لماذا وإلى أين ؟

تهديدات استراتيجية تدفع بايدن للتفكير في عقد مؤتمر دولي حول الصحراء المغربية (الحسيني)

حرك الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ملف قضية الصحراء المغربية عبر إبداء رغبته في “حل الملف”، من خلال دعوة مختلف أطراف النزاع، ممثلين في المغرب والجزائر وموريتانيا وجبهة البوليساريو، للعودة إلى طاولة المفاوضات، من أجل إيجاد حل لهذه الأزمة التي عمرت زهاء نصف قرن.

وحسب ما ذكرته “Jeune Afrique” الفرنسية الإثنين 27 مايو 2024، فقد “دعت إدارة جون بايدن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لتنظيم مؤتمر مع الأطراف الرئيسية في الملف، إلى جانب كل من إسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا”.

وكان لهذه التحريك المفاجئ لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية، جون بايدن، أن يمر بشكل عادي في غياب السياقات الدولية المحيطة به، وعلى رأسها قرب الانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة، علاوة على عدد من الملفات الحارقة التي تشعل مناطق متفرقة من العالم، منها الحرب الأوكرانية الروسية والحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة بدعم أمريكي مباشر، وهو ما يضعنا أمام سؤال وجيه عما إن كان هذا التحريك الأمريكي لملف بهذا الحجم، هو فعلا يسير في اتجاه الدفع نحو الطي النهائي أم أنه محاولة من الرئيس بايدن لاستخدامه كورقة انتخابية ؟

الحُسَيْني: بايدن يبحث عن صيغة مؤتمر دولي”

وفي هذا السياق، أوضح الخبير في العلاقات الدولية، تاج الدين الحُسيني،  أنه “ينبغي أن نلاحظ منذ البداية أن ما عبر عن الرئيس بايدن لا يدخل في دائرة ما خططت له الأمم المتحدة والأمين العام ومبعوثه الشخصي فيما يتعلق بمسطرة التسوية، إذ أن المبعوث الشخصي يرتكز على أن تكون هناك مائدة مستديرة بين أطراف النزاع، ويعني بذلك الأطراف الأربع الأساسية، وهي المغرب والجزائر وموريتانيا والبوليساريو، في حين أن الجزائر ترفض أن تكون طرفا في هذه المفاوضات”.

الخبير في العلاقات الدولية، تاج الدين الحُسَـيْني،

وأوضح الحُسَيْني، في تصريحه لـ”آشكاين”، أن “الرئيس بايدن ربما يبحث عن صيغة مؤتمر دولي، ولو أنه مُحَجّم في إطار دول محدودة، وهي فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وهو بذلك يربط بشكل من الأشكال، ما يسمى بمجموعة أصدقاء الصحراء، التي تقوم باقتراح مشاريع قرارات مجلس الأمن، وكل هذه البلدان، باستثناء روسيا، لها مواقف موالية للمغرب بشكل واضح، حتى رغم التغيرات التي عرفتها في مرحلة معينة، أو ضبابية القرار لدى الفرنسيين ثم الإسبانيين والتي تم تجاوزها بشكل صريح”.

ويرى الحسيني أن “انعقاد مثل هذا المؤتمر لن يكون إلا في صالح المغرب، إذ بالنظر إلى العلاقات المغربية الروسية، فهي ليست بتلك العلاقات المتوترة على الإطلاق، إذ نجد عدة أبعاد للتعاون بين الطرفين، إذ أن روسيا نتيجة المأزق الذي تعاني منه في أوكرانيا ومشاكلها مع الغرب، فقد تجد في المغرب طرفا قد يؤازرها في بضع المواقف خاصة في مسألة الوحدة الترابية، نظرا لأن روسيا تعتبر، كيفما كان الحال، أن عدة أراضي قد اقتطعت منها بعد انهيار الجدار بين الشرق والغرب ومع انهيار الاتحاد السوفياتي، وأن فقدانها تلك المواقع وتهيئ بلدان مجاورة لتكون في الحلف الأطلسي قد ينتهك سيادتها”.

“الانتخابات وطريق الحرير”

ولفت الانتباه إلى أن “المغرب لن يكون لديه تخوف من انعقاد هكذا مؤتمر في هذا الاتجاه، لكن ما يثير بعض التساؤلات هو لماذا يقوم بايدن بهذه المبادرات في وقت يستعد فيه للانتخابات، حيث هناك من يربطه بالحرب في أوكرانيا والتي أثبتت تفوقا روسيا وتهديدات حتى باستعمال الحرب النووية”.

وتابع الخبير  نفسُه، أن “الولايات المتحدة بدأت تلحظ أن شركاءها التقليديين بدؤوا ينهجون سياسة التعددية إلى مواقع أخرى، كما هو الحال للمغرب الذي  تربطه اليوم علاقات مفضلة مع الصين، ويعتبر عميدا لتوسيع وجودها في إفريقيا، عن طريق مشروع الحزام والطريق، والذي ما هو في الأصل  إلا تطوير جديد لطريق الحرير التي كانت تربط الصين بعدة مناطق في العالم”.

وشدد  محدثنا على أن “هذه الاستراتيجية الصينية أخذت أبعادا جد  كبيرة، حيث أن الصين تقوم بدور ذي طبيعة اقتصادية واجتماعية محضة، وتقدم قروضا سخية للبلدان الإفريقية، وتقوم ببناء البنيات التحتية الأساسية  في هذه البلدان، من جسور وطرق وسدود، وغيرها، بينما تتموقع روسيا بدل فرنسا، عن طريق قوات فاغنر وعدة وسائل ذات طبيعة عسكرية، بما فيها التصدير المستمر للأسلحة إلى البلدان الإفريقية”.

أطماع أمريكا في المبادرة الأطلسية

وأردف أن “الولايات المتحدة الأمريكية تشعر بأن موقفها في هذه المنطقة للعالم أصبح يتهدد، وأن حتى المغرب الذي هو شريك تقليدي واستراتيجي خارج هذا الأطلسي، هو الآخر أصبح يأخذ توجهات جديدة، ولذلك فإن مبادرة بايدن تدخل في هذا الاتجاه”.

مشيرا إلى أن “بايدن لا يرى في المغرب فقط شريكا استراتيجيا، بل هو أيضا معول عليه في الربط بين الولايات المتحدة الأمريكية وطموحاتها الإفريقية، خاصة أن المغرب نجح في تكوين منظمة أطلسية تضم  حوالي 23 دولة إفريقية، واستطاع أن يمدد شراكات هذه المنظمة مع بلدان الساحل، بما فيها البلدان التي عرفت انقلابات عسكرية وكانت كلها ضد الوجود الفرنسي، مثل بوركينافاسو والتشاد والنيجر ومالي، وهي دول استطاعت أن تحافظ على علاقاتها المفضلة مع المغرب رغم كل هذه الأوضاع”.

“وحتى بايدن يريد أن يفوز  بموطئ قدم في هذه المبادرة”، يسترسل الحسيني ويضيف “متجاوزا لمواقف ترامب الذي كان قد عبر عن إقرار السيادة المغربية على الصحراء، وكان مستعدا لأبعد من ذلك، وبايدن يشعر أن المرحلة الانتخابية المقبلة قد تشكل له تحديات جديدة، فهو يحاول فتح بعض الملفات الإقليمية لإنهاء الأزمات والنزاعات عن طريق التفاوض، كبديل لفشل الولايات المتحدة الأمريكية في ملف أوكرانيا، وفشلها في الشرق الأوسط”.

وخلص إلى أنه “لا يجب أن ننسى أن علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بإسرائيل لم تعد تثير الإضراب والصدمة في البلدان المعنية فقط، بل في قلب الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، إذ يريد بايدن أن يثبت لمواطنيه أنه رسول سلام  قبل أن يكون هو من يمول إسرائيل التي تضرب بالقنابل الأمريكية المواطنين العزل في غزة ورفح، وكل هذه الأوضاع تدخل في إطار الاستراتيجية الأمريكية التي تبحث عن موقع جديد في السياسيات الدولية بشكل عام”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
احمد
المعلق(ة)
31 مايو 2024 20:03

مبادرة في الساعات الاخيرة لولاية بايدن تطرح اكتر من تساؤل، وتستدعي حنكة الخبراء المغاربة واصداقائهم لدراسة جدواها ومدا تاتيرها السلبي او الايجابي على حلحلة هذا النزاع الذي دام عقدين من الزمن.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x