2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
الحُسَـيْـني: رسالة الملك ذكرت ماكرون بالالتزام الذي قطعه على نفسه تجاه العاهل المغربي

بعث الملك محمد السادس، يوم الأحد 14 يوليوز 2024، برقية تهنئة إلى رئيس الجمهورية الفرنسية، إيمانويل ماكرون، وذلك بمناسبة احتفال بلاده بعيدها الوطني.
وجاء في برقية الملك “وإني لعلى يقين أن المغرب وفرنسا، وبفضل ما يحذونا من حرص مشترك، سيمضيان قدما في إثراء روابط الصداقة العريقة التي تجمعهما، بروح من الحوار والثقة والتقدير المتبادل، وسيكونان قادرين على استيعاب أهمية الآفاق الواعدة التي تتيحها العلاقات الثنائية، وبناء شراكة مرجعية في القادم من السنوات”، وأضاف الملك “وعلاوة على ذلك، فإنني أدرك تماما أنه يمكنني أن أعول على التزامكم الشخصي من أجل أن تأخذ هذه الشراكة بعين الاعتبار المصالح المهمة لبلدينا”.
ورغم أن هذه الرسالة جاءت في مناسبة اعتيادية تخص التهنئة، إلا أن سياقها المحموم بالتعافي التدريجي للعلاقات الفرنسية المغربية من الأزمة السابق، وما تضمنته الرسالة من تلميحات بشأن التزامات ماكرون تجاه المغرب، وهو ما يعطي لهذه الرسالة أبعادا مختلفة.
وفي هذا السياق، يرى الخبير في العلاقات الدولية أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، محمد تاج الدين الحسيني، أن “توجيه الرسالة في حد ذاته يدخل في إطار التقاليد العريقة القائمة بين المغرب وفرنسا، وهي علاقات راسخة في التاريخ، وكما يقال فالمناسبة شرط، ومناسبة هذه الرسالة هي العيد الوطني الذي هو أهم عيد تحتفل به فرنسا في 14 يوليوز”.
وأوضح الحسيني، في تصريحه لـ”آشكاين”، أن “ما يثير الاهتمام هو نوعية المواضيع التي أثارها العاهل المغربي ضمن هذه الرسالة والتي تصب في محورين أساسيين، أولها تحديد نوعية المبادئ والقيم التي تحكم، ويجب أن تحكم العلاقات المغربية الفرنسية، وثانية التذكير بالالتزام الشخصي لمكارون بالنسبة للقضايا الحيوية”.

وأشار إلى أن “المحور الأول المرتبط بالقيم، ألح فيه العاهل المغربي ضمن رسالته على أن تكون هذه العلاقات قائمة على الحوار المتبادل، وعلى الثقة، التي يعتبرها المغرب عنصرا أساسيا لاستمرار هذه العلاقات، ثم الاحترام والتقدير والمتبادل”، وهي ما يراه الحسيني أنها “بمثابة شروط وضعها العاهل المغربي لاستمرار التعاون الثنائي بين المغرب وفرنسا”.
ونبه إلى أنه في نفس الوقت، تضمنت الرسالة محورا ثانيا “يهم تذكير ماكرون شخصيا بالالتزام الذي قطعه على نفسه تجاه العاهل المغربي بأنه ملتزم شخصيا بأن يأخذ في الاعتبار المصالح المهمة بين للطرفين في كل القرارات السياسية”.
وأشار الخبير في العلاقات الدولية إلى أن “التزام ماكرون ليس بالجديد، إذ منذ وصوله إلى الحكم وفي أول زيارة قام بها إلى المغرب، كان يلح على الالتزام المتبادل بالمصالح الحيوية للبلدين، وهو الالتزام الذي عرف قطيعة من طرف ماكرون ونظامه، لمدة من الزمن، خيمت فيها غيوم كثيفة على العلاقات المغربية الفرنسية وإن كان مركزها الأساسي هو مسألة الوحدة الترابية وملف الصحراء”.
وأضاف أن هذه الفترة سالفة الذكر “كانت محاطة بنوع من السلبيات الأخرى، مثل قضية التأشيرات للمواطنين المغاربة، وقضية بيغاسوس، التي أثيرت فيها اتهامات كاذبة واضطر المغرب للجوء حتى للقضاء الفرنسي لمواجهتها، وقضايا أخرى تهم بالتأكيد مسألة عدم التجاوب مع ما ذهبت إليه دول أوروبية، مثل إسبانيا وألمانيا وقبلهما الولايات المتحدة الأمريكية”.
وشدد على أن “المغرب كان يعتبر أن فرنسا يجب أن تكون في قصب السبق، بخصوص هذا النوع من المبادرات”، منبها إلى أن “هذا الموقف المغربي تم تأييده من طرف المجتمع المدني والسياسي الفرنسي، حيث قدم 94 من أعضاء الجمعية الوطنية إلى الرئيس الفرنسي مراسلة لاستنكار الموقف الفرنسي تجاه الصحراء وعدم متابعة الموقف الذي ذهبت فيه إسبانيا وألمانيا”.
وأبرز أنه “يمكن أن نلاحظ أن موقف الرئيس الفرنسي يبقى قويا بخصوص مسألة الوحدة التربية وهو ما دعا العاهل المغربي إلى هذا التأكيد في رسالته، لأن ماكرون مازال رئيسا الآن رغم وضعه في الزاوية على مستوى اتخاذ القرارات التنفيذية المطورة، لكن يبقى طبقا مقتضيات دستور الجمهورية الخامسة لسنة 1958 وتعديلاته التي أحدثت سنة 2008، حيث يبقى رئيس الجمهورية بمقتضى هذا الدستور هو المسير المركزي للدبلوماسية الفرنسية ، وحسب المادة 14 وما يليها من الدستور، فهو الذي يعتمد لديه السفراء الأجانب ويقود المفاوضات ويترأس مجلس الدفاع وعدة مجالس مهمة في اتخاذ القرارات على الصعيد الخارجي”.
ما سبق ذكره يعني، حسب الحسيني، أن “الرئيس الفرنسي يبقى محتفظا بهذه الامتيازات، رغم أن سياسته تتجه نحو مسك العصا من الوسط في ظل التيارات الفرنسية المتعارضة، فهو (ماكرون) يحاول أن يكون على المستوى الاجتماعي والثقافي مواليا لليسار، ولكن كلما تعلق الأمر بالقضايا الاقتصادية والمالية إلا تجده متحيزا لليمين، ما يعني أنه يحاول أن يأخذ موقعا وسطيا”.
وبناء عليه، اعتبر الحسيني، أن “وصول اليسار إلى الوزارة الأولى وقيادة الحكومة، لن يؤثر على صلاحيات الرئيس ماكرون فيما يتعلق في قضايا مثل الموازنة بين المغرب وفرنسا في المنطقة، أو تأييد المغرب في مشروع الحكم الذاتي”.
وخلص إلى أن “رسالة العاهل المغربي جاءت في وقتها المناسب، ولو أنها رسالة تهنئة بالعيد الوطني، لكنها جاءت محملة بثقل حقيقي فيما يتعلق بالتوازنات وبدور فرنسا في مثل هذه القضايا، خاصة أنها عضو دائم العضوية في مجلس الأمن متمتعة بحق الفيتو، وعضو في جمعية أصدقاء الصحراء التي تتدخل كيفما كان الحال، وإن كانت الولايات المتحدة هي حاملة مشاريع القرارات، لكن تبقى فرنسا تملك دورها المحوري، باعتبارها مستعمرا سابقا للمغرب، وتتوفر على الوثائق الأساسية فيما يتعلق بالبعد التاريخي للسيادة المغربية، ولها دور كبير في أرجحة مواضيع النزاع داخل الأمم المتحدة وباقي التنظيمات الأخرى”.