2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

يسر جريدة “آشكاين” الإلكترونية أن تضع بين يدي قرائها الأعزاء سلسلة تاريخية تتقفى أثر العائلات والأسر الصحراوية التي كان لها أثر بليغ في الصحراء المغربية، وذاع اسمها نظير ما بذلته في مجالات مختلفة من الحياة من خلال ركن “عائلات الصحراء “.
سنتطرق في الحلقة الأخيرة لهذا الموسم إلى عائلة بونا الأساويين، من خلال الفقيه السي مولود الذي تقلد مناصب دينية وزاوج بين العلم والفق والكفاح المسلح ضد هجمات البوليساريو.
النسب والولادة
ويروي لنا الباحث في التاريخ المعاصر، سعيد عدي، في إفادته حول أسرة أهل بونا، أنها “متفرعة عن فخضة أيت بها أوصالح، المعروفة في منطقة أسا بتعاطي الشأن الديني، والتي نبغ منها العديد من الفقهاء وطلبة العلم، حيث تنتهي أصول أسرة العلامة مولود بونا إلى أصول قبيلة تجكانت الكبرى في غرب الصحراء”.

وأوضح عدي، في حديثه لـ”آشكاين”، أنه “في خضم أوج القبضة الاستعمارية على المغرب وتحديدا سنة 1946، ولد العلامة مولود بونا، ونشأ في بيئة محافظة وتمكن والده الحسين بن المحفوظ من إلحاقه بالكتاب سنة 1951 تحت إشراف الفقيه سيدي الطاهر بن محمد بن مبارك ألموش التيجائي”.
حفظه القرآن
وأشار إلى أنه “نظرا للتضييق الذي مارسه الاستعمار على المدارس القرآنية ومرتاديها من الفقهاء آنذاك؛ فقد اتفق والده ووالدته فاطمة بنت أحمد على إلحاقه بالفقيه الحسن بن أحمد بوليد التغجيجتي سنة 1953، حيث أتم حفظ القرآن الكريم سنة 1958 عن عمر لا يتعدى 12 سنة على يد هذا الشيخ الجليل، ولم تكن تلك نهاية المشوار بل هي أوله، فقد لازم الفتى شيخه سبع سنوات أخرى كان في كل سنة يختم ختمة، وكان آخرها سنة 1965 مقرونة بعلم الرسم العثماني”.
خلافة شيخه في سن مبكرة
واسترسل عدي أن “السي مولود قد عاد سنة 1965 إلى شيخه الفقيه الطاهر بن محمد فلازمه وكان يوكل إليه مهمة التدريس، وفي ذات الوقت كان يتردد على كبار المشايخ، من بينهم العلامة الحسن الراجي والعلامة محمد الهلالي والعلامة محند أهراس لأخذ العلوم الفقهية والشرعية، استمر على ذلك الحال إلى سنة 1969”.
وتابع أنه “في هذه السنة شاءت الظروف أن يستقل العلامة الطاهر بن محمد من المشارطة والإمامة بمسجد بني مليل، ولم يكن في القرية من هو مستعد لخلافته من المعاصرين أو من هو بكفاءة السي مولود اليافع ذو 23 سنة فتم إقراره خلفا لشيخه، وتمكن من إظهار جدارته في ما نيط به من مهام، وبذل جهودا مضاعفة في تدريس الصبيان الذين توافدوا عليه من كلا القصرين ومن المناطق المجاورة والبوادي، وإلى جانب ذلك كان يقوم بالإمامة في صلاة الجمعة والعيدين، وتولى مهمة الخطابة في زاوية أسا في ذات السنة 1969”.

وحسب ما أفاد به الباحث عدي فقد “عين السي مولود ما بين سنتي 1976 و 2005 نائبا حبسيا لنظارة الأوقاف بتزنيت، فواعظا مرشدا في أسا بقرار وزاري سنة 1982، وفي السنة الموالية؛ انضم إلى رابطة العلماء بكلميم وزاول مهامه بها تحت رئاسة محمد الخمليشي”.
أما في سنة 2001، يضيف عدي “عين خطيبا لمسجد الفتح، وفي سنة 2003 عين خطيبا للمسجد الأعظم، كما تم تعيين الحاج مولود بونا عضوا بالمجلس العلمي بكلميم، ومنسقا للفرع المحلي بأسا الزاك، وعضوا في ذات المجلس بعد تأسيسه سنة 2009”.
نضال لقضايا الوطن
ونبه المتحدث إلى أن “الفقيه العلامة السي مولود كما بات يعرف، له وجه آخر من أوجه الحياة، هي صفحة النضال التي خطها بهمة الرجال، فكان لقضايا الوطن في طليعة المناصرين، وبواكر المناضلين الأوائل الذين حملوا على عاتقهم بناء الوطن واستكمال دولة المؤسسات”.
العمل الحزبي والاعتقال
وأكد عدي أن “السي مولود قد مارس العمل الحزبي من داخل حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ابتداء من سنة 1982، وفي السنة الموالية شغل منصب مستشار جماعي بأسا إلى حدود سنة 1992، وكان رجل سياسة بامتياز؛ عُرِفَ بمواقفه الجريئة، فتعاظم أتباعه وكثر مناصروه، وهو ما لم يكن ليروق السلطات في ذاك العهد، وتم اعتقاله على ذمة الرأي سنة 1986 وتعرض للحبس ما شاء الله له”.
دفاع مسلح ضد البوليساريو
وأبرز أن “السي مولود لم يكن رجل علم فقط، ولم تحجبه السياسة عن حمل السلاح دفاعا عن الوطن، ففي سنة 1979 كان في الصفوف الأمامية للمدنيين الذين تم تجنيدهم لمواجهة هجومات البوليساريو المتكررة على البلدة الصغيرة، ودافع بكل بسالة عن الوطن”.
وأفاد عدي أن “الحاج مولود بونا قد حظي بالتفاتة ملكية وتم توشيحه بوسام الاستحقاق الوطني من الدرجة الممتازة سنة 2016”.
وخلص المتحدث إلى أن “الحاج مولود قد بصم على مسار متميز جدا، وشكل طيلة عقود قطب الرحى في الجانب الديني؛ فإليه يعود الفضل في تخريج وإجازة عدد من الفقهاء يربو عن الخمسين، وقد تحمل مسؤولية تدريس الناشئة صبيا في أحلك الظروف (1969 وما تلاها) وهي ثمار بذرها لتنير طريقنا اليوم بعطائها الفياض”.
الحلقات السابقة
–عائلات من الصحراء: أهل الشيخ بيروك.. عائلة بسطت نفوذها التجاري من وادنون إلى السودان
–عائلات من الصحراء: أهل العرابي..شبكة وكلاء تجاريين مسلمين ويهود بين الصويرة وتمبكتو
–عائلات من الصحراء: أهل بوكَرين.. محافظ صاغ “عقد الخاوة” وأنقذ مدونة زاوية آسا من الضياع
–عائلات من الصحراء: أهل لعريبي.. “خرقت” قاعدة انتماء وامتلكت منازل للكراء بتمبكتو
-عائلات الصحراء: أهل حيبلتي.. أسرة هَـجّرها الانفصاليون قسرا إلى تندوف وعادت لتجديد مبايعة الملك
-عائلات الصحراء: أهل عبيد الزهري.. مقاوم نسق اجتماعات سرية لاستقبال السلطان محمد الخامس بفرنسا