لماذا وإلى أين ؟

الأمازيغ ونسبتهم لغير آدم عليه السلام!

عبد الرزاق الجباري*

في خضم التجاذب الذي يحصل بين الفينة والأخرى عند الحديث عن أصل سكان شمال إفريقيا، لا يتردد البعض في القول بأن الإنسان الأمازيغي هو من سلالة الذين عاشوا قبل سيدنا آدم عليه السلام، تدليلا منهم على تميز هذا الإنسان عن باقي السلالات البشرية واستقلاله عنها.

ومما تستند عليه هذه المقالة، أن تاريخ سيدنا آدم عليه السلام على الأرض لا يتجاوز 15.800 سنة، وأن تاريخ الإنسان الأمازيغي يتحدد في حوالي 300.000 سنة، وهو عمر البقايا العظمية التي وجدت بجبل إيغود الكائن بإقليم اليوسفية بالمغرب، وأن بين جينات هذه البقايا وجينات الإنسان الحالي الذي يوصف بـ “العاقل” تشابه كبير.

ولا أعتقد أن هذه المقالة ستصمد أمام العديد من المعطيات، أهمها:

–  أنه، وبعد تعميق البحوث والدراسات على البقايا المذكورة، تبين أنها متطابقة مع ما سمي بإنسان “النياندرتال”، وأن هذا الأخير يشبه الإنسان العاقل، ولكن بينهما فُروق كبيرة، خصوصا على مستوى حجم الجمجمة، وكذلك حجم المخ، حيث يكبر مخُّ إنسان “النياندرتال” بـ 10% مُخَّ الإنسان العاقل، كما أنه يتميز ببنية ضخمة، ومحدودبُ الظهر قريبٌ من هيأة المشي على أربع، وله أرجل قصيرة وجسد كبير، وعيناه كبيرتان، وفكه بارز في اتجاه المقدمة، وجبهته متراجعة عنه.

–  أن علم الأحياء، وبالرغم من استعمال تقنيات متقدمة في بحوثه، لا يمكن أن يجيبنا بالقطع عن تحديد أعمار البقايا العظمية والسلالة التي تنتمي إليها، أهي للإنسان أو لغيره من المخلوقات، وإنما مناط ذلك الملاحظة والاستنتاج والافتراض والتقدير، وأن نتائج بحوث هذا العلم في الشق المذكور يغلب عليها الظن وليس القطع.

–  أن الاعتماد في تحديد تاريخ نزول سيدنا آدم عليه السلام على الرواية التوراتية لا يستقيم، نظرا إلى تحريفها وتغيير كلمها عن موضعه من جهة، وإلى الثابت من كون كتابتها كانت بعد وفاة سيدنا موسى بمئات السنين من جهة أخرى. وما ينطبق على الرواية التوراتية ينطبق، أيضا، على الروايات الإسلامية المستمدة منها والمتأثرة بها.

–  التشابه الذي بين جينات إنسان “النياندرتال” وجينات الإنسان العاقل ليس دليلا على أنهما ينحدران من سلالة واحدة، وأنهما يشتركان في سلف واحد، بدليل أن الأبحاث العلمية أثبتت أن جينات الإنسان العاقل تتشابه مع جينات الفأر بنسبة 99% (وهذا هو سبب إخضاعه للتجارب الطبية وإسقاط نتائجها على الإنسان)، ومع جينات ذبابة الفاكهة بنسبة 60%، ومع جينات ديدان النيماتودا بنسبة 75%. فهل يجوز القول بأن للإنسان العاقل سلف مشترك بين الفأر والذبابة والديدان بناء على هذه التشابهات الجينية ؟ !

–  أن قبل أب الإنسان العاقل، سيدنا آدم عليه السلام، كانت مخلوقات أخرى، وهو ما دل عليه قوله سبحانه وتعالى بدلالة الاستلزام: “وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء”؛ فعِلمُ الملائكة بسبقية سفك الدماء في الأرض دليل على أن الأرض كانت معمرةً بمخلوقات أخرى عُرفت بالإفساد، وأن الله عز وجل سيَخلِفُها بمن يُعَمِّر الأرض بالإصلاح، وهو سيدنا آدام عليه السلام وذريته من الرسل والأنبياء وتابعيهم.

–  أن أخبار المخلوقات التي كانت قبل سيدنا آدم عليه السلام غامضةٌ وغير مؤكدة، وقال مؤرخو الفرس واليونان أنها من سلالات مختلفة انقرضت الواحدة تلو الأخرى، وهو ما افترض صحتَّه بعضُ علماء الأحياء القديمة، وهذه السلالات هي: البِنُّ، والحِن، والخِن، والمِن، والدِّن، والنِّس، وقيل أن هذه السلالة الأخيرة هي التي انقرضت مباشرة قبل خلق “الإنس”، وكان لها به شَبَهٌ إلا أنها لم تكن عاقلة مثله ولا لسان لها كما باقي السلالات التي سبقتها.

–  أن الإنسان الأمازيغي إنسانٌ عاقل شأنه شأن باقي السلالات البشرية العاقلة، ولا فرق بينه وبينها من الناحية البيولوجية التكوينية، كما أنه إنسان عمَّر الأرض بالإصلاح ولم يكن يوما مفسدا فيها، وهو من احتضن الإسلام في شمال إفريقيا وخدمه فيها. كما أن الأمازيغ ليسوا عرقا واحدا حسب جمهور المؤرخين، المتقدمين منهم والمتأخرين، بل إنهم أعراق متنوعة بفعل الهجرات والغزوات، فمنهم: الكنعاني الحامي، والعدناني السامي، والقحطاني الحِميري، والونداني الجرماني، وقد أثبتت الفحوصات الجينية هذا التنوع، حيث خرجوا على تحورات جينية مختلفة، منها التحور E-M81 الذي رُجِّح في بعض الدراسات أنه تحور إبراهيمي، إذ اشتركوا فيه مع بعض العرب العدنانيين الإسماعيليين وجملة من اليعقوبيين الإسحاقيين.

–  أن الدليل على كون هذا التحور الجيني ليس أمازيغيا خالصا، هو ثبوت نشأته علميا في أرض كنعان الشامية وليس في شمال إفريقيا، وأن فروعا له هاجرت مبكرا إلى الجزيرة العربية وشمال إفريقيا، وكذلك في فترة الفتوحات الإسلامية، وبعدها في ظل حكم الدولتين الموحدية والسعدية. وما يزيد من تأكيد هذه النتيجة، هو ما أسفرت عنه آخر الفحوصات الجينية التي أظهرت فرعين جديدين من فروع التحور E-M81، مستقلين عن باقي الفروع الأندلسية والشمال إفريقية وغير موجبين لها، أحدهما في جولان سوريا والآخر في العراق، وكلاهما لأسرة عربية بدوية أصيلة.

وتأسيسا على ما سلف، أعتقد أن من الإساءة البليغة للأمازيغ، بقصد أو بدونه، نسبتهم إلى سلالة غير آدمية، وأن على العقلاء من المغاربة التفطن لكل ما قد يسيء إلى مقومات هُويتهم الإنسية، ويضرب وحدتها الممتدة عبر قرون طويلة بزرع الفُرقة بين مكوناتها: العربية الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، وألا يترددوا في الحفاظ على تنوع هذه المكونات التي انصهرت في بوثقة واحدة جامعة، وهي: الهوية المغربية لا شيء آخر.

*قاضي

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

5 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
Dghoghi
المعلق(ة)
25 أكتوبر 2024 13:26

نحن امازيغ وسنبقى امازيغ مهما طال الزمن ام قصر.. يجب احترام هويتنا ولغتنا بدون نظرة شوفينية.. وبكل صراحة انا كمغربي اماريغي لا اريد لباس برقع حجاب اسود دخيل على تقاليدنا ..

Khalid
المعلق(ة)
29 يناير 2024 14:59

كيف يمكن لقاضي أن يخوض في هذه المواضيع البعيدة عن ميدانه وتسوينه. هذا المجال هو تخصص الانتروبولوجا والاركيولوجيا وعلم الجينات والتاريخ الخ

احمد
المعلق(ة)
28 يناير 2024 12:25

الشعوب التي تميزت بتنوع ثقافي وإتني، هي الشعوب التي تسيدت العالم، أما الشعوب التي ضلت تبحت عن ما يفرق بين هذا وذاك هي الشعوب التي تقوقعت وتقلصت الى كيانات مجهرية ترى نفسها منفردة ولا يراها احد.

مريمرين
المعلق(ة)
28 يناير 2024 00:38

كلنا مواطنون مغاربة و سنبقى مغاربة و الخزي و العار لمن يريد أن يدس سموم التفرقة بين مواطني هذا البلد الأمين الضارب في جذور التاريخ.

عبد الكريم
المعلق(ة)
27 يناير 2024 19:49

ربما لم تفهمون الخلفية
الذين يقولون بذلك فئتين
الاولى تحقيرية للامازيغ وبأنهم مختلفون عن باقي البشر
والثانية تعبر عن عدم اقتناعها بأن تاربخ البشر على وجه الكرة الأرضية هو 15000 سنة فقط

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

5
0
أضف تعليقكx
()
x