2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
عائلات الصحراء: الدّاي ولد سيدي بابا.. دبلوماسي موريتاني حظي بثقة الملك الحسن الثاني وتَـرأَّسَ البرلمان المغربي

يسر جريدة “آشكاين” الإلكترونية أن تضع بين يدي قرائها الأعزاء سلسلة تاريخية تتقفى أثر العائلات والأسر الصحراوية التي كان لها أثر بليغ في الصحراء المغربية، وذاع اسمها نظير ما بذلته في مجالات مختلفة من الحياة من خلال ركن “عائلات الصحراء “.
سنتطرق في حلقة اليوم إلى عائلة أهل داي ولد سيدي بابا، باعتباره أحد أبرز الوجوه التي تقلدت مناصب عليا في البلاد، والذي حظي بثقة كبيرة من طرف الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله، فعينه سفيرا له في عدة دول، ورغم أنه دبلوماسي وسياسي قادم من موريتانيا، إلا أنه لبس جبة المواطن المغربي الذي دافع عن وحدة ترابه.
الولادة والمنشأ
ولد الداي ولد سيدي بابا في مدينة أطار الموريتانية عام 1921، ويعتبر ظاهرة سياسية بامتياز نظرا للكفاءة اللغوية و الحنكة الدبلوماسية التي يتمتع بها، وتلقى تعليمه في مختلف مراحله بمسقط رأسه، وتقلد العديد من المناصب الكبرى في كل من موريتانيا و المغرب.
المهام الدبلوماسية
يعتبر ولد سيدي بابا شخصية دبلوماسية و سياسية مغربية من أصول موريتانية، وينتمي إلى حزب التجمع الوطني للأحرار، وهو رابع رئيس لمجلس النواب المغربي ما بين سنتي 1977 و 1983.
بعد مجيئه إلى المغرب قادما من موريتانيا عام 1958، عُيِّن مستشاراً في وزارة الشؤون الخارجية و رئيس قسم أفريقيا في هذه الوزارة خلال الفترة بين عامي 1959 و 1960، وحظي بالثقة الملكية حين عينه الملك الحسن الثاني سفيراً للمغرب في جمهورية غينيا من عام 1961 إلى عام 1962، ثم نائب رئيس الوفد الدائم لدى منظمة الأمم المتحدة، وممثلاً للمغرب في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة برتبة سفير من عام 1963 إلى عام 1964.
لم يكتف الدبلوماسي المغربي بهذه المناصب فقط بل عمل، بين عامي 1965 و 1967 مندوباً دائماً للمغرب لدى الأمم المتحدة، واُنتخب في نهاية هذه المدة نائباً لرئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1966، ليصبح بعدها وزيراً في الديوان الملكي من عام 1967 إلى عام 1971.
كما عينه الملك بعد ذلك سفيراً للمغرب في المملكة العربية السعودية من عام 1971 إلى عام 1972، ليكون مديراً بعدها للديوان الملكي من شهر نوفمبر 1972 حتى شهر مايو 1973، كما عُيِّن وزيراً للأوقاف والشؤون الإسلامية من عام 1974 إلى عام 1977، وكذلك وزيراً للتعليم من عام 1973 إلى عام 1977.
وواصل هذا الدبلوماسي الموريتاني القادم إلى المغرب شغل مهام كبرى، لعل أبرزها توليه منصب رئيسٍ للجنة التفتيش التي عينها مجلس الأمن في عام 1964 للتوجه إلى فيتنام وكامبوديا، للبحث في الحوادث التي جرت آنذاك في تلك المنطقة من جنوب شرقي آسيا، كما عُيِّن بقرار من مجلس الأمن عضواً في اللجنة المكلفة بالبحث في قضية التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، وأسفرت أعمالها ونتائجها عن إنشاء برنامج خاص تابع للأمم المتحدة لمساعدة ضحايا التمييز العنصري.

دبلوماسي قدير قاوم المستعمر
وقال الباحث المتخصص في التاريخ الراهن، سيدأحمد بارك الله، إن “داي ولد سيدي بابا ديبلوماسي قدير ووطني وحدوي، تعلم في مسقط رأسه علوم القرآن والعربية وتعلم اللغة الفرنسية والعلوم العصرية”.
ويرى سيد أحمد بارك الله أن “الداي ولد سيدي بابا برز في مجال النضال الوطني من أجل التحرير، والوحدة المغربية، حين كون مع ثلة من أقرانه من أمثال حرمة ولد بابانا وفال ولدعمير، وغيرهما، جماعة من الوطنيين الوحدويين الذين قادوا النضال ضد الاستعمار الفرنسي، ودعوا إلى التحرير والوحدة “تحرير موريتانيا وضمها إلى بلد الأم المغرب”.
وأكد بارك الله، في حديثه لـ”آشكاين”، أنه “نتيجة لمواقفه الوحدوية ضايقه المستعمرون، فانتقل إلى الرباط في سنة 1958 ميلادية، ليعمل بجانب الملك محمد الخامس على استكمال تحرير أجزاء المغرب”.
إدارة الديوان الملكي دليل على ثقة الملك
من جهته اعتبر الباحث في التراث اللامادي الحساني بوزيد الغلى، أن ولد سيدي بابا “تقلد حقائب وزارية هامة، بعد توليه في فترة معينة منصب مدير للديوان الملكي، وهو أرفع المناصب في المملكة المغربية، وهو دليل على ثقة الحسن الثاني رحمة الله عليه في هذا الرجل، الذي جمع بين ثقافة عربية أصيلة على عادة كبار الشناقطة، وثقافة فرنسية، تجعله، كما قال بعض من تحدث عنه يتحدث بأريحية كبيرة باللغتين العربية والفرنسية”.
علاقة حذرة مع البصري
ومن بين المناصب الوزارية التي تقلدها الرحال، يورد لغلى “هي وزير التعليم، و وزارة الأوقاف في وقت لاحق، ومما كُتب عنه أنه كان بحكم ذكائه الدبلوماسي و بحكم هدوئه، ظل يحتفظ بعلاقة حذرة مع الوزير القوي في تلك الحقبة إدريس البصري”.
ولفت المتحدث الانتباه إلى أن “ولد سيدي بابا لا يخضِع وزارة التعليم لتعليمات وزير الداخلية، وفق ما كشفه أحد موظفي الوزارة في حوار منشور بالفرنسية، ولم تكن العلاقات بينهما ودية، كما فهمت من بعض المقابلات”.
وخلص إلى أن “سيرة الداي ولد سيدي بابا تحتاج إلى شهادات من جايلوه وأسرته، وهذه النافذة التي تفتحونها اليوم مهمة جدا، لأنها ستبرز على الأقل أثر ذوي الأصول البيظانية، سواء من أصول صحراوية من جنوب المغرب أم من الشقيقة الموريتانية، وجهودهم في خدمة الدولة المغربية”.
عرفان بعد الوفاة
توفي الداي ولد سيدي بابا، يوم 21 ربيع الأول 1413 جرية الموافق 19 شتنبر 1992 ميلادية، وتلقى بعد وفاته، تكريما نوعيا من ابن عمومته البيظانية، محمد الشيخ بيد الله، الرئيس السابق لمجلس المستشارين، من خلال تسمية إحدى القاعات بالمجلس باسم الداي ولد سيدي بابا.
الحلقات السابقة
–عائلات من الصحراء: أهل الشيخ بيروك.. عائلة بسطت نفوذها التجاري من وادنون إلى السودان
–عائلات من الصحراء: أهل العرابي..شبكة وكلاء تجاريين مسلمين ويهود بين الصويرة وتمبكتو
–عائلات من الصحراء: أهل بوكَرين.. محافظ صاغ “عقد الخاوة” وأنقذ مدونة زاوية آسا من الضياع
–عائلات من الصحراء: أهل لعريبي.. “خرقت” قاعدة انتماء وامتلكت منازل للكراء بتمبكتو
-عائلات الصحراء: أهل حيبلتي.. أسرة هَـجّرها الانفصاليون قسرا إلى تندوف وعادت لتجديد مبايعة الملك
-عائلات الصحراء: أهل عبيد الزهري.. مقاوم نسق اجتماعات سرية لاستقبال السلطان محمد الخامس بفرنسا