لماذا وإلى أين ؟

أي نموذج تربوي تستهدفه خارطة الطريق 2022-2026؟

بقلم: علي يوسفي علوي*

يشكل سؤال ” الإصلاح التربوي ومدرسة المستقبل” محور تدخل الأجهزة التشريعية والتنفيذية ومختلف الفاعلين المدنيين والشركاء الاجتماعيين، من أجل كسب رهان التنمية المستدامة، إيمانا بكون منظومة التربية والتكوين منطلقا أساسيا لبلوغ الغايات المنشودة.

وقد خلصت كل الجهود المبذولة من مختلف الفاعلين لكون المدرسة المغربية الجديدة ترتكز على المساواة وتكافؤ الفرص والجودة للجميع (ديباجة القانون الإطار 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي).

ولتيسير أجرأة مختلف التوجهات الاستراتيجية، تم اعتماد دليل مسطري، صيغ بمنهجية تشاورية، باستحضار مختلف الفاعلين التربويين، وبالتأسيس على دعائم مشروع “النهضة التربوية المغربية “، المجسد لأحد أهم المشاريع والتوصيات التي جاءت بها اللجنة الخاصة لإعداد النموذج التنموي، ليمثل الدليل المسطري 2022-2026 مرتكز أي تدخل إجرائي للرفع من نجاعة المنظومة التربوية وقدرتها على الاستجابة لمختلف التحديات المطروحة.

والملاحظ، أن التشخيص الاستراتيجي الذي جاءت به خارطة الطريق، لم يستحضر المحيط الخارجي، وذلك بربط مجالات التدخل بالتلميذ والأستاذ والمؤسسة التعليمية، في إشارة واضحة لتركيز الهيئة المكلفة ببلورة خارطة طريق المنظومة على نتائج المشاورات التي استهدفت عناصر المحيط الداخلي للمؤسسات التعليمية.

وفي عدم تحليل المحيط الخارجي، بما في ذلك المجال السوسيو-اقتصادي الذي تنتمي له جغرافيا المؤسسات التعليمية، ودراسة الإمكانيات التنموية لكل جهة على حدة، ربطا لإسهام المدرسة المغربية العمومية في التنمية المستدامة، وتعزيزا لاندماج المتعلم في المسار الاقتصادي والاجتماعي والتنموي للبلاد. وببلورة دليل مسطري مرتكز على المتعلم المتمدرس، بإغفال المهدورين دراسيا والأطفال في وضعيات خاصة، فإن مسار الإصلاح المنشود الموسوم بالجودة، لا يضع الإنصاف وتكافؤ الفرص كهدف استراتيجي، في مخالفة صريحة لأحكام القانون الإطار 51.17.

ويتبين من خلال صياغة الأهداف الاستراتيجية لخارطة الطريق، إغفال المسار الإصلاحي المهيكل لاستقلالية المؤسسات التعليمية من خلال مشروع المؤسسة المندمج، على اعتبار أن كل مؤسسة تعليمية تترجم من خلال مشروع رؤية مستقبلية، مستمدة من تشخيص محيطها وتقييم أدائها التدبيري والتعليمي، لتصوغ مشروعا ينسجم وواقعها.

ويتضح التدخل المباشر في الشأن التدبيري للمؤسسات التعليمية، بالتأسيس على الهدف الاستراتيجي: مضاعفة نسبة التلميذات والتلاميذ المستفيدين من الأنشطة الموازية ومضاعفة نسبة التحكم في التعلمات الأساس، ليبقى السؤال مطروحا:
بأي أدوات قياس سيتم تقييم معدل انخراط التلاميذ والتلميذات في الأنشطة الموازية؟ وما مدى انخراط الأطر التربوية والإدارية في هذا التوجه التدبيري المستجد؟

للجواب على هذا الطرح الإشكالي، فإن مشروع “النهضة التربوية المغربية” أرسى نموذجا لإضفاء علامة الجودة على التدبير التربوي والإداري والمالي للمؤسسات التعليمية في إطار نموذج “مدارس الريادة”، مما يوحي بأن التوجهات الكبرى للقانون الإطار، أضحت في صفحات النسيان، بالنظر لكون هذا النموذج يتسم بطابع التوحيد القياسي، دون استحضار خصوصيات المؤسسات التعليمية وإشكالات تدبير الفضاءات المدرسية والبنيات التربوية.

ولا غرو أن النموذج الجديد:” مدارس الريادة” لا يكتسي طابع التوحيد المجالي، على اعتبار أنه لا يستهدف إلا حصيصا معينا ضمن المؤسسات التعليمية، مما سيتسبب بتمايز في نظرة الأسرة للمدرسة وفي ترسيخ نموذج مدرسة الإنصاف والمساواة وتكافؤ الفرص. والأدهى من ذلك، أن استقلالية المؤسسات التعليمية لن ترى النور، لكون إنجاز مشروع مؤسسة مندمج وتمويله وتتبعه لن تصبح له أية موثوقية تدبيرية، بفعل النموذج القياسي الموحد والجاهز، والذي يقتضي من كل مدبر تربوي تنفيذه مسطريا.

وفي تحديد التزامات خارطة الطريق تجاه التلميذ، يتجلى إغفال بعد المدرسة المغربية القائمة على الدمج المدرسي، من خلال الطموح الرامي لإحداث أقسام دراسية خاصة من قبيل: أقسام نجوم وأقسام مواهب…. مما سيساهم بلا ريب في تكسير طابع التنافس الدراسي بين المتعلمين، وإحداث فئوية بينهم داخل نفس المؤسسة التعليمية لا تتأسس على الاختيارات الشخصية لبلورة مشاريعهم الشخصية.
والأصل أن برنامج العمل التربوي السنوي للمؤسسة وتفعيل الأندية التربوية بإقرار الضمانات المالية والإدارية والتربوية والتجهيزاتية، في انسجام مع خطة العمل السنوية لمشروع المؤسسة المندمج، كفيل بتحقيق مبتغى تكريس التميز والدمج المدرسيين في إطار ثنائية الإنصاف وتكافؤ الفرص والاستحقاق.

ولضمان انخراط كافة الهيئات في أجرأة خارطة الطريق، فقد تم إصدار مرسوم 2.23.819 بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية، الذي خلف احتجاجات شملت كل الهيئات التعليمية والتدبيرية بوصفه نظاما تراجعيا، يكرس التمايز بين الهيئات، في غياب الإنصاف الأجري في مقابل إضافة مهام جديد ونظام صارم للعقوبات، سيؤدي لمزيد من الاحتقان بين كافة الأطر التربوية والإدارية، مما يجعلنا نفترض أن التوجه التدبيري لخارطة الطريق يقوم على الوظيفية التراتبية القائمة على التنسيق العمودي، في إغفال لبعد التدبير التشاركي ودمقرطة المؤسسات التعليمية.

نستشف مما سبق دراسته، أن النموذج التربوي الذي تستهدفه خارطة الطريق ينشد مدرسة التوحيد القياسي لكافة المؤسسات التعليمية، بتعبئة الموارد الوظيفية اللازمة لإنجاح الرهانات، دون الاستناد للاختيارات الكبرى للمنظومة التربوية، مما يؤسس لانتقال المؤسسة التعليمية نحو نمط التدبير الوظيفي، القائم على تنفيذ المساطر والتوجيهات، وتغييب التدبير التشاركي المساهم في استقلالية المؤسسات التعليمية، وما حركة النفور من النظام الأساسي الجديد إلا تأكيد على الرفض الغير مباشر لرهانات خارطة الطريق.

*باحث في قضايا التربية والتكوين

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x