لماذا وإلى أين ؟

الحوار الاجتماعي والغلاء

الحسين اليماني

يبدو من الصعب أو المستحيل، التوصل في الحوار الاجتماعي، المفتوح الان، بين الحكومة والباطرونا والنقابات الأكثر تمثيلية (حسب مفهوم مدونة الشغل), إلى اتفاق متوازن يجيب على انتظارات جميع الأطراف ، وذلك بسبب الاختلاف في المنطلقات والأهداف ، من هذه الجولة، بحيث أن منطق المقايضة هو السائد لدى الحكومة وأرباب العمل وليس منطق التفاوض الشمولي حول الملفات المطروحة، بغاية التوصل لتعاقد اجتماعي يكرس شروط السلم الاجتماعي ويبني مبادئ وأسس العدالة الاجتماعية.

وإن كانت الدولة، اختارت موقع الدولة المتفرجة وقطعت مع مهامها في التدخل وضبط السوق، حتى لا يتغول التجار والرأسماليون، على حساب الحد الادنى من العيش الكريم لعموم الجماهير الشعبية ، فإن موجة الغلاء ، من بعد الكورونا واندلاع حرب الروس والاوكران، بينت بجلاء الاثار العنيفة والنتائج المدمرة على القدرة الشرائية للمواطنين ، من جراء سحب الدولة للدعم وتحرير أسعار العديد من المواد الأساسية ، كالزيت والزبدة والمحروقات وغيرها…في انتظار الغاز والسكر والكهرباء والدقيق.

وإن كانت الدولة والحكومات المتعاقبة، منذ الحكومة الأولى للعدالة والتنمية (ولم تسبقها حكومة منذ الاستقلال)، تسعى جاهدة وبلا هوادة ، من أجل تطبيع المغاربة مع الغلاء وارتفاع أسعار جل المواد الاستهلاكية، وأصبح مطلوب من المغاربة اقتناء السلع والمواد الأساسية للمعيشة، حسب قانون السوق وحسب الأسعار العالمية، فإن ذلك يجب أن يقابله تحسن في دخولات المغاربة، من خلال توفير العمل اللائق للمعطلين والمعطلات ومن خلال الرفع من الحد الأدنى للأجور حتى يتساوى مع الحد الادنى للاجور في العالم ومنها مثلا اسبانيا، حيث لا يقل عن 15000 درهم عوض 3200 درهم المعمول بها في المغرب.

إن المدخل لإبرام اتفاق اجتماعي قوي في الظروف الراهنة، حيث الارتفاع المهول للأسعار وتراجع المجانية في الخدمات العمومية في الصحة والتعليم وغيرها، يتطلب البحث عن الجواب المناسب ، للتعويض عن الضرر بسبب الغلاء وليس النقاش الكلاسيكي عن الزيادة في الأجور ، فالأمر يتطلب إقرار تعويض خاص لكل المغاربة العاملين في القطاع الخاص وفي القطاع العام ولكل المغاربة العديمي الدخل.

وإن كانت الحكومة قبلت على مضض ، بالزيادة في أجور التعليم وغيرها من القطاعات العمومية، وشرعت في صرف الدعم الاجتماعي المباشر ، فإن الدولة وبصفتها صاحبة السيادة والسلطان، مطالبة بالانتباه الى خطورة الوضع الاجتماعي والقلق المتنامي بسبب ضيق العيش، وترميم القدرة الشرائية للعاملين بالقطاع الخاص والقطاع العام وعموم ذوي الدخل المحدود، بإقرار دعم لا يقل عن 2000 درهم لكل عائلة، أو التراجع عن سياسة حذف الدعم عن المواد الأساسية والرجوع لتقنين أسعارها.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
بوجمعة
المعلق(ة)
8 أبريل 2024 00:11

في ظل أزمة التضخم واختلال توازنات االأسواق ، الفنا من الباطرونا سلوكا يسير وفق منطق يعاكس المطلوب والتزاماتها كفاعل أساسي في المنظومة الاقتصادية . لكن من الخاسر حقا ؟
1- المنتجون كفاعل ينتج لتسويق المنتوج .حيث الاصطدام يوميا بواقع تراجع الطلب كما وكيفا لاقتناء منتجاتهم ، وهو الشيء الذي يضع جل مبادراتهم أمام نسج حسابات تضمن بقاء الوحدات الإنتاجية والمحافظة على حجم ما من المبيعات والأرباح . و ينتج عن ذلك أيضا ظهور سلوكيات تتنافي وأخلاق الانتاج والتسويق والقوانين المنظمة.. المنتج لايريد دائما أن يدرك أن الانخراط في تحسين القدرة الشرائية يصب أساسا في الرفع من قدرة الطلب على اقتناء انتاج وحدته.. .
2- سوق الشغل ،كون خنق الطلب يضعف بشدة نمو فرص التشغيل ،عامل نشيط لرفع الطلب على المنتوج و مسبب لتراجع الدخل . ثم يأتي مباشرة تقهقر لسلسلة من المؤشرات الاقتصادية والمالية……
3- المستخدم ، من خلال تراجع شديد لقدرته الشرائية وتحطيم معنوياته الإنتاجية والاجتماعية يصبح رهينا لشن برامج احتجاجية ومعها ضياع فقدان آلاف ساعات عمل، وضعية تغدي من جديد سيرورة الغلاء الفاحش وافلاس المنتج و…..

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x