2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

بعد نيل استقلاله عن الإدارتين الفرنسية و الاسبانية سنة 1956، كان المغرب لا يتوفر حينئذ إلا على حزب سياسي واحد هو حزب علال الفاسي الذي اختار لنفسه “الاستقلال” اسما، لكن بعد مرور سنوات قليلة انشطر الحزب و خرج من ضلعه الأيسر تنظيمٌ سياسي جديد اختار لنفسه علَمًا آخـــر “يَــشي” بهويته الإيديولجية و مرجعيته الفكرية المفترضة، وكان هذا الاسم هو “الاتحاد الوطني للقوات الشعبية”.
ربما كان طبيعيا و مقبولا آنذاك أن ينسلخ تيارٌ سياسي، ذو توجهات يسارية عن حزبه “الأم”، و يؤسس لنفسه حزبا جديدا يعبر عن طبيعة هذه التوجهات، لكن ما لم يكن عاديا بعد ذلك، هو ذلك التناسل المتسارع للأحزاب المغربية إلى درجة انعدمت فيها إمكانية التمييز بين كل هذه المنظمات السياسية، على الأقل من حيث مرجعية فكرها التي اختارتها قيادة كل واحد منها، بمعنى أن الواحد لن يستطيع أبدا تقديم جواب مقنع حول سؤال من قبيل : من و ماذا تمثل هذه “الكائنات السياسية”؟
ربما اعتُبرَ انشطار حزب الإستقلال سنة 1959، و تشكيل “الإتحاد الوطني”، إجابة موضوعية حول واقع الصراع الدائـــر بين “الرجعية” التي كان يمثلها حزب علال، و بين “التقدمية” التي كان يمثلها عبد الله ابراهيم، بل إن عملية “الإنشطار” الحزبي ذاتها، نُظر إليها، من قبل البعض، كحل جنَّبَ المغرب الوقوع في شراك نظام الحزب الوحيد الذي آمن به بعمق، كما يبدو، حــزب “عــــلال”.
لكن الواقع المليء بتضارب المصالح و المعتقدات غير المؤسسة على قواعد العلم، و بطقوس موسومة بطابع “العقيدة و الغنيمة و القبيلة”، كما يقول المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري، جعل البلد، ذا الثلاثين مليون نسمة، أول بلد في العالم من حيث عدد الأحزاب المعلنة، دون الحديث عن الـ “السرية” منها، إذ مقابل هذا التضخم البارز لأعداد الأحزاب بالمغرب، فإن جمهورية شاسعة مثل الصين الشعبية، التي يتجاوز عدد سكانها المليار نسمة، لا تعرف إلا حزبا وحيدا لا شريك له، رغم ثرائها البشري الخـــــارق .
وهذا، في اعتقاذي، وضع قد يدفع الباحث العاقل و الرصين إلى محاولة سبر أغواره و الكشف عن طبيعة و أدوات الفاعل السياسي المغربي التي يستخدمها لهيكلة نفسه و البحث عن فرص تقلد مناصب الحكم و الإدارة.
من الملاحظات التي يمكن للملاحظ البسيط تسجيلها بشأن سلوك الأحزاب السياسية المغربية، أن هذه الأحزاب تتشبه،في واقع الأمر، بسلوك الدولة نفسها، كشخص عام مركزي، فإذا كانت الدولة تتوفر، بحكم الدستور و القانون، على حضور ثابت و مؤكد في كل مجالات الحياة العامة من شؤون دينية أو قضايا اقتصادية و ثقافية و تربوية و رياضية و علمية، و غير ذلك من الفروع، فإن الأحزاب المغربية حاولت العمل بمنطق الدولة، و راحت تبعا لذلك، تحاول، في مرحلة أولى، صناعة أدوات/مؤسسات خصوصية تحيط بالحزب لحمايته و تمكينه من مزيد من الدروع القادرة على مساعدته في تحقيق “السيطرة” كمفهوم سياسي مشروع.
لذلك، فإننا نجد جميع الأحزاب، التي نصفها في الأدبيات السياسية الجارية بأنها أحزاب كبرى أو تاريخية، قد صنعت لنفسها تنظيمات مدنية أخرى موازية، ترتبط بهذه الأحزاب تنظيميا و فكريا، ومن جملة هذه التنظيمات المرتبطة بها نجد الجمعيات المدنية بل و الهيئات النقابية في كثير من الأحوال، و رغم أن هذا السلوك الحزبي لا يتعارض مع القانون و لا يخالفه، إلا أن الموضوع نفسه يطرح تساؤلات جدية و حقيقية حول طبيعة الاستقلالية التي تزعم هذه الهيئات أنها تتمتع بها، بل تطرح تساؤلات موضوعية حول ماهية هذه الأحزاب؟ و ما إذا كانت فعلا أحزابا سياسية كما عرفها الفقه السياسي الغربي؟ أم أنها مجرد زوايا تضم وليًّا و جماعة من المُريدين و المنتفعين؟.
لقد عاب الكثير من الناس على حزب العدالة و التنمية، خلال مرحلة تأسيسه و مرحلة بزوغه كقوة محترمة، توظيفَه للخطاب الديني و استثمارَه في حقل السياسة لكسب الغنائم، لكن معظم الناس ربما لم ينتبهوا قط إلى أن “أحزابا” أخرى، حاولت القفز على تجربة البيجيدي، عبر سلوك نفس الطريق، لكن بدل توظيف الدين أو المعتقد الإسلامي في محاولة اختراق أنشطة المجتمع المختلفة، و توظيفها لكسب المغانم السياسية، فإنها لجأت لتوظيف ما يجوز تسميته آليات أخرى أو تكتيكات مغايرة، تراوح نطاق اشتغالها بين مجالات الرياضة و مجالات الثقافة، و الإعلام و أيضا العمل المسمى “مدنيا”.
في فترة من تاريخ طنجة القريب، ذاع صيت أحد المهرجانات بسبب الاسم الذي عرف به ولأنه استضاف أسماء عالمية بارزة من دول المعمور، أسماء في عالم الفكر، الأدب، الثقافة، فضلا عن الفنون المختلفة، فكان وقع دورات هذا المهرجان الذي ولد قويا، يعكس، في الحقيقة، قوة رعاته و موجهيه، في ذلك التاريخ، وفي جانب آخر شهد التاريخ نفسه انتعاش فرق رياضية كروية و تمكنت بقدرة قادر قوي أن تلتحق بفرق الصفوة، و اعتبر كثيرون أن تحقق هذا الوضع ربما كان محض صدفة، و لا شأن له بألاعيب السياسة.
لكن حقيقة الأمر ستنكشف بعد زمن قصير، إذ تراجع إشعاع مهرجان طنجة المعلوم إلى الدرك الأسفل، بل كاد أن ينسى حتى من جمهوره، لاسيما بعد انحطاط مستواه بسبب الضائقة السياسية التي ألمت برُعاته و نتجت عنها ضائقة “نقــــدية”، ألحقت الأذى الكبير بهذا المهرجان،ولعل مصير التراجع هذا لحق أيضا بفرق الصفوة الرياضية، فبعدما كانت ترفل في أقسام الإحتراف، انتهى بها المصير متسكعة مخذولة بين أقسام أشباه الهواة و ما دون الهواة.
إن إشكالية العمل السياسي بالمغرب أمر معقد من الناحية الفكرية و العملية، فطالما لم ينشأ بالبلد فكر سياسي جديد و مجدد، يمنح فرصة نشوء أحزاب سياسية حقيقية تتسلح بفكر مستقل و مؤسساتي حقيقي، فإن تكرار التجارب السياسية الفاشلة قد يقود البلد إلى انهيار كامل بسبب الميكيافيلية المتحورة التي يتبناها بعض ” السياسيين “.
الفكر السياسي المطلوب نشوءه يفترض أن يتأسس على قاعدة، أعتقد أنها أساسية و جوهرية، قاعدة يكون جوهرها هو منع توظيف و استغلال التعبيرات الثقافية أو الرياضية، أو الحقوقية في العمل السياسي “المُقَـــنَّع”، بصورة تعيذ إنتاج واقعة منع تأسيس الأحزاب على أساس ديني، ذلك أن توظيف الحقول الرياضية و الثقافية و الحقوقية في ألاعيب السياسة و ربطها بــ”قائد سياسي افتراضي”، فمنع تأسيس الأحزاب و استنكار توظيف المعتقدات الدينية للتأثير على الناخب / المواطن، يجب أن يتطور إلى مستوى أوسع بحيث يمنع بموجبه استثمار الثقافة في السياسة أو استثمار الثقافة في السياسة، فبالرغم من أن الأمر لا يخالف قواعد القانون، إلا أنه قد يكون مُضِـــرّاً ببـــراءة الثقــــافة، و انتمائها للمغرب بكل أبعاده ، بل إنه ربما أدّى إلى مخرجات غير متوقعة، مخرجات قد لا تسر في كل الأحوال جمهور النــــــاظرين.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.
كان على المغرب ان يكتفي بحزبين فقط حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية اي الاتحاد الاشتراكي حاليا وحزب الاستقلال… ستكون المنافسة على الاقل.. افضل من التعددية التي شتتت الشعب.. لخدمة البورجوازية المتعفنة المتقيحة.. والظلامية الاخومجية..
موقف عدمي يبخص كل الاحزاب ولا يستتني منها احدا، وهو لا يحيد عن الموقف الرسمي الذي يرتاب من الظاهرة الحزبية وفي احسن الاحوال يتعامل معها بانتقائية.
العيب ليس في ما تفعله الأحزاب والجمعيات المدنية التابعة لها، العيب هو كون السلطة القضائية الراعية للقانون والمشرفة على تطبيقه لاتتحرك لتكون السيبة سيدة الميدان كما في مغرب ما قبل الحماية الفرنسية، نحن اليوم نعيش على أبواب العطلة الصيفية وكل المغاربة يشتكون من مافيا السترات الصفراء والبرسولات ولكن السلطة القضائية لم تحرك ساكنا للتحقيق في هاته الآفة وبقيت تعتبره شيئا خاصا أي على المتضرر رفع شكوى إلى النيابة العامة، في حين أنه آفة عمومية عليها التدخل وإستدعاء مدبري المدن لإستفسارهم والتحقيق في مدى إحترام القانون في قرارتهم،لاأحد سيرفع شكوى إلى النيابة العامة لأن أعضاء المجلس البلدي يستعملون سيارة الجماعة حتى خلال العطل ولكن النيابة وكجهاز مراقبة من واجبها القيام بذلك. سنفرخ الأحزاب والجمعيات والمهرجانات والمواسم والحفلات و…من مال دافعي الضرائب ولا أحد له القدرة على وضع حد لهذا التسيب إلا من له السلطة على البلاد أي الملك رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية. ربما من المستحيل إنتظار التغيير مِنْ مَنْ يريد الإستمرارية.