لماذا وإلى أين ؟

مضيان: مشروعُ قانون المسطرة الجنائية في البرلمان سيتأثر بنقاش “اكتظاظ السجون” (حوار)

شكل بلاغ المندوبية العامة لإدارة السجون وإعــادة الإدمـاج نقطة شرارة جديدة في ظل السجال العريض الذي يعرفه مشروع قانون العقوبات البديلة التي جاء بها الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، خاصة بعدما دقت  مندوبية السجون “ناقوس الخطر” وتحذيرها من “انفلاتات أمنية”، بسبب ما تعرفه المؤسسات السجنية من “اكتظاظ قياسي”  من حيث عَديدِ النـزلاء، الذي بلغ إلى غاية 7 غشت 2023، ما مجموعه 100004 سجناء.

وأثار مضمون بلاغ  مندوبية التامك ردود فعل متباينة منطرف مؤسسات رأت نفسها معنية ببلاغ المندوبية، حيث أعربت رابطة قضاة المغرب، في بلاغ آخر،  عن “تفاجئها واستغرابها  من تحميل السلطات القضائية المسؤولية”، في نفس السياق، أصدرت النيابة العامة بلاغا آخر حول الموضوع “تشاطر فيه المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج قلقها بشأن وضعية المؤسسات السجنية، لما لذلك من انعكاس سلبي على ظروف إقامة ساكنتها وعلى حسن تدبيرها”.

ولمعرفة آثار هذا النقاش المؤسساتي حول ظاهرة “اكتظاظ السجون” على النقاش المرتقب بالبرلمان حول المقترحات التي تقدم بها الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، و وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، والمتعلقة أساسا بشراء “العقوبة الحبسية” في إطار مشروع العقوبات البديلة، والذي قابلته الحكومة بالرفض في الصيغة التي تقدم بها وهبي، تستضيف “آشكاين” رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب، نور الدين مضيان، للإجابة عن جملة من التساؤلات المرتبطة بهذا النقاش.

وفيما يلي نص الحوار:

بداية.. كيف ترى اكتظاظ السجون وهل يمكن أن يؤثر على النقاش المرتقب في البرلمان؟

بطبيعة الحال ظاهرة الاكتظاظ ليست وليدة اليوم، بل كانت دوما محط نقاش مؤسساتي ومجتمعي قصد إيجاد الحلول الناجعة لمعالجة هذه الظاهرة وسلبياتها، وأؤكد في هذا الصدد أن الظاهرة وليدة عوامل عدة من بينها: التطور النوعي الذي عرفته مظاهر الجريمة في السنوات الأخيرة، خطورة الأفعال المرتكبة والوسائل المستعملة، علاوة على طبيعة الأشخاص الذين يقترفونها لاسيما الذين يوجدون في حالات العود؛ تزايد وتيرة الاعتقالات في إطار تنفيذ القانون من خلال التصدي لكل أشكال الجريمة وما يهدد أمن وسلامة وممتلكات المواطنين، ارتفاع حالات توقيف المبحوث عنهم والذين يكونون موضوع برقيات بحث على الصعيد الوطني، ارتفاع حالات الإكراه البدني لمن تخلفوا عن أداء الغرامات المالية أو العمومية أو الخصوصية المتبقية في ذمتهم، هذا علاوة على الاعتقال الاحتياطي أثناء مباشرة التحقيقات. فهذه العوامل وغيرها ساهمت لامحالة في تزايد حالات الاكتظاظ بالمؤسسات السجنية.

ومن الطبيعي أيضا أن النقاش الدائر اليوم حول هذا الموضوع، والذي تزامن وصدور بلاغ عن المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بتاريخ ‎7‏ ‏غشت الجاري، والذي أثار هذه الوضعية وسلبياتها، فإن البرلمان هو في صلب هذا النقاش المؤسساتي والمجتمعي، سيما وأن لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب في انتظار مناقشة مجموعة من القوانين المؤسسة، وفي مقدمتها مجموعة القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية، وما يتطلبه الأمر من ضرورة إعادة النظر في العديد من المقتضيات والبحث عن بدائل حقيقية للاعتقال الاحتياطي، وذلك عن طريق إحداث منظومة جديدة لتجاوز العقوبات التقليدية التي أصبحت غير مجدية، وذلك من خلال بلورة سياسة جنائية، ليس الهدف منها فقط معالجة الاكتظاظ الذي تشكو منه السجون المغربية، بل تجاوزها إلى البحث عن سياسة جنائية متطورة، من خلال تفعيل عقوبات بديلة، وتعزيز دور المؤسسة السجنية باعتبارها مجالا إصلاحيا وتربويا يوازي بين تنفيذ العقوبة من جهة وحفظ واحترام الكرامة الإنسانية من جهة أخرى.

طيب.. وما هي التغيرات التي يمكن أن تحملها التعديلات على القانون فيما يخص ابتكار حلول بديلة؟

بطبيعة الحال، مسودة مشروع القانون الخاص بالعقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية ترنو إلى تحيين العديد من مقتضيات مجموعة القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية، لأن الوضع العقابي القائم أصبح بحاجة ماسة لاعتماد نظام العقوبات البديلة، خاصة في ظل المؤشرات والمعطيات المسجلة على مستوى الساكنة السجنية.

بحيث إن العقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة تطرح عددا من الإشكالات، حيث تشكل فئة الأشخاص المحكومين بأقل من سنتين ما يقارب نصف الساكنة السجنية، مما يؤثر سلبا على الوضعية داخل المؤسسات السجنية، ويحد من المجهودات والتدابير المتخذة من طرف الإدارة في تنفيذ برامج الإدماج وإعادة التأهيل وترشيد كلفة الإيواء.

ومن هذا المدخل فإن التعديلات التي تحملها مسودة مشروع القانون المتعلق بالعقوبات البديلة يمكن أن يحمل تغيرات جديدة، تتوخى العمل لأجل المنفعة العامة والغرامة والمراقبة الإلكترونية وتقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، المسودة تنص على أن العمل لأجل المنفعة العامة غير مؤدى عنه، وينجز لمدة تراوح بين 40 و600 ساعة لفائدة مصالح الدولة أو مؤسسات أو هيئات الحقوق والحريات والحكامة الجيدة، أو المؤسسات العمومية وغيرها، مثل دور العبادة والمؤسسات الخيرية.

وهذا التغير أو التوجه نحو إقرار عقوبات بديلة قد ينسجم مع المطالب التي عبر عنها المجتمع المدني والحقوقي في البلاد طيلة السنوات الماضية، كما أنه يشكل نفسا جديدا لتطبيق فلسفة القانون التي لا تقتصر على الزجر والعقاب، وإنما أيضا على التأديب والتأهيل نحو الإدماج في المجتمع من جديد.

وهل يمكن أن يزيد هذا النقاش من اقتناع البرلمانيين بمقترح لشراء العقوبات؟

بطبيعة الحال، لابد من التأكيد أن هذا الإجراء يبقى اقتراحا من اقتراحات العقوبات البديلة، فهو يأتي في سياق حزمة جديدة من العقوبات البديلة، في إطار تعديلات القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية، بما يقارب 38 مادة، لامست العقوبات البديلة وآليات تنزيلها.

وأعتبر أن هذا الاقتراح يأتي ضمن المقترحات‎‏ المعروضة ضمن مشروع تعديلات القانون الجنائي الذي سيعرض على مجلس النواب، حيث ستكون للمؤسسة التشريعية الكلمة الفصل في هذا الموضوع وغيره من الاقتراحات، باعتبارها المصدر الوحيد للتشريع، فلكل مقام مقال.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
مول الكاسكيكة
المعلق(ة)
15 أغسطس 2023 11:40

قوة إقليمية تعاني من إكتظاظ السجون ، حلل و ناقش

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x