لماذا وإلى أين ؟

المدونة ..انتهى الكلام

عبد الرفيع حمضي

خيرا فعلت الهيئة المكلفة بمراجعة المدونة، عندما أنهت عملها في الوقت المخصص لها من طرف جلالة الملك .دون أن تلتمس مهلة استرحامية -حسب التعبير المتداول بالمحاكم -فكل تمديد  لما بعد الأجل ،كان من شأنه أن يساهم في إخراج  الأمور من سياقها المحدد لها سلفا .والذي أملته عشرون سنة من آخر مراجعة لمدونة الأسرة  في 2004 ، مع تجريبها  بمحاكم المملكة وعلى أرض واقع المجتمع  المغربي المتشبث بإسلامه  المعتدل . بعدما تبين  أن  هناك نصوص بالمدونة، عند ممارستها من طرف السلطة القضائية ، لم تنتج الأثر الذي كان  متوخيا  منها كما  صادقت  عليها ، السلطة التشريعية.  كما  تبين أيضا أن هناك نصوص أخرى  معدودة أصبحت تتطلب اما التجويد او التعديل  او مجرد اللفتينغ ،حتى تواكب المتغيرات التي تعرفها الاسرة ،نواة المجتمع الأولى ،في شكليها النووي والمعتد، والا سيصبح المجتمع في تباين  décalage مع النصوص التي تؤطره.

فمنذ  الرسالة الملكية ليوم  2 أكتوبر 2023 الموجهة لرئيس الحكومة -والمؤطرة لعمل الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الاسرة  -كانت الأمور واضحة، لا على المستوى المنهجي وطريقة الاشتغال  ،ولا على مستوى سقف المراجعة  المحدد، باعتبار ان الرسالة الملكية السامية هي الميزان الذي ستقيس به اللجنة المعنية طريقة عملها وكذلك مخرجات مشاوراتها المتعددة.

وبالتالي  فتجربة مغرب 2024 لم تنطلق من فراغ وهي ليست  تجربة مغرب 1957 عندما قرر المغفور له محمد الخامس الانتقال من تنظيم الأحوال الشخصية للمغاربة  شكلا من  نصوص فقهية عامة ومتبعثرة هنا وهناك وتخضع لقراءات متعددة وذاتية ، إلى نصوص قانونية مجمعة في  مدونة أطلق عليها آنذاك مدونة الأحوال الشخصية .

اما الان فالمغاربة بين أيديهم مدونة جاهزة ومجربة وخضعت لتعديل سنة 1993وجودت سنة 2004 وها نحن  الان في  سنة  2024 عشرون سنة على آخر تعديل، و سبعة عقود على اول مدونة .ومنذ ذلك الحين كم من المياه  جرت  تحت جسر المغرب،  المتشبث بإمارة المؤمنين،  وبالإسلام المعتدل الذي هو نفسه مغرب دستور 2011 وهو نفسه  الذي صادق على الصكوك الدولية التسع   الأساسية وغيرها  والمكونة للعمود الفقري للإطار المعياري الدولي لحقوق الإنساني.

هذا المغرب هو الذي عكسته تشكيلة الفريق المكلف  بمراجعة المدونة و الذي توفق في تقديري في منهجية وطريقة عمله سواء  تعلق الامر بانتظامية  الاجتماعات  او بعدد ونوعية الفاعلين المستمع اليهم او حجم ما توصلت  به من مذكرات ،فاسحة المجال للجميع  ان يدلي برأيه انطلاقا من مرجعيته الفكرية ،وقراءته للواقع من موقعه  المؤسساتي ، او السياسي .بعيدا عن ثنائية  الكافر والمؤمن، و التي يتقنها الفكر الشمولي عندما يرغب في الالتفاف على مسألة اجتماعية او ثقافية من صميم الواقع، حيث يكون  الفاصل فيها يعود إلى التزامات بلادنا على المستوى الدولي -والتي انخرط فيها المغرب بإرادته وعن طواعية باعتبارها أجود ما أنتجه الفكر البشري وتوافق عليه  -واجتهاد فقهائنا وايضاً مستقبل  أبنائنا .

ولمدة ستة اشهر بالكمال والتمام والفضاء العمومي مُنَشَط animé باللقاءات والاجتماعات ,والندوات والمنتديات .وكل يدلي بدلوه ،للمدافعين عن حقوق الطفل راي ،ولجمعيات الجالية  المغربية المقيمة بالخارج اقتراحات ، وللنساء  مطالب ومساهمات  ،وللأشخاص في وضعية إعاقة تساؤلات ….الخ

صحيح ان النقاش حول مراجعة المدونة مر بثلاث مراحل:

في الأولى تم تهييج العامة بالإشاعات بالحمامات العمومية والمقاهي والأسواق الأسبوعية مستغلين وسائل التواصل الاجتماعي في ارذل مهمة ،في وقت لم تكن الهيئة قد شرعت في عملها .

في الثانية  استقر النقاش ،ونضج بين كبار الفاعلين من اتجاهات مختلفة. واصبحت الساحة تفرز تيارين مختلفين  موجودين دائما بالمجتمع المغربي ،وكل المجتمعات .كل يدافع على رأيه ومواقفه  بهدوء كما هو معهود في مكونات بلادنا. رغم انه تم تسجيل غياب المساهمة في النقاش  من طرف عدد المثقفين المحسوبين على النخبة الثقافية  والإعلامية والذين يعلقون على الحرب في أوكرانيا والساحل وأزمة الماء ….الخ إلا انهم التزموا الصمت مع الأسف مرة أخرى وفي محطة أخرى .

في الثالثة، يبدو ان الهدوء والتوازن في النقاش والدفوعات ،لم يكن  هو المبتغى ولا الهدف بل كان لابد من خلط الأوراق مرة تانية والعودة الى المربع الأول، لكن هذه المرة بإشهار الدين واحتكاره والتشكيك في هذا وتلك مع اخراج وجوه كان المغاربة يستمعون اليها بالقنوات العمومية  لإرشادهم  في شعائرهم وعباداتهم باسم  مسوسات دينية رسمية ممثلة بلجنة مراجعة المدونة  ،الأمر الذي كان يقتضي التحفظ تم التحفظ حتى لا ينتقل و يصبح  الاصطدام مع المؤسسة نفسها  و التي يمثلونها .. بل تم التمادي في الاستعلاء وفتحت الشهية لاسترجاع ما ضاع في صناديق الاقتراع ، وليس هناك من طريق سيار أفضل من جسد المرأة وهمومها بل  أصبحوا يرون في كل عقد زواج بطائق  تصويت  عائلية .

فأطلق العنان مرة أخرى إلى اتهام الناس بالكذب وامتلاك الحقيقة بل كان من يطرح السؤال ويقول  بصوت جوهري من لا يتقاسم معنا ما نقول  فإسلامه مشكوك فيه .

الان والقوس قد اغلق والوثيقة في مكانها. فقد انتهى الكلام ..لكن الخلاف مستمر .

وفي الاخير يمكن القول باعتزاز ان بلادنا قد توفقت مرة اخرى في هذه المحطة رغم تلك المناوشات الهامشية فالمغرب تاريخ وليس لحظة.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
عزوز عبدالرحمان
المعلق(ة)
4 أبريل 2024 04:54

اسلوب فضفاض لم يذكر أمثلة عن المدونة…وانما ذكر بتواريخ مراجعتها و هي معروفة عند المغاربة ثم لماذا اقدم الكاتب على ترجمة بعض الكلمات الى الفرنسية , هل كتبت المدونة بهذه الأخيرة ما المقصود بذلك ؟!!

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x