2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

لا شك أن المُنادين والرافعين شعارَ “ضرورة الإصلاح” قد أصبحوا بالكثرة التي لا يمكن للواحد معها إنكارها أو إغفالها، فالجميع يُنادي بالإصلاح ويطالب التعجيل به، لكن لا أحد، في الواقع الفعلي، يُوضحُ للجمهور و عامة المواطنين طبيعة الإصلاح المنشود ومجالات إجرائه و تنفيذه، و لا أحــد من هؤلاء بيَّــن للناس أسباب الدعوة للإصلاح بوضع اليد على مكامن الفساد المفروض إصلاحه.
وباعتباره مجرد كلام، بالإمكان إعادته و اجتراره دون إضرار بمصلحة أحد أو إساءة للغير، فقد اعتاد الجميع ترديدَ مطلب الإصلاح، أحيانا بمناسبة، و أحيانا أخرى حتى بدون مناسبة في كثير من الأحيان، بل و بدون وعي حقيقي أو مرجعية فكرية علمية تُسند هذا المطلب المُبْهم.
خطاب السياسي، وهو مُنافق بطبعه، بانتماءاته المتنوعة، يُطالب على سبيل الدوام و الاستمرار بـهذا “الإصلاح” المزعوم، لكن دون أن يبين للناس طبيعة الفساد و شكله، أو يفصح للجمهور عن ماهية التدابير التي ينوي مباشرتها لتحقيق الإصلاح المبتغى. وهو ما يجعله في حلٍّ من أي التزام أدبي أو مادي أمام جمهور المصوتين و عامة الناخبين و عموم الناس، هذا إن لم يقع هو نفسه في بؤرة من بؤر الفساد الذي كان ينادي بإصلاحه قبل فترة وجيزة !.
خــــطاب “المنبر الديني”، بتوجهاته المذهبية المختلفة و “رؤاه المتجاذبة”، لا يحيد عن قاعدة المطالبة بـــ “الإصلاح” و “الدعوة لمحاربة الفساد”، لكن دون أن يمتلك في الواقع رؤية علمية عن طبيعة هذا الفساد و ماهيته، و ما إذا كان الأمر يتعلق بفساد حقيقي تؤكده العلوم الحقة أم أنه مجرد “تهيؤات صوفية”، لكنه، في جميع الأحوال، خطاب لا يُقدم للجمهور منهجية علمية تفتح أدوات الإصلاح أمامه و تُقْبِرُ أسباب الفساد “الموجود” أو “المُتوهم”، فالخطاب الديني، كعادته التي تلازمه منذ البداية، يُلخص أسباب “الفساد” في التخلي عن تعاليم الدين، ليخْلُصَ في النهاية إلى القول بإن “الإصلاح الشامل” لن يتأتى للناس و لمجتمعهم إلا عبر التمسك بتعاليم هذا الدين، و هو ما يمكن إدراجه في خانة التفكير المضاد للواقع الحقيقي و الطبيعي، لذلك فلا غرابة أن ينخرط رجال دين أنفسهم في متاهات الفساد، سواء في بعده الديني أو منحاه الأخلاقي أو حتى في شكله الجُرمي.
إن مفهوم الفساد، رغم كونه مجرد حُكم قيمة في جوهره، يصعب تحديد ملامحه كدلالة قابلة للضبط و الصياغة في قالب مضبوط، فإن تجلياته ظاهرة للعيان و لا يمكن التغاضي عنها و إنكار وجودها، فتجليات الفساد شملت دوائر السياسة العليا، كما ضمت الطبقات الدنيا من المجتمع، و يمكن ملاحظتها في سلوك الغني كما في ممارسات الفقير، المتعلم و الأمي، العامل و العاطل، في سلوك حارس السيارات كما في ممارسات مقاول العقارات، لدى بائع متجول كما عند تاجر ثري، عند العالم كما عند الجاهل، و كل في فلك الفساد يسبحون.
هناك إقرار متفق عليه بأن واقع المغرب غارق في الفساد، لكنه واقع يستشف منه أنه في حالة تصالح مع الفساد بل و متعايش معه و مستفيد منه، و لا أحد من العالمين نوى، مجرد النية، المضي في اتجاه إصلاح و تقويم هذا الفساد المزعوم، و الرُّسُوِّ بالبلد على بر الإصلاح والفــلاح.
إذا كانت مبادئ الفلسفة و العلوم تفرض التساؤل عن مصدر الأشياء و أسباب وجودها، فإن مطالب و دعوات الإصلاح بقيت عاجزة عن البحث في المسببات المعقولة لواقعة الفساد في البلد و غير قادرة على إدراك أسبابه الحقيقية، و ما إذا كانت أسبابا عرضية زائلة، أم أنها أسباب دائمة أزلية. و أمام هذا العجز، الحقيقي أو المصطنع، يبقى الكل مرددا خطاب المُناداة بالإصلاح جهرا، والانتفاع سرا و علانية بعائدات و ريـــع الفساد !
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.