2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
وهبي يكتب: خطاب المسؤولية

أثلج صدري كثيرا خطاب العرش، الذي استطاع أن ينفذ إلى لب الأزمة التي نعيشها حاليا خاصة في شقها الاجتماعي، فكان أحسن جواب لمن كان بالأمس من موقعه الحكومي ينكر وجود أزمة أصلا.
فمن خلال خطاب العرش يكون جلالة الملك قد وضع بين أيدينا تصورا شموليا حول أزمة اجتماعية بكل مكوناتها وتركيبتها، من فشل التعليم إلى الواقع المرير لقطاع الصحة، مرورا بسوء الخدمات الاجتماعية واضطراب أسس الاقتصاد الاجتماعي، فطرح أسئلة محورية حول هذا الموضوع، وتجاوزها إلى تقديم بعض من الحلول وكثير من التوجيهات، وهذا يؤكد أن لجلالة الملك إلماما شاملا واطلاعا دقيقا بمتطلبات الوضع الاجتماعي بكل تجلياتها.
فهذا الخطاب، بقدر ما هو خطاب مسؤولية فهو أيضا إدانة فعلية لعجز الحكومة عن مواجهة ملف يدخل في صميم وظيفتها، وأبانت عن عجز كبير عند التعامل معه، سواء بضعفها في ابتكار أفكار جديدة للنهوض به، أو بسبب إفشال الحوار الاجتماعي، أو كذلك بسوء تدبيره لتفرع مصادر إدارته.
لكن دعونا نتجاوز عجز الحكومة حتى لا نحاكمها من خلال هذا الخطاب، ولنكون عمليين، علينا أن ندرك حكومة وبرلمانا، أغلبية ومعارضة، أن جلالة الملك فتح ملفات واضحة، ومن خلالها وضع بين أيدينا جدول أعمال دقيق، يفرض علينا التعامل مع مضمونه بشجاعة سياسية ونزاهة فكرية، ولاسيما دعوته إلى وضع ميثاق جديد للاستثمار، وما يفرضه ذلك الورش من ضرورة الخروج من منطق التفكير الفئوي الحزبي والحسابات السياسية أو الرأسمالية الضيقة، إلى التفكير لفائدة الجميع من أجل الرفع من مستوى الاقتصاد الوطني.
فالملف اليوم موضوع ليس على عاتق المشرعين والحكومة فقط، ولكن يقع كذلك على عاتق الرأسمال الوطني الذي عليه أن يساهم بدوره في تنزيل هذا الميثاق والمساهمة الفكرية والعملية لإنجاحه بحس وطني.
كما طرح جلالة الملك من جهة أخرى موضوعا لا يقل أهمية عن الملفات السابقة، وهو ميثاق اللاتركيز الإداري، فهذا الملف يتطلب جهدا تشريعيا وإداريا، حتى يكون رافعا لمشروع الجهوية المتقدمة، و حسن تدبير الجماعات وباقي المؤسسات الترابية وغير الترابية أثناء إدارة الشأن العام، بل آنذاك سيعطي المدلول الحقيقي لذلك المبدأ الدستوري الذي نردده كثيرا والكامن في ربط المسؤولية بالمحاسبة.
وإذا كان الشباب من بين القضايا التي طرحها جلالة الملك في خطاب العرش، فإنه ربطها بدور الأحزاب للاهتمام بهذه الشريحة، من خلال إعادة النظر في تعاملها مع الشباب وقضاياه، بتأهيلهم بعيدا عن منطق الريع والمحسوبية، وإعطاءهم الفرصة للمساهمة في النقاش السياسي والمجتمعي، وذلك لخلق أطر كفأة تكون في مستوى الائتمان على المستقبل وعلى إدارة الشأن العام مستقبلا.
إن الخطاب حمل مجموعة من القضايا والأفكار، ستكون لا محالة إطارا لنقاش برلماني جدي، ومواضيع هامة تقتضي التحليل والإبداع أثناء التنزيل، من خلال نقاش سياسي ومؤسساتي، واضح ومسؤول، نزيه ومبتكر يساهم فيه الجميع، وذلك كله يخلق لدينا آمالا كبيرة في أن يكون فاتحة خير لقرارات كبرى، تعيد لهذا البلد طمأنينته وانسجامه، وتعزز من قدرته على تجاوز الأزمات، وما اختيار مدينة الحسيمة لتوجيه هذا الخطاب إلا بشارة خير لنتائج فعالة مستقبلا، قد تعيد الفرحة في القريب إلى قلوب الكثيرين من أهلها بناء على نقد ذاتي اعتبره جلالة الملك فضيلة وظاهرة صحية. لذلك فهذا الخطاب بما وضعه من تحديات كبرى، وما حمله من آمال عريضة لا يمكن أن يوصف من حيث موضوعه وموقع إلقائه إلا بخطاب المسؤولية، مسؤولية الجميع.
الكل يقرأ الخطاب من زاوية تخدم مصالح انتمائه الفئوي الضيق… حتى أصبحنا، بخصوص نفس الخطاب، بصدد عشرات التأويلات لغرق المحللين في الذاتية… إلى درجة أن السيدة ماء العينين، السياسية المحنكة، ذهبت في شطحاتها التأويلية إلى كون الخطاب الملكي إنصاف لحقبة مانديلا الشمال الإفريقي، الفارس الذي لا يشق له غبار، الذي صال وجال وباع الشعب الأوهام: ” مَن وجد مَن يشتري منه الأوهام ولم يبعه إياه فمن المؤكد أن به خللاً”
مضمون الخطاب كان صريحاً ولا يقبل الإسهاب في الذاتية:
1- من الحزم أن لا تتهاود الدولة مع مَن يعرّض البلاد لخطر عدم الاستقرار (تأييد الأحكام القضائية الصادرة على “معتقلي” الريف ورد على مسيرات التضامن معهم)
2- ضرورة تشبيب الأحزاب لشيخوخة النخب الحزبية القيادية التي أثبت الواقع أنها لم تُساير التطور السريع للمجتمع وأنّ لا قدرة لها على التأطير مما جعلها تصبح متجاوزة ومصدر إعاقة في المشهد السياسي للبلاد
3- الإخفاق الحكومي المتواتر على مستوى إصابة الهدف في السياسة الاجتماعية بسبب تحويل اتجاه اعتمادات البرامج والمشاريع التنموية إلى فئة غير الفئات الهشة …