2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
مبادرة عبد العزيز الرباح “الوطن أولا ودائما” في برنامج الشاهد

سعيد الغماز
نشر المنبر الإعلامي آشكاين سلسلة من الحلقات مع الوزير السابق عبد العزيز الرباح، حول تجربته الحزبية ومشروعه الجديد مبادرة “الوطن أولا ودائما”. شملت الأسئلة الكثير من القضايا التي تستأثر باهتمام الرأي العام وجمهور المتتبعين، فيما كانت الأجوبة تحاول الابتعاد ما أمكن عن دائرة كل ما هو حزبي والتركيز على الجانب التنموي الذي يهم مستقبل الوطن.
تكمن أهمية سلسلة حلقات “الشاهد” مع الوزير السابق في الأطروحات التي تلامس الجانب التنموي والاقتراحات التي تطرق لها ضيف البرنامج كخلاصة لتجربة ميدانية في تدبير الشأن العام.
ولعل ما جعل الحوار يكون مثمرا وجديرا بالاهتمام، تجربة الضيف في تسيير جماعة حضرية وتدبير قطاعات وزارية.
أما كل ما تطرق له الحوار بخصوص القضايا السياسية والحزبية، فهو نقاش رائج في الساحة السياسية وكل طرف يتناوله من زاويته الخاصة. لذلك ما يهمني في هذا المقال هو النقاشات المتعلقة بالجانب التنموي وما يدور في فلكها من اقتراحات تعكس طموح بلادنا التنموي، وأفكار تسعى لتطوير العقل التنموي في أفق تعزيز طفرتنا التنموية وتحقيق إقلاع بلدنا الاقتصادي.
منذ ستينيات القرن الماضي، عرفت بلادنا صراعا مريرا حول قضايا حزبية وسياسية، جعلت لغة السياسة تعلو على لغة التنمية. كما أنه صراع خلق واقعا يعاني من تضخم في الأطروحة السياسية وتهميش سلبي للأطروحة التنموية وشروط الإقلاع الاقتصادي. دام هذا الصراع مدة طويلة تقاس بالعقود وليس السنوات، وهو ما خلق عقلية ونمطا في التفكير يطغى عليه كل ما هو حزبي سياسي على حساب كل ما هو تنموي اقتصادي. ومع الأسف، هذه الحقيقة لم تستثن حتى النخب. تضخمت لغة الصراع السياسي حتى أصبح النقاش المجتمعي يحتكره رجال السياسة والأحزاب، فيما غاب صوت المثقف والاقتصادي والباحث في التنمية والمهتم بالعلوم الاجتماعية.
أقول هذا الكلام لأنني باحث في مجال التنمية ومتخصص في التحول الرقمي وأصدرتُ كتاب “النموذج التنموي في المغرب…مقاربة مع نماذج تنموية ناجحة في آسيا وإفريقيا” في عز النقاش الدائر حول النموذج التنموي الجديد. تطرق الكتاب لأهم العوامل التي ساهمت في نجاح النموذج التنموي لكل من سنغافورة وماليزيا والهند والصين وتركيا ورواندا وبوتسوانا. ومن أهم الخلاصات التي توصلتُ إليها، هو أن تلك الدول التي نجحت في نموذجها التنموي، كانت إلى حدود ثمانينيات القرن الماضي أقل شأنا من المغرب، لا تنمويا ولا اقتصاديا ولا اجتماعيا. لكنها خلال الفترة التي كانت فيها بلادنا تخوض صراعا سياسيا تضخمت فيه الأطروحات السياسية وضَعُفَت فيه الأطروحات التنموية، كانت تلك البلدان تُطور نموذجها التنموي وتهتم بالسياسة في حدود المعقول، وقامت بتغليب صوت التنمية على صوت الصراع السياسي. والآن يمكننا مقارنة وضعية تلك النماذج التنموية الناجحة مع واقعنا الحالي في بلدنا، ونتسائل “كيف كنا وكيف ولينا؟…كيف كانوا وكيف ولاوا؟”.
اعتبارا لما سبق ذكره، نقول إن مبادرة “الوطن أولا ودائما” قد تشكل قيمة مضافة في تطوير العقل التنموي في بلادنا، وخلق نموذج في التفكير يُغلِّب لغة التنمية على لغة السياسة، من أجل خلق عقلية متوازنة تساعد على إنجاح طموح بلدنا التنموي. حقيقة، لو كانت المبادرة صادرة عن شخصية بعيدة عن الصراع السياسي والحزبي، لكانت مبادرة تتطور في مجال تنموي خالص. لكن من وجهة نظر أخرى، الواقع المجتمعي في بلادنا لا يساعد على إنجاح المبادرات التنموية، نظرا لكون الخطاب السياسي والحزبي يطغى على اهتمام جمهور المواطنين ويفرض توجهه على الاعلام بكل أشكاله. لذلك يمكن اعتبار التاريخ السياسي والحزبي لمؤسس مبادرة “الوطن أولا ودائما”، عاملا مساعدا على الدفع إلى الأمام لتطوير الخطاب التنموي في بلادنا، وإعادة ترتيب الأولويات في بلد يطمح إلى النجاح في نموذجه التنموي. وطريق هذا النجاح يكمن في خلق فكر يهتم بالتنمية أكثر من اهتمامه بالسياسة، وبناء عقل تنموي يتفوق على العقل الحزبي. ومن جاني آخر نقول: لو قامت شخصية بعيدة عن الشأن السياسي بمثل هذه المبادرة، لظلت مبادرة على الهامش ولم يتحدث عنها أحد، بسبب إكراهات واقع يسيطر عليه الخطاب الحزبي.
إن نجاح أي بلد في تحقيق طفرته التنموية، رهين بخلق عقل تنموي يضع كل مجال في وضعه الطبيعي خاصة مجال التنمية والسياسة. والعلاقة التي تحكم المجالين تشكل محددا أساسيا في كل مشروع تنموي.
تطرق ضيف الموقع الالكتروني آشكاين للعديد من الأفكار التي تدخل في إطار بناء العقل التنموي، والخروج من الدائرة المغلقة للعقل السياسي الحزبي الذي يجعل صاحبه ضحية نظرة حزبية فاقدة لروح العطاء والابداع في مجال التنمية. ومن المقترحات التي طرحها صاحب المبادرة، والتي نعتبرها جديرة بالاهتمام والنقاش، ما يلي:
– دعوة المسؤولين عن القطاعات الحيوية في بلدنا إلى الخروج إلى المجتمع والتحدث معه لخلق نقاش جديد غير مألوف في المجتمع عنوانه العمل التنموي.
– المبادرات التنموية من شأنها الانفتاح على طاقات تراجعت إلى الوراء في ظل واقع تغول فيه الحزبي والسياسي. فهناك العديد من الطاقات تريد خدمة المجتمع والوطن من خارج المنظومة الأيدولوجية والحزبية وحتى السياسية، في إطار مدني يسمح به دستور المملكة.
– تحدث ضيف البرنامج عن أهداف المبادرة وحددها في أربعة أهداف: (1) الترافع عن قضايا البلد الكبرى بما فيها الترافع عن حضارة المغرب ووحدته الترابية. (2) تأطير المجتمع ليبقى متماسكا بأسرة قوية والمحافظة على قيم المغاربة التي حددها في الاجتهاد والاشتغال والنهوض الباكر والتضامن وحق الواجب اتجاه الوطن…. (3) المساهمة في المسار التنموي والاجتماعي والاقتصادي بالتقييم والاقتراح. (4) تأطير المواطنين من منظور تنموي عملا بمقولة لا أُعطيه سمكة ولكن أُعلمه كيف يصطاد السمكة.
– نشر ثقافة الواجب نحو الدولة والمجتمع بدل الاكتفاء بثقافة الحقوق فقط.
هذه كلها اقتراحات وأفكار تصب في تطوير بنية العقل التنموي في بلادنا، كما أنها تساهم في إغناء النقاش حول التنمية في بلادنا والجواب على سؤال: لماذا حققت بعض الدول التي كانت أقل شأنا من بلدنا طفرتها التنموية، في حين ما زلنا في وطننا نبحث عن طريق طفرتنا التنموية وشروط إقلاعنا الاقتصادي؟
في الختام نقول إن قراءة سريعة للتعاليق التي واكبت حلقات برنامج الشاهد، تجعلنا نلاحظ أنها تعاليق تتحدث في غالبيتها عن الأمور الحزبية والصراعات السياسية، ولا أثر لاهتمامها بالأبعاد التنموية التي تطرق لها ضيف آشكاين. وهو ما يؤكد بالملموس أننا نعيش في مجتمع يتغول فيه العقل الحزبي على حساب العقل التنموي. وهذه المعضلة تشكل أهم معوقات التنمية في بلادنا، استنادا للرأي القائل بأن التنمية تنطلق من الإنسان لصل إلى الإنسان. هذا الواقع يجعلنا نؤمن بحاجة مجتمعنا لأكثر من مبادرة في مجال خدمة التنمية في بلادنا وتطوير العقل التنموي ليكون صوته أعلى من صوت صراخ السياسة.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.