2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
عيد الأضحى بالمغرب..بين الطقوسي والسياسي

إيهاب الشنوفي
يستمد عيد الأضحى حضوره و وجوده من الرؤيا الإبراهيمية الغير المكتملة و في هذا الإطار يقول نور الدين الزاهي “تشكلت ملامح الجسد الاسماعيلي في الرؤيا ،و لأن هذه الأخيرة لم تتحقق ، فقد ظل نصيب الحلم فيها وفيرا ، أو لنقل إن ارتفاع القربان إلى مقام الحامل اسم (اسماعيل الذبيح) و ظهوره كذلك قد حولا الرؤيا الى حلم…
بتعبير أخر جعل ظهور القربان من الحلم رؤيا مؤجلة ” المقدس الإسلامي ص 10 ، أي أن مسار العنف تم تحريفه من اتجاهه الأصلي الذي حدده “القتل المؤسس” الى القربان الحيواني الذي أصبح بفعل الابدال جسدا رمزيا . مما يجبرنا على أن نسبر أغوار الرمز من جديد في علاقته بالسياسي .
فالرمز هو تمثيل حسي لمعنى ذهني باعتماد علاقة مماثلة أو إيحاء بينهما تمكن الفكر من تأويل الشكل الحسي و فهمه من أجل تمثل المعنى ،و ليست الرؤيا الإبراهيمية خارج هذا التعريف التبسيطي فتمثيل ابراهيم الحسي للمعنى الذهني (الرؤيا) مما جعله يضع ابنه على حافة الموت الى حين جرى إنزال الأضحية الحيوانية التي جرى ذبحها بدل اسماعيل مما سمح بتجاوز القراءة السطحية للرؤية نحو قراءة تؤسس للأضحية القربانية . إن المقدس في هذه الحالة استعمل لغة الخاصة في التعبير عن ذاته و هي الرمز محافظا على غموضه و تعددية المعنى . فالمقدس كمنظومة رمزية يمارس سلطة رمزية تشكل سلطة بناء الواقع .
و هذه المنظومة الرمزية تؤسس نظامها المعرفي على” المحافظة المنطقية ” (يعرفها دوركايم بأنها مفهوم متجانس حول الزمان و المكان و العلة ) ، مما يجعل هذه المنظومة الرمزية تحقق تضامنا اجتماعيا قوامه “المحافظة المنطقية” .إن الرمز يصبح هنا سلطة سياسية نظرا لقدرته على تحقيق الإجماع حول النظام الاجتماعي و بالتالي حول بنيته الفوقية التي يشكلها النظام السياسي . فرغم التحديث الصوري و السطحي للنظام السياسي عبر استبدال “السلطان” ب”الملك” في دستور 1962 وصولا إلى مستجدات دستور 2011 فان الانتقال من الرعية إلى المواطنة الحقة ما زال عسيرا .
و مازالت ثنائية الراعي/الرعية تفعل فعلها في الوعي الجمعي . إن واجب طاعة الرعية للراعي و سيادته و مسؤوليته المطلقة عليها تماثل بل تتجاوز علاقة الأب/الابن على الأقل في ما يخص الحق و الواجب . عندما يضحي الأب من أجل أسرته شكرا لله على إبدال الذبيحة البشرية بالذبيحة الحيوانية فهو يحين القصة الإبراهيمية واضعا أمامه الماضي و متطلعا نحو المستقبل ،و في ذات اليوم تتلاحم الأسرة و تذوب الخلافات و يتداخل الشخصي بالجماعي في الطقس الأضحوي . كذلك الأمير يمارس فعلي المحاكاة و التحيين لذات اللحظة على مستويين مختلفين :
أولا , كرب أسرة و ثانيا ,كأمير للمؤمنين يشكر الله على فعل الإبدال الاضحوي الذي درأ الفتنة و أسس التلاحم و أعلن بداية بناء الحضارة .ولا يفوت العاهل المغربي هذه المناسبة دون أن يعفو على السجناء –وهم غالبا سجناء الحق العام –معلنا بذلك تجاوز الماضي و بناء عهد جديد . و بهذا يتحول العيد الى مناسبة لتجديد الشرعية و تجديد الارتباط بمجال المقدس عن طريق الراعي الذي يضحي باسم أمته .
يذهب نور الدين الزاهي في ربطه الطقوس بالسياسة إلى البعد الذبائحي مستندا على أطاريح روني جيرار فيقول ” لذلك تتخذ العلاقة بين الإمام و الأمة صيغة ميثاق أضحوي يجعلهما يتناوبان على أدوار الأضحية القربانية ، ما دام الميثاق لم يخترق من طرفهما .لكن حين لكن حينما يقع خلل في هذا التعاقد الأضحوي فإن لغة الإمام و الأمة تستعيض عن بلاغتها الاضحوية القربانية ببلاغة العنف السياسي الممحور حول الأضحية الآدمية ” مما ينبئ ببداية أزمة البحث عن أضحية جديدة قادرة على إيقاف الفتنة و تحقيق الإجماع من جديد ، إجماع طرفين على حساب طرف ثالث .
ما بين هذا و ذاك يبقى روجيه كايوا واقفا يراقب تلاشي الأعياد و يطرح إمكانية الاستعاضة عن العيد بالعطلة فيتدارك مبينا بأن العطلة ليست ذروة النشاط الاجتماعي عكس العيد ، و يخلص إلى أن العيد أخلى مكانه للحرب لأن كليهما يمثلان ذروة المشاط الاجتماعي و يسود فيهما مقدس الانتهاك .و في حالة استيلاء السياسي على الطقوسي ألا يمكن أن تقودنا أزمة العيد و التضحية إلى الحرب و تتغير العلاقة بينهما من التماثل إلى السببية ؟ أسئلة لابد لها من إجابات .
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا.