لماذا وإلى أين ؟

لماذا فشلت النخبة السياسية في المغرب؟

إذا أراد أي مجتمع سياسي أن يرقى إلى مستوى اجتماعي متحضر عليه أن يكون قابل للتغيير سواء من حيث التكيف مع المتغيرات الدولية أو الوطنية، وهنا لابد من تغيير العقلية والانتقال من وضع إلى وضع سياسي واقعي يتماشى والتطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي، حيث أن المجتمعات تتغير بتغير الظروف وعوامل الزمان والمكان، تتحكم في الحياة السياسية والاقتصادية، وهي التي تنتج مجتمع حضاري قادر على مواجهات تحديات الظروف والتغيرات، وبالتالي الحفاظ على الاستقرار أو عدم الاستقرار.

لذا فلابد أن يتعلم الإنسان كيف يعيش في روابط وثيقة مع أبناء جنسه، بحيث إذا عاش الناس معا وتبادلوا الاعتماد بعضهم على بعض، لابد أن يحتاج الأمر إلى عدة عوامل وقواعد لتشييد السلوك و ضبطه، ومن هنا في التنظيم الاجتماعي والحكم السياسي يصبحان لازمين من لوازم الحياة الإنسانية، ولما كانت هذه القواعد والقوانين التي يحيى بها البشر هي من صنع الإنسان، وكان هو الذي يقرر ما يشاء من أفعال وتصرفات سياسية، فإن السياسة تصبح عملا إنسانيا صرفا خلقه الإنسان وتركز حول الإنسان.

لذا يجب أن يكون البحث عنه من خلال دراسته الإنسان وليس ظواهر الكون الطبيعي وهنا تطرح عدة أسئلة:
– ما هي القواعد التي يجب أن يفرضها المجتمع على الإنسان؟ ومن تكون له سلطة وضع القوانين التي تؤثر في مجريات حياة الناس؟
– و ما هي الإجراءات التي تتبع في ممارسة الحكم، وما هي المؤسسات الضامنة لسلامة هذا الحكم، وما هي الحدود التي يجب أن تلتزمها أي حكومة ولا تتعداها؟
هذه بعض الأسئلة يتعين على كل مجتمع سياسي في أي عصر أن يجيب عليها…. ! ومن هذا المنطلق يلاحظ أن آليات السياسة والحكم تنطوي على قيم و أخلاقيات، وهذه القيم تعكسها المؤسسات السياسية في تنظيمها وممارستها، فالسياسة والديمقراطية شيئان لا ينفصمان مهما كان الحكم على القيم، ومن تم فإن الحكومة الديمقراطية والسلطوية تعملان بالقيم، لكنها قيمة مختلفة، وقد تكون متضاربة، ويلزم أيضا أن نلاحظ أنه لا ديمقراطية خالصة ولا ديكتاتورية خالصة، فالديمقراطية والسلطوية هما طرفان لامتدادات تملأ الفراغ السياسي.

فالديمقراطية أساسا منهج نسبي عملي منطقي إلى حد ما يدرك أن المعرفة البشرية معرفة نسبية قابلة للخطأ، ويصحح نفسه وهو يمضي في التطبيق، وهو منهج ينكر على الإنسان أو أية جماعة أن يمتلك أو تمتلك الحقيقة كلها، وقد يقال أن الذين يؤمنون بالحقيقة المطلقة يتعين استبعادهم من صفوف الديمقراطيين، إن الديمقراطي يخلق أهدافه و أغراضه ويقيم وسائله ويغيرها كلها إذا دعت الضرورة، وقد يكون مفرطا في التفاؤل أو متجاوزا لحدود الأمل في توقعاته، ولكنه يرفض اليقين الحديدي الذي تمليه العقائد والمذاهب.

والقيمة الأولية في البناء الهرمي الديمقراطي هي الإنسان الفرد، وبناء عليه فإن الديمقراطية تجعل الناس جميعا على قدم المساواة من الاستحقاق و الجدارة بغض النظر عن ظروفهم في الحياة، وهو ما يقود إلى الاعتقاد بأن الناس قادرون على حكم أنفسهم، وأنهم يجب من ثم أن يحكموا أنفسهم ولذلك نجد أن المصدر المشروع الوحيد في النظرية الديمقراطية للسلطة السياسية هو رضاء المحكومين وهو المبدأ المعروف بالسيادة الشعبية، إذن فالديمقراطية تعني المساواة أساسا، ويختلف تطبيق مبدأ المساواة باختلاف النظم الديمقراطية.

أما مطالب المساواة في المجتمعات الديمقراطية عامة فقد اقتصرت على الأوضاع السياسية والقانونية وعلى مفهوم تكافؤ الفرص، وتكافؤ الفرص أمر يسعى إليه في المسائل الاجتماعية والوظيفية مثل التعليم والوضع الاجتماعي والإسكان وغيره، غير أن الصعوبة التي تواجهها معظم الديمقراطيات هي فيما يتوارثه الأفراد، حيث من العسير جدا التغلب على مزايا الثروة أو الكيان الاجتماعي الذي يتحقق بالميلاد وفق الانتماء إلى أسر معينة في النظم الديمقراطية، فلابد أن تكون هناك حرية الكلام وحرية النشر والارتباط الحر مع الآخرين إذ لا يمكن تأسيس حكومة ديمقراطية دون هذه الحقوق، ولابد أن تكون العملية السياسية مفتوحة لكل شخص، ولابد أن يكون أفراد المجتمع يتمتعون بقسط من التعليم يمكنهم من تقييم حكومتهم، ولابد لهم من أن يحصلوا على المعلومات التي يحتاجونها من أجل هذا التقييم.

والديمقراطية تنطوي على المسؤولية بالنسبة للحاكم والمحكوم، فالذين يشرفون على الحكم يتعين أن يوجهوا النظام السياسي طبقا للمبادئ الديمقراطية، و لابد أن يكون هناك أسلوب لمحاسبتهم وتغييرهم كلما اقتضى الأمر ذلك، ومن جهة المواطن لابد أن تكون له حرية النقد والمعارضة لسياسة الحكومة واقتراح البدائل والسعي لتنفيذها، وعلى الديمقراطيين أن يكونوا راغبين في دفع الثمن الواجب لحكم أنفسهم بأنفسهم حكما مسؤولا، وهو إنفاق الوقت والجهد ليصبحوا مواطنين مسؤولين لأن الديمقراطية هي بمثابة التزام سياسي يبقى مع المرء طول الحياة، وأن يتبع الحكام والمحكومون قواعد اللعبة السياسية ليـتحملوا الهزيمة ويبتعدوا عن العنف، ويتلمسوا سبل التعبير السياسي عن طريق القنوات الراسخة بالوسائل السلمية، ويتعين على المحكومين أن يتجنبوا فرض إرادتهم على الحكومة بالعنف.

أما النظم السلطوية فكل أشكالها تنطوي على إنكار اليقين الديمقراطي بجدارة الإنسان وقيمته المتساوية مع بني جلدته، وهي بالتالي تنكر صراحة أو ضمنا قيمة الإنسان الفرد، أو قدرته على حكم نفسه بنفسه.

ومتى ثم إنكار المساواة الأساسية بين الأفراد سقط حقهم في حكم أنفسهم بأنفسهم، ومعه كل الجهاز الذي تقدره النظم الديمقراطية كحرية التعبير وحرية دخول العملية السياسية، حرية التجمع والترابط وغيرها من الحريات الشخصية، لا مكان لها في النظم السلطوية.

قد تستبقي هذه النظم أشكال المؤسسات الديمقراطية، ولكنها تغير وظيفتها في العملية السياسية، فالأحزاب السياسية مثلا تخدم أهدافا مختلفة في النظم الديمقراطية والنظم السلطوية.

لا يوجد مجتمع قائم في احد النظامين خالصا، ففي كل ديمقراطية توجد مثالب وعيوب بعضها يشكل قصورا جسيما، وأما النظم السلطوية فمعظمها أقل من أن يكون شموليا، ومع ذلك فالفوارق بين النظم ليست مجرد فوارق أكاديمية، إذ هناك فارق في نوعية الحياة واضح.

الديمقراطية الناجحة وراءها عهد طويل من التقاليد والتجربة، كما أن الديمقراطية تعكس علاقة القوى الحقيقية في المجتمع إذا أريد لها أن تبقى وتستقر، إن الديمقراطية تتطلب مؤسسات معينة مثل استقلال القضاء والنزاهة فيه، أن يكون العدل هو أساس الديمقراطية بالإضافة إلى المجالس التشريعية، والأحزاب السياسية وعلى ذكر الأحزاب السياسية أي حزب سياسي كان يمثل أغلبية أو حتى أقلية هدفه هو الوصول إلى الحكم منفردا أو المشاركة فيه، ولكن الحزب متى وصل إلى الحكم أو شارك فيه أصبح له شكل ومضمون مختلف، فهو لن يبقى تلك الساحة الرئيسية التي يجتمع فيها المواطنون من ذوي الآراء المتشابهة من أجل التعبير عن آرائهم وتنظيمها وتطويرها وأعمالها أو العمل بها وبالتالي يصبح له كيان جديد هو كيان المسؤولية المباشرة على الصالح العام، أي انتقل من الدائرة النظرية إلى الدائرة العملية والمرحلة التطبيقية، وأصبح مسؤولا في أجهزة الدولة، بل أصبح أيضا إذا كان مشاركا في الحكم مسؤولا بالمشاركة عن تصرفاته وتصرفات ممثليه في المسؤوليات الحكومية أو البرلمانية أو الجماعية، وكذلك عن تصرفات الحزب الآخر أو سائر الأحزاب التي تتولى معه السلطة، وبمعنى أصبح مسؤولا على قدر مشاركته عن نجاح السياسة الحكومية أو فشلها في أي وجه من أوجه المرافق والخدمات والإنتاج والعلاقات والسلوك الدولي، وتختلف المعايير التي كان يقاس بها وهو خارج الحكم وأصبحت عامة بعد أن كانت خاصة من داخله، أي أن الحزب أصبح الآن محطة أنظار الجميع، تشارك الجماهير كلها في الحكم على عمـله، وهذا هو الامتحان الحقيقي الذي يتعين على كل حزب أن يواجهه بحيث تصبح له مسؤولية مباشرة.
ويجب أن نلاحظ أن قيام الأحزاب السياسية هو عملية منتظمة، أي أنها عملية سلمية يتخذها المجتمع في مجال حركته وأنشطته السياسية عوضا عن أعمال العنف، لذلك فإن مجرد لجوء الحزب إلى العنف أو يحبذه في عقيدته و أدبياته أو أجازته من أجل الوصول إلى السلطة هو في حد ذاته نقص للشرعية الحزبية.

من الخطأ أن نعتقد أن الأحزاب الكبرى وحدها في أي بلد هي التي يمكن أن تقدم خدمات ملحوظة، إن وجود الأحزاب الصغرى أيضا أمر ضروري حتى و إن لم تصل إلى الحكم فهي لها دور هام في تمثيل حركات الاحتجاج على السياسة القائمة وهي تلفت الحكومة إلى الحاجة لإصلاحات اقتصادية واجتماعية معينة.
يتبع في الجزء الثاني

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x