لماذا وإلى أين ؟

الوَعيُ الشَّعبيّ وظُهور نُخَب جديد: دكتاتوريّات العالَم إلى الزَّوال

علي او عمو 

رغم التقدُّم الذي تعرفه بعض المجتمعات التي يُقالُ عنها “القِوى العُظمى” و التي لا تُعتبَر في حقيقة الأمر لا عُظمى و لا كُبرى.

فقد أوضح مقال نشرته مجلة “فورين أفيرز” (Foreign Affairs) الأميركية أن مصطلح “القوة العظمي” -الذي استُخدم كثيرا لوصف بعض الدول، ليس دقيقا بل هو مُضلِّل ويُشوِّه فهم الوضع الجيوإستراتيجي في العالم، كما يتسبب بارتكاب أخطاء عملية في الحروب والمواجهات بين الدول.

كما أشار الكاتب “عبد الرحمن التيشوري” في مقالٍ بجريدة “الحوار المتمدن” بتاريخ 27 يناير 2011 بأنّه، “لا توجد دولة مُتخلفة و دولة متطورة بل توجد إدارة مُتخلفة وادارة مُتطورة”.

فإلى جانب ما يُسمّى “ُالمُجتمعات المتقدّمة” هنالك، في الجانب الآخر، ما يُسمّى “المُجتمعات المُتخلّفة” ، و لكن لماذا يُقال عنها “مُتخلّفة” و هي تملك من المؤهِّلات ما يُمكن أن يجعلها ضمن باقي “المجتمعات المتقدمة” في هذا العالم العجيب الغريب؟؟ فهي تملكُ ما يكفي من الثروات الطبيعيّة و الأموال الطائلة و الموارد البشريّة الضّخمة، تلك الموارد البشريّة التي تَعيش التهميش و الإقصاء و عدم الاعتراف بها كَقوّة أساسية المُعَوَّل عليها في خلْق التنمية الشاملة لهذه المجتمعات المُتأخِّرة عن رَكْب الأمم المُتقدِّمة بِعُقود عديدة.

نُلاحظ من خلال تمعُّننا في الأوضاع الحاليّة و تأمُّلنا للأحداث، أن ما يجري في عالمنا اليوم هو نِتاجُ سياسة واضحة المعالم و لكنّها غامضة لدى الكثيرين، تقود هذه السياسات كلٌّ من الديمُقراطيات و الدكتاتوريات  على حد سواء، فهذه الأخيرة أي الدكتاتوريات المُتحكِّمة في (المجتمعات المتخلفة) التي تزخر بُلدانها بثروات هائلة و أموال جمَّة لا تُعدّ و لا تُحصى، تستفيد منها الديمُقراطيات و الدكتاتوريات معاً، تتقاسمان  تلك الثروات و تلك الأموال ظنّاً منهما أنّ الأوضاع ستبقى على حالها قارّة و غير قابلة لأيّ تغيير، في حين أنّ المنطق العلمي يقول عكس ذلك، كلّ شيء في الكون قابلٌ للتغيير، و لا شيءَ يبقى على حاله.

فالمُلاحَظ  أنّ  الدكتاتوريات المُتحكِّمة في (المُجتمعات المُتخلّفة) هي، في الأساس شراذِم لا تؤمن بالديمُقراطيّة كَنهْج سياسيّ تسود من خلاله الحريّة و العدالة الاجتماعيّة و حقوق الشعوب في اختيار مَنْ يُديرُ شؤونَها و يُدبِّر أمورها، فهي تحتكِر السلطة و تتشبّتُ بها و تُحافظ على كراسيها القياديّة بقوة الحديد و النار، و ذلك بِمُساعَدة و مُسانَدة حُكّام   (القوى العُظمى) الذين يُطبِّقون الديمقراطية في بُلدانهم و بواسطتها تقدَّمت و ازدهرت  في كل الميادين، و تحظى شعوبهم بالحرية و العدالة و العيش الكريم، بِخلاف (المُجتمعات المُتخلفة) التي تعيش تحت براثن الاستبداد  و الدكتاتورية و التي لا تحظى بنصيبها من الحقوق، لا في الحرية و لا في العدالة،   فهناك شرائح واسعة من هذه الشعوب المقهورة تعرف  انتشار الجهل و الفقر و تفشّي الأمراض و غيرها من المصائب و الويلات بشتّى أنواعها وأشكالها، كما تُساهِم هذه الشرذمة المُستبِدَّة  في انتشار الحروب الطاحنة و المُدمّرة  بين البلدان (المُتخلّفة) و التي خرّبت حضارات عريقة في التاريخ و أَوْدت بحياة الملايين من البشر و شرّدت الملايين منهم عن بيوتهم و أهلهم و ذويهم و جعلت الكثير منهم يعيشون حياة بِدائيّة في الملاجئ و المُخيَّمات، و يجري ذلك وفق السياسة القذرة لِحُكّام (المُجتمعات العُظمى) الذين ألغَوْا كُلّ القوانين و المواثق و الأعراف و الشرائع حتى تسري تلك الفوضى العارمة في أوساط (المُجتمعات المتخلّفة) ذلك أنّ حُكّام (المُجتمعات العظمى) هُم المُستفيدون من هذه الحروب المُدمّرة في أوساط (المجتمعات المُتخلفة) بِنَهْبهم لثرواتها مُقابل حماية عروش حُكّامها المُستبدّين الفاسدين، بالإضافة إلى تشغيلهم لمصانع الأسلحة التي تُذرّ على بلدانهم الملايير من الدولارات على حساب أموال الشعوب المقهورة التي لا يهمّ حُكامَها المُستبدِين إلّا حماية عروشهم من الزّوال.

و لكن هذه الفوضى و هذا العَبَث و هذه الجرائم ضدّ الإنسانيّة التي لا يحكمها أيّ قانون، لن تَدوم طويلاً، و لن تُعمِّر كثيراً، و قد اقتربت ساعة التغيير، لا مَحالة، فالمجتمعات التي يعتبرها الكثيرون (مُتخلّفة) قد أَنْجَبت عُقولاً نَيِّرةً سَتَكون سبباً في تغييرٍ  جذري للأوضاع المُزرية السائدة اليوم،  ذاك التغيير الذي سيشمل جميع المَناحي، السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و غيرها، فتَمّة فيما يُسمّى (المُجتمعات المتخلفة) نُخَبٌ من المُثقفين المُستضعفين المَقهورين الصامتين الذين بدأوا يستوعِبون أسباب و مُسبِّبات الأوضاع السياسية   الحالية  التي تدفع ثمنها غالياّ مُجتمعاتُهُم (المتخلفة)، لقد راكَمَ الزمان في أذهانهم مجموعةً من الأفكار و الحقائق و رسَّخَها في عقولهم، و قد أصبحوا اليوم على أُهبة الاستعداد التّامّ لتغيير كلّ السياسات العبثية التي دامت لعصور عديدة. فهذه العقول النيّرة و المُتبصرة ستُدهِل العالم بعبقريّتها في التفكير السليم و المبادئ الراسخة التي تتميَّز بها دون غيرها و التي تجعلها مُؤهَّلةً لِقلْب السياسة التي يَنهجها المُستبِدّون رأساً على عقِب، لكونها تؤمن إيماناً راسخاً أنها الوحيدة التي تستحقّ أن تقود بلدانها نحو نهج ديموقراطيّ حقيقيّ و هي المؤهلة للسير بِمجتمعاتِها نحو شاطئ الأمان بخلق نمط سيّاسي حداثي ديمقراطيّ جديد، يسعى إلى إسعاد شعوبها و ترفيهِها و تكريمِها و تبوِئِها مكانةً مرموقةً بين أمم الأرض و السير بها على سبيل الحقّ الذي كان غائباً عنها لِعقود طويلةٍ من الزمان، عاشت طيلتها أسوأ أحوالها في غياب الحرية و العدالة و الحقوق في إطار الحُكم الدكتاتوري الذي كَمّمَ أفواه الأحرار و دمَّر الأخلاق الحميدة و أشاع الرذائل و الفواحش في أوساط المُجتمعات كما همَّش المُفكِّرين الشّرفاء الأفذاذ الذين يمتلكون قدرة قيادة مجتمعاتهم بكلّ صِدق و أمانة لكَونهم وطنيّين حقيقيين غيورين على أوطانهم، مُعارضين للاستبداد و الحُكم الشّمولي في أوطانهم، و لذلك تمَّ تهميشهُم و التشهير بهم و اعتقال و سجن كل من سوّلت له نفسه الجهر بالحقّ و الحقيقة، لقد ناهضت هذه الدكتاتوريات الخبيثة فِكرَهم و حاربتهُ بجميع الوسائل و الطرق وعياً منها بأنّها تُشكِّل خطراً على وُجودها و كيْنونَتها و استمرار سيطرتِها و ذلك بدعمٍ من الشرذمة التي  تحكُم (المجتمعات المُتقدِّمة)، و التي تسعى وراء مصالح شعوبها من خلال تَثْبيتِها لركائز الدكتاتوريات التي تُعتبر الراعي الوفي لمصالِحها.

فهذه “النُّخبة” ذات العقول النّيِّرة و الضمائر الحيّة  ستَتجاوَزُ كلّ العوائق التي تعترض سبيل التغيير و التي تتجلّى أساساً في الخوف من تبِعاته، خاصّةً وأن جميع الشراذِم  الاستبداديّة تسعى إلى زرع بذور الخوف من التغيير في عقول أبناء شعوبها، من أجل إحكام قبضتها عليهم ومُصادرة رأيهم وحريّاتهم قصدَ التشويش على أفكارهم التَّوّاقة إلى تغيير الأوضاع القائمة و سدّ كلّ المَنافذ أمام البشر للتقدّم في الحياة، وتحقيق أُمنياتهم و طموحاتهم المَكمونة في داخلهم، فهذا الخوف النابع من بعض الهواجس يكبّل العديد من الناس، ويجعلهم غير قادرين على فعل أيِّ شيءٍ لتحسين أوضاعهم وظروف حياتهم، فنجدهم قابعين في يأسهم وعزلتهم، فاقدين الثقة في أنفُسهم من إمكانياتهم في إحداث أيّة تغييراتٍ من شأنها أن تنهضَ بحياتهم و تجعلهم يعيشون حياة كريمة بدَل الرِّضا بالعيش في العُبودية و المَهانة. فهذه “النُّخبة” المُتبَصِّرة هي التي ستُزيح الدكتاتوريات و تَقتَلعُها من جذورها و ستُقيمُ الديمقراطيات في بلدانها، و بذلك تسدّ الطريق أمام ناهِبي ثروات شعوبها و تُلغي التبعية السياسية السائدة خلال الحِقبة الاستبدادية. و بذلك سيُصبح التعامل مع سائر البلدان “العُظمى” بِنِدّية و من باب القوّة، و حينئذ سيُحسب لها ألف حساب في العالم كله، لأنها أضحت ضمن الدول المُتقدِمة سياسيا و اقتصادياً و اجتماعياً لابدّ من احترامها و تقديرها.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x