción”. من هناك يذهب إلى الجزيرة الخضراء لمراقبة عملية نقل الحشيش الذي يصل عبر زودياك من سواحل شمال المغرب، وينقلونه في سيارة دفع رباعي مع سيارة أخرى ذات محرك قوي دائمًا على بعد بضعة كيلومترات، ويتواصلون معها باستمرار عن طريق اللاسلكي، لرصد أي سدود قضائية أو نقاط تفتيش تابعة للشرطة.

ويصل هذا الحشيش إلى أفيلا، لتكون قيمته قد تضاعفت ثلاث مرات بالفعل، وينتظر موزعون آخرون هناك لنقله عبر “Castilla y León” إلى بلاد الباسك. يشير المصدر :”نسافر دائمًا بخزان ممتلئ ولا نتوقف حتى للذهاب إلى الحمام، نحن نحمل دائمًا زجاجات بلاستيكية لقضاء حاجتنا”.

وعلى الرغم من أن معظم البارونات الذين فروا إلى خليج تامودا لم يعودوا يقومون بأعمال ميدانية. فهم لا ينزلون إلى الشواطئ لتحميل الحشيش على القوارب، بل ينسقون العملية بأكملها من شققهم الفاخرة. إلا أنهم لازالوا يعبرون شبه الجزيرة بانتظام على دراجات “الجيتسكي” النفاثة لممارسة أعمالهم.

ملعب للجولف وبار مفتوح

في “كابو نيغرو”، يستمتع مهربوا المخدرات قبل كل شيء بملعب الجولف والحفلات التي تقام فيها البارات المفتوحة والبغايا. حيث يمكن أن يكلف استئجار الشقق في المنتجعات ما بين 150 و 500 يورو في اليوم، حسب موقعها والوقت من السنة.

ومن بين الأسماء الأكثر شهرة التي يقول مصدرنا أنها مرت عبر شاليهات “كابو نيغرو”، هو اسم تانيا فاريلا، التي كانت صديقة ومحامية ديفيد بيريز لاغو، ربيب تاجر المخدرات الشهير من غاليسيا “Laureano Oubiña”. عندما اتُهمت المحامية أيضًا بتهريب المخدرات ، دافع عنها المحامي ألفونسو دياز مونوكس ، الذي بدأت معه علاقة غرامية. وفي عام 2008، قتل قاتل محترف ألفونسو واتهم تانيا بالتعاقد معه، لتفر من إسبانيا ولم يسمع عنها أحد خلال السنوات الستة عشر الماضية، لكن اسمها ظل يتردد في العالم السفلي.

 

كان حكيم هو الآخر، المولود في سبتة من أم وأب مغربيين، والذي هرب من السلطات الإسبانية منذ أكثر من 30 عامًا، أول من وصل إلى خليج تامودا قبل تطوير المنتجع الفاخر بأكمله، وكان حكيم أول من بنى لنفسه قصرًا في وسط أرض مهجورة على شاطئ البحر. وقد مرت أكثر من عشر سنوات منذ أن ترك تجارة الحشيش.

بينما تم القبض على الهارب الآخر، شاكر، قبل ثمانية سنوات بشحنة 80 كيلوغرامًا من الحشيش عندما كان يمر عبر نقطة تفتيش للشرطة بالقرب من إشبيلية. وتم احتجازه لمدة عام ، لكن أطلق سراحه بكفالة في انتظار المحاكمة ، واغتنم الفرصة للهروب إلى خليج تمودا. وهو الآن متزوج ولديه أطفال وواصل إرسال الحشيش إلى شبه الجزيرة لمدة طويلة، قبل أن يعتزل هو الآخر قبل بضع سنوات.

ولسنوات طوال افتتح العديد من البارونات الهاربين من العدالة، كافيتريات واشتروا عقارات فارهة في أفضل أحياء طنجة وتطوان. يمنحون السكان المحليين الذين يعملون معهم الكثير من المال. لكن كل تلك المشاريع هي في الواقع غطاء لغسل الملايين التي يكسبونها من تهريب المخدرات. يقول مصدرنا، “إنهم يفعلون ما يريدون، ويواصلون أعمالهم، ويتنقلون ذهابا وإيابا بوسائلهم الخاصة إلى شبه الجزيرة لرؤية العائلة أو عقد الصفقات. وإذا استسلم أحدهم للشرطة، فذلك ببساطة لأنهم لا يستطيعون تحمل الموقف على المستوى النفسي. في هذه الحالة، تلعب العائلات دورًا أساسيًا، فهم يفضلونك في السجن بدلاً من الخروج بدون هوية. لأنه عندما تكون هارباً، فإن الخطر ليس الشرطة، بل أعدائك في العمل، لأنهم قد يجعلونك تختفي في لحظة”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x