2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
أمينة خالد.. رفيقة اليوسفي التي قادها شغف السينما إلى متاهات الاعتقال (1)

معتقلات بلا أحكام..، سلسلة سيتم تسليط الضوء من خلالها على الظروف التي عايشتها عائلات المعتقلين في فترة ما سمي بـ “سنوات الرصاص” التي شهدها المغرب، وهي سلسلة تهدف لإبراز فكرة بأن واراء كل معتقل في تلك الفترة امرأة كافحت وضحت، رغم كل الظروف الصعبة، وعايشت تطورات الاعتقال لحظة بلحظة، امرأة توقفت حياتها هي الأخرى طيلة فترة الحكم، كأن سنوات الحكم طالتها هي أيضا مع فارق أنها خارج السجن وليس داخله، وبلا حكم.
وسيتم في هذه الحلقة تسليط الضوء على ما عاشته أمينة خالد، زوجة المعتقل السياسي السابق اليوسفي عبد الباقي الناشط السابق بمنظمة “إلى الامام” السرية، والذي تم اعتقاله سنة 1985.
– كيف تعرفت على رفيق دربك اليوسفي عبد الباقي؟
تعرفت على اليوسفي عبد الباقي في سنة 1983، من خلال النوادي السينمائية، إذ كانت حينها فترة أوج النوادي السينمائية والثقافية بالأحياء الشعبية، وكانت العروض السنيمائية لها طابع ثقافي وتعبوي تقدمي مُلتزم، وهناك تعرفت عليه وتطورت العلاقة فيما بعد لعلاقة حب.
– ما الظروف التي اعتقل فيها عبد الباقي؟
تم اعتقاله في أكتوبر 1985، وكانت حينها حملة اعتقالات واسعة غير مسبوقة، وكان من ضمنهم، كونه كان نشيط تقريبا في منظمة “إلى الأمام”، صراحة كنا نتوقع اعتقاله بعدما اعتقل مجموعة من الأصدقاء والرفاق، وكنا متهيئين، وحتى أكون واضحة في سنتي 1984 1985 كان كل مناضل كيف ما كانت طبيعة تأثيره، سواء متعاطفا أو مناضلا ضمن القواعد او في القيادة، وسواء كان ناشطا فيما هو ثقافي أو نقابي أو سياسي..، يتوقع اعتقاله في أي ثانية، فالسلطة حينها قررت تفكيك “إلى الامام” والوصول للقيادة بأي ثمن، وربما لو لم يتم الوصو فيما بعد للتهاني أمين ومصطفى البراهمة لاعتقل الجميع.
أذكر أن عبد الباقي جاء للدار البيضاء يوم الأحد، وحدثني عن حملة الاعتقالات، والأربعاء تم اعتقاله، وأنا عرفت يوم الخميس، وأغلب أصدقائي ورفاقي اعتقلوا، وتم إغلاق النادي للأسف، وبقيت مجموعة قليلة جدا تفرقت وهربت.
– كيف كان وقع الاعتقال عليك، وما أول الخطوات التي قمت بها إبان الاعتقال؟
بعد الاعتقال تم إيداع رفيقي بدرب مولاي الشريف، وبقي هناك حوالي شهرين، وأول خطوة قمنا بها هي نشر الخبر في جريدة أنوال، وبدأت أبحث عن عائلات المُعتقلين ونحاول ربط العلاقة فيما بيننا لكن بشكل حذر وسري نوعا ما، فكل شيء مُراقب ومُتابع حينها، ما دفعني لتفادي لقاء المناضلين أحيانا كثيرة خوفا من اعتقالهم عن طريقي.
بعد مرور حوالي ثلاث أسابيع على الاعتقال، تم استدعائي لمخفر الشرطة، والسلطة خلقت لي مشكلا كبيرا، فقد كان عمري 18 سنة وكنت تلميذة، وجاؤوا للثانوية وأخبروا المدير أنني عنصر خطير ولي ارتباطات مع منظمة سرية، وعلى إثرها استدعتني الإدارة، وقلت لهم أني لا أدري ما يقولون وكل ما أقوم به هو الدراسة والنشاط في نادي ثقافي وجمعية لمحاربة الأمية، ولحسن الحظ مرت الأمور بسلام، ولم يطردوني، بعدها ذهبوا للعائلة، ولحسن الحظ مرة أخرى أن أبي سليل الحركة الوطنية وكنت أُخبره بأنشطتي كلها وكان يتفهم الأمر، وهيأني نفسيا قبل زيارة المخفر وأخبرني بالحرف “ما تبينيش ليهم أنك خايفة ودي حوايج سخان حيث ربما يشدوك، الى مجيتيش غنعرفو انهم عتاقلوك، وحنا معاك وتنبغيوك”.
فذهبت للمخفر في الثامنة صباحا، ووجدت ثلاث ضُباط في انتظاري كان تعاملهم صعب وقاسي، وأول جملة قالها لي أحدهم هي: “نتي أ البرهوشة تديري السياسة”، فنفيت أي ارتباط لي بالسياسة، وبدأوا يسألوني عن العديد من الأشخاص منهم رفيقي، عندها أكدت معرفتي فقط بالأشخاص الذين تم القبض عليهم، أما المبحوث عنهم فنفيت أي معرفة لي بهم حماية لهم، وما زالت عالقة في ذهني لحظة صعبة هناك لما بدأوا يتحدثون معي بكلمات تحمل إيحاءات جنسية، وتحرش لغوي عنيف تعرضت له حينها، بعدها أخلوا سبيلي.
أذكر أنه بقوة الخوف والرهبة تفاديت المرور أمام تلك “الكوميسارية” خلال ذهابي للثانوية، وكنت أسلك طريقا أخرى طويلة للوصول لمكان الدراسة،
وبقيت أجهل مصير رفيقي، إلا بعد نقلهم من درب مولاي الشريف إلى سجن “غبيلة”، وعندها تبدأ معاناة الزيارات، ويُذكر أن مصرع أمين تهاني وإطلاق سراح خديجة الرويسي خوفا من موتها في المخفر بعدما ساءت حالتها كثيرا جدا، سرع بعملية النقل المذكورة، إذ جعل المسؤولين في حرج بعدما كانوا ينفون وجود المعتقلين بمولاي الشريف فإذا به يخرج منه تهاني جثة هامدة وخديجة في حالة بين الموت والحياة.
يُتبع