لماذا وإلى أين ؟

حيكر: وزارة بنسعيد كرّست واقع التشرذم والانقسام داخل قطاع الصحافة (حوار)

“حوار برلماني” حوار أسبوعي يتناول القضايا السياسية بشكل عام والقضايا التي تتدارسها المؤسسة التشريعية في المملكة المغربية، ويسعى لتقريب قراء الصحيفة الرقمية “آشكاين” من كل النقاشات المثارة في الساحة السياسية من خلال استضافة برلمانيات وبرلمانيين من مختلف الأحزاب السياسية من فرق المعارضة أو “صف” الأغلبية.

حوار الأسبوع الجاري، نواكب عبره مستجدات مناقشة مشروع القانون رقم 15.23 القاضي بإحداث لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر داخل لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب.

خلال اجتماع يوم أمس الثلاثاء الذي خصص للمناقشة العامة والتفصيلية لمشروع القانون المشار إليه، برزت مواقف أعضاء المجموعة النيابية للعدالة والتنمية التي كانت “قوية” و”مثيرة للإهتمام”. لذلك يستضيف “الحوار البرلماني” عضو المجموعة النيابية لـ”البيجيدي”؛ عبد الصمد حيكر، من أجل بسط ومناقشة مواقفهم من مشروع القانون الخاصة بإحداث “لجنة الصحافة”.

وفي ما يلي نص الحوار:

شهد قطاع الصحافة مستجدات مثيرة، بدأت بمرسوم قانون تمديد مدة انتداب مجلس الصحافة، مرورا بمقترح قانون لم يكشف عن مصدره يقضي بتعديل قانون المجلس باعتماد مبدأ التعيين بدل مبدأ الانتخاب، وصولا إلى مشروع قانون إحداث لجنة تسير شؤون الصحافة. هل هذا إصلاح في نظرك أم توجه نحو التحكم في القطاع؟

في البداية لا بد من التأكيد على أن المنظومة التشريعية المتعلقة بقطاع الصحافة والنشر بحاجة فعلا إلى مراجعة وإلى تطوير، لكن نحن اليوم لسنا بصدد مناقشة هذا الموضوع، وإنما نحن بصدد مشروع قانون يحاول أن يقدم إجابة تشريعية عن حالة الفراغ المؤسساتي الناتج عن انتهاء مدة صلاحية المجلس الوطني للصحافة نتيجة الفشل في تنظيم الانتخابات المتعلقة بانتخاب أعضائه، رغم التمديد لمدة 6 أشهر الذي منحه البرلمان لهذا المجلس بمقتضى المرسوم بقانون.

وهنا لا بد من التأكيد على أننا في حالة فراغ مؤسساتي وليس فراغ تشريعي؛ لأن الأمر يحتاج في نظرنا إلى قراءة سليمة لمقتضيات القانون المتعلق بالمجلس الوطني للصحافة؛ لا سيما قراءة مادته التاسعة في علاقتها مع المادة 54، وإذا كان من مبادرة تشريعية ممكنة، فإنه ينبغي أن تنحصر في مزيد من التدقيق للمادة التاسعة.

ولئن كنا، في العدالة والتنمية، نستغرب لهذا الفراغ المؤسساتي الذي وقع، كما نشدد على أننا نرفض استمراره، إذ لا يمكن للمملكة المغربية أن تظل بدون مجلس وطني للصحافة؛ وذلك بالنظر –من جهةء إلى المجهودات التي بذلناها –كبلدء في مسار إقرار منظومة تشريعية متجددة ومتطورة باستمرار في مجال الصحافة والنشر، ومن جهة أخرى؛ بالنظر إلى الحاجة إلى مجلس وطني للصحافة في مجال التنظيم الذاتي للمهنة وتطوير هذا القطاع…؛ غير أننا في المقابل وفي الوقت ذاته، نعتبر أن أية مبادرة تشريعية لسد الفراغ المؤسساتي المشار إليه، لا يمكن أن تكون إلا منضبطة لأحكام الدستور؛ لا سيما ما ورد منها في الفصل 28، والمرتكزة أساسا على حصر دور السلطات العمومية في تشجيع تنظيم قطاع الصحافة على أساس الاستقلالية والديموقراطية.

لذلك، فإن الملاحظة الكبرى على مشروع القانون قيد الدراسة؛ هي أنه عوض أن يقتصر على إيجاد حل لمشكل الفشل في تنظيم انتخابات لأعضاء جدد في المجلس الوطني للصحافة، نجده قد أتى لإحداث لجنة مؤقتة مع منحها الاختصاصات الموكولة إلى هذا الأخير في الأحوال العادية، وتعزيزها إضافة إلى اختصاصات إضافية أخرى…، بينما تتمثل الملاحظة الأساسية الأخرى في الانتقال من منهجية انتخاب أعضائه إلى منهجية تعيينهم؛ سيما أن تركيبة اللجنة –كما وردت في مشروع القانونء تعبر بوضوح عن سعي الوزارة إلى الإبقاء على أعضاء سابقين من المجلس، ممن يوافقون الوزير في مقاربته ويخدم مصالحهم المرتبطة باستمرارهم في مواقع المسؤولية داخل المجلس الوطني، وفي الوقت ذاته تنحية الأعضاء المخالفين، مع إضافة ثلاثة أعضاء يعينهم رئيس الحكومة؛ فهي تركيبة على المقاس، وتسعى الوزارة إلى منحهم اليد الطولى على قطاع الصحافة والنشر مما يعد بالنسبة إلينا إشكالا حقيقيا؛ يجعل هذا المشروع خطورة تراجعية، تتعارض مع أحكام الدستور ومتطلبات تحصين المكتسبات، كما لا ينفي عن الوزير ومن معه سعيهم إلى التحكم في هذا المجال، مما يبعث لدينا تخوفات كبيرة من المستقبل.

أعلنت المجموعة النيابية للعدالة والتنمية مقاطعة المناقشة التفصيلية لمشروع قانون إحداث لجنة تسيير شؤون الصحافة، فهل اختار حزبكم سياسة الكرسي الفارغ؟

طبعا، أنتم تعلمون أن نهجنا كعدالة وتنمية يرفض سياسة الكرسي الفارغ، نحن كمجموعة نيابية شاركنا في النقاش المرتبط بالموضوع، منذ دائما، وتعبيرا منا على حسن نيتنا كنا قد وافقنا الحكومة وصوتنا لصالح المرسوم بقانون، والذي منح المجلس الوطني للصحافة المنتهية ولايته مدة ستة أشهر كي يتولى تنظيم انتخابات أعضاء المجلس، غير أننا فوجئنا بأن الحكومة تعتمد مشروع القانون هذا، في خطوة غريبة، ومن دون ذكر للأسباب الحقيقة وراء فشل المجلس الوطني المنتهية ولايته في تنظيم الانتخابات، وقد قمنا بتنظيم يوم دراسي في الموضوع؛ كنا قد استدعينا إليه جميع المكونات المهنية والنقابية، ومختلف الفاعلين والمهتمين، كما أن ممثلي الهيئات الذين يوافقون الوزير في موضوع اللجنة المؤقتة لم يحضروا للقاء الدراسي الهام والذي كان فرصة حقيقية لخوض حوار هادئ في هذا الموضوع الساخن والحساس.

كما حضرنا واستمعنا لعرض الوزير المتعلق بتقديم مشروع القانون المذكور ودواعيه وأهدافه…، وقدمنا وجهة نظرنا وطرحنا عدة تساؤلات وعبرنا على جملة من المخاوف؛ كما طالبنا بإمدادنا بالأشغال التحضيرية لإعداد المشروع؛ وقد طالبنا بشكل خاص أن يفصح الوزير عن رأي الأمانة العامة للحكومة في الموضوع، بل وقد تقدمنا بقراءة دستورية وقانونية وحقوقية تبين بوضوح مختلف المؤاخذات على المشروع الذي سيفضي إلى عدة إشكاليات لعل أبرزها إشكال الازدواج التشريعي (وجود قانون يتعلق بالمجلس الوطني للصحافة الذي يمنحه اختصاصات معينة، وفي الوقت ذاته إحداث لجنة مؤقتة مع منحها نفس الاختصاصات وزيادة!)، إضافة إلى المس باستقلالية المجلس، وبمتطلبات التنظيم الذاتي للمهنة.

أكثر من ذلك اقترحنا آلية معمولا بها في كثير من الأحوال والأوقات داخل البرلمان، تتمثل في إحداث لجنة تقنية تنبثق عن اللجنة الدائمة بالبرلمان تمثل فيها الحكومة إضافة إلى كل مكونات المجلس قصد تمحيص الاختلافات والحوار بشأنها، والاهتداء إلى صيغة توافقية تفضي إلى بلورة نص ينسجم مع أحكام الدستور، ويحصن المكتسبات التي تم تحقيقها ببلادنا في مجال تنظيم قطاع الصحافة والنشر، والتصدي لما من شأنه أن يزيد من تعميق الشرخ الذي أصاب الجسم الصحفي بسبب هذا النص، كما يجنب بلادنا عدة متاعب نتيجة التراجعات التي يكرسها هذا المشروع وفق الصيغة التي جاء بها.

غير أنه في المقابل، لم نتلق من الوزير أيا من المعطيات التكميلية التي طالبنا بها، كما اختار عدم الإجابة على الأسئلة العميقة والواضحة حول الإشكالات التي يثيرها المشروع، بل ولم يقدم أية معطيات تنفي تشكيكنا في حياد الوزارة؛ بل ولم يتفاعل مع مقترح اللجنة التقنية لا بالرفض ولا بالقبول ولا بالتعليق، مما فهمنا منه بأن الوزير معتد بالأغلبية العددية للنواب من فرق الأغلبية، وأن الاستمرار في المناقشة التفصيلية مجرد عبث لأنه لن يأتي بأي جديد؛ في ظل انغلاق الوزير وجموده على الصيغة التي أتى بها.. فلماذا الاستمرا في العبث؟ لذلك اعتبرنا أننا غير معنيين بالمناقشة التفصيلية لمواد المشروع.

وهل تقترح مجموعتكم حلولا أخرى غير ما تقترحه الحكومة اليوم؟

طيعا لدينا، رؤية واضحة ومقترحات محددة، نعتقد أنها كفيلة بإيجاد مخرج للورطة التي أوقعت الحكومة نفسها فيها؛ مخرج يحترم أحكام الدستور، ولا يفضي إلى أي ازدواج تشريعي، كما يحصن المكتسبات التي حققتها بلادنا في هذا المجال، بل ويوقف نزيف الانشقاق والتشرذم داخل قطاع الصحافة والنشر؛ وهو ما لا يمكنني الإفصاح عنه الآن، في انتظار أن يتم تقييم الموضوع على مستوى مجموعتنا وأيضا في إطار مكونات المعارضة.

طيب، وكيف سيكون رد مجموعتكم إذا واصلت الحكومة مسارها وصادق البرلمان على اللجنة التي تعتبرونها غير دستورية؟

لكل حادث حديث. بكل تأكيد أن هذا الموضوع وهذه التطورات ستخضع للدراسة والتقييم بيننا كمعارضة، وفي ضوء ذلك سنحدد ما الذي يتعين فعله.

أخيرا، من المسؤول في ما وصلت إليه أوضاع مجلس الصحافة؟ الحكومة أم المسؤولين السابقين على المجلس؟

أظن أن الجواب على هذا السؤال ليس بسيطا، وأعتقد أن تقييم أوضاع المجلس الوطني للصحافة أمر مطلوب، كما أن أداءه يحتاج أيضا إلى تقييم وتدقيق، ولا بد من التعرف على أسباب وخلفيات الفشل في تنظيم انتخابات أعضاء المجلس في موعدها وحتى بعد التمديد بموجب المرسوم بقانون، ومن دون معرفة الأسباب الحقيقية لهذا الفشل لا يمكننا الاطمئنان على أن هذه اللجنة المؤقتة ستنجح فيما لم ينجح فيه المجلس، وكل ذلك يحتاج إلى وقت وإلى حذر لأن الأمر يحتاج إلى مراعاة خصوصية الحقل الذي نتحدث عنه.

لكن وحيث إن موضوعنا هو الحل الذي اقترحته الوزارة والمتمثل في اللجنة المؤقتة، فإننا نعتبر أن الوزارة مسؤولة بشكل مباشر على تكريس واقع التشرذم والانقسام داخل الجسم الصحفي، ومسؤولة على تحيزها لطرف وإقصائها لأطراف أخرى، مما يؤشر على المساس باستقلالية القطاع، والتنظيم الذاتي للمهنة،كما يبعث على التخوف من مستقبل تنظيم هذه المهنة.

إجمالا، الأمر يحتاج إلى تقييم عام، غير أن المشروع الذي هو سبب النزول ينبغي سحبه والتراجع عنه، هذا طبعا إذا كانت الحكومة ملتزمة بالدستور ومؤمنة بالديموقراطية، وضرورة تقوية استقلالية المجلس وتدعيم التنظيم الذاتي للمهنة، باختصار إذا كانت الحكومة تحرص على مصلحة الوطن وليس مصلحة بعض الأشخاص.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x