لماذا وإلى أين ؟

تشغيل الأطفال بين النص القانوني والعجز المؤسساتي في ظل حوار إجتماعي متعثر

الحسين بكار السباعي*

نعلم جيدا أن الترسانة التشريعية ببلادنا المتعلقة بالطفل (القاصر والحدث الجانح والحدث الضحية )، تبقى بطبيعة الحال لبنة جوهرية و ٱلية لإفراغ الملامسة القانونية و المؤسساتية للطفل بالقانون، حيث أن المغرب أكد و بموجب دستور 29 يوليوز 2011، على صيانة الحريات و الحقوق خصوصا للطفل و حماية سلامته و حياته،  وفق نص المادة 21 من الدستور ، وحقه في العلاج و الحماية الاجتماعية، و في التعليم و التتشئة الوطنية المغربية بناء على المادة 31 و المادة 32، و تعزز الحماية القانونية للطفل، و إعتباره الاجتماعي و المعنوي، وما جاءت به ذات الوثيقة الدستورية من التنصيص على إحداث المجلس الاستشاري للأسرة و الطفولة كهيئة دستورية بنص القانون 78.14 والكفيلة بتفعيل كل حماية للطفل .

و إتجه المشرع المغربي إلى العمل على وضع مجموعة من الضوابط القانونية، من أجل ردع كل فعل من شأنه أن يعتدي على حقوق الاطفال و على طفولتهم، لكن من الواضح أن بعض هذه الآليات، أصبحت غير كافية ،بالنظر إلى ما صادق عليه المغرب من إتفاقيات دولية لحماية الطفولة، وفي ظل إنتشار ظاهرة تشغيل الأطفال خاصة في السنوات الأخيرة بسبب تردي الأوضاع الإجتماعية للعديد من الأسر المغربية.

فبالرجوع للمادة 143 من مدونة الشغل المغربية التي تنص على أن تشغيل حدث دون سن الخامسة عشرة ينتهي بالمشغل إلى دفع غرامة مالية، ويمكن أن تصير العقوبة سجنا نافذا من ثلاثة إلى ستة أشهر إذا تكرر الأمر، مع غرامة مضاعفة.

وهي مادة قانونية لا تكفي للحد من ظاهرة تشغيل الأطفال خاصة في المناطق التي تعرف هشاشة وكذلك مع إرتفاع نسبة الفقر، وإضطرار بعض الأسر إلى الدفع بأبنائها الى العمل،وفي ظروف قاسية لا تتلاءم ونموهم الجسماني، إضافة الى تشغيل الفتيات داخل البيوت، وهذه ظاهرة لازالت متفشية بشكل خطير داخل المجتمع المغربي.

وبرامجعة الإحصائيات التي وفرتها المندوبية السامية للتخطيط، نجد أن أكثر من 127 ألف طفل بالمغرب تتراوح أعمارهم ما بين 7 وأقل من 17 سنة يشتغلون، في حين يبلغ عدد الأطفال الذين يزاولون أشغال خطيرة 77 ألف طفل بنسبة 60.5 بالمائة، وهي أرقام مرشحة للصعود كل سنة نتيحة الأوضاع المتردية للعديد من الأسر المغربية داخل القرى والمدن وبطئ التنزيل الفعلي لمشروع الحماية الإجتماعية .

فالقاعدة القانونية لوحدها، وهنا أشير الى القانون رقم 19.12 المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل للعاملات والعمال المنزليين، والذي نص على حماية حقوق الأطفال، لاتكفي للحد من ظاهرة تشغيل الأطفال دون وجود مراقبة صارمة، وطبعا إرادة حقيقية لإصلاح إجتماعي شامل يساعد الأسر المعوزة والأكثر هشاشة من الحد من الدفع بأبنائها الى العمل والشغل، وإيجاد بدائل تحد من الهدر المدرسي الذي يتعرض له العديد من الأطفال، أضف الى ذلك ضرورة التقليل من الفراغ المؤسساتي ، بالنسبة للمؤسسات المعنية بالطفل وحمايته، فالتشريع المؤسساتي نجذه قائما بمواده القانونية، لكن في الواقع يبقى محدودا و قاصرا وعقيما ماديا و لوجيستيكيا،خصوصا مراكز الرعاية و التأهيل .

فضلا إلى الحاجة لتطوير آليات العمل القضائي ومدى ملاءمتها مع إحتياجيات الطفل، و هذا ما يعمل عليه المشرع المغربي من خلال تنزيل قوانين تتلائم مع المعاير الدولية و توفير مختلف اليات التنفيد و المراقبة لإجرأتها و تفعيلها، وفي هذا الصدد لابد من الإشارة الى الدور الفاعل الذي يلعبه القضاة، من خلال ملائمة كافة النصوص القانونية مع الواقع العملي المعقد والمتغير، خصوصا في القضايا المتعلقة بالطفل وحمايته من كل أشكال الإعتداء المادي والنفسي في ضل أوضاع إجتماعية مزررة لفئات عريضة من المحتمع المغربي أو ضاع غير مسبوقة، من العجز الحكومي في تدبير الأوضاع الإقتصادية وإرتفاع الغلاء مما يشكل تهديدا مباشرا للسلم الإجتماعي .

*محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان .

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
TaT 34000
المعلق(ة)
18 يونيو 2024 08:34

Nous les Marocains nous sommes intelligents certes , mais il reste beaucoup de citoyens sans niveau Minimum acquis d’instruction ni le niveau culturel .Ce sont ces deux causes qui laissent un vide sociétale et Juridique à lutter contre l’ exploitation des enfants au travail (les parents analphabètes et l’employeur inculte )

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x