لماذا وإلى أين ؟

قراءة في مسرحية اكستازيا

قاسم العجلاوي*

قدمت فرقة “مؤسسة أرض الشاون للثقافات” ،بشراكة مع مسرح محمد الخامس مساء الخميس 11 يوليوز 2024 بمسرح محمد الخامس،
مسرحية اكستازيا، دراماتورجيا وإخراج ياسين احجام وتشخيص قدس جندول ورضى بنعيم ورشيد العدلاني وياسين الترجماني كمؤدي موسيقي , وسينوغرافيا عبد الحي السغروشني ، وتقنيين اخرين وذلك امام جمهور متميز من طلبة وأساتذة المعاهد المختصة المسرحية، وفعاليات ثقافية مختلفة. تابع وتفاعل في لحظات مختلفة من سيرورة العرض المسرحي .

سأحاول في هذا المقال التحليلي تقديم قراءة للنص في محتواه الفكري ،وابعاده ورسائله التواصلية ،كما سأحاول مقاربة الأداء التشخيصي للعرض على ضوء رؤيته الاخراجية وعناصره السنوغرافية المؤثثة لفضاءاته الركحية .

أولا: النص كإعداد دراماتورجي.
نص “اكستازيا” ،كتابة ركحية تحتمي بعنوان اكستازيا كمفهوم هلامي يتموقع بين البحث عن السعادة الوهمية من أقراص الهلوسة و البحث عند الزوجة عن لذة جسدية مقترنة بالحرية في الاختيار والإرادة، وممارسة فن الرسم ، وتكسير اعراف الأسرة في الانجاب والتكاثر، التي يطالب بها الزوج حد الشعور بالاكتئاب الدائم ، وعدم الشعور بالارتياح في عمله المدرسي كمعلم للفلسفة ، زوجان اجبرتهما ظروف حياتهما معا على السقوط في الإدمان والاقبال على تناول أقراص المخدرات والبحث عن بدائل وحلول ،بدت شبه مستحيلة في حياتهما الزوجية .

نص مسرحي نهل بعمق من مرجعيات فكرية متفاوتة بين شذرات فلسفية فريدة في تاريخ الفلسفة مستمدة من تأملات نيتشه في هكذا تكلم زرادشت ، بغرض منح لغة العرض حرية أكبر ،وتمكين الممثلة البطلة من فسحة فكرية في البوح بالحقيقة ،حقيقة الجسد كمتعة حياتية أساسية لا يجب اخفاؤها ، مع ضرورة مواجهة زيف المجتمع المختفي في أقنعة كاذبة ،اكتسبت بحكم اقدميتها وتغلغلها في سلوكات الناس صفة الحقيقة دون أحقية ، وهي مجرد أوهام وكذب .

بجانب أفكار نيتشه ، استحضر المؤلف أفكارا أخرى من أحلام الصعاليك والسكارى والمعتوهين ، أفكار ألفها المبدع ياسين أحجام بهدف إخراجها كعرض مسرحي
،ولذلك ظهرت كإعداد دراماتورجي أكثر ما هي تأليف مسرحي خالص لغياب تسلسل في البناء الدرامي صعودا ونزولا ،لدرجة لم يكن معها بد من قتل احد الزوجين ،كوسيلة لإنهاء العرض ،قتل وليس موت لان الاعداد اختار أسلوب الحكاية ولو بطريقة جديدة من حيث الشكل ،فالراوي يخلق شخصياته من ميتولوجيا كونية قديمة و يقدمها في لبوس أو شخوص حية معاصرة تتجلى فينا وفي كائنات تعيش معنا وبجانبنا ،راوي يخلق ويقدم شخوص الحكاية ويوضح مساراتها بين الانتصارات والانكسارات وبين الافراح والاتراح، وأحيانا يمعن في أسلوب الحكي ويؤكد ضرورة الدفع بالحكاية الى حبكتها وعقدتها الدرامية ، ورغم هذه الجدة في الحكاية ،فإن الإفصاح من طرف الراوي بوضوح العبارة عن مسار الحكاية يفسد السرد البنائي للتنامي الدرامي ويفشل التشويق في الفهم والتأويل عند المتلقي .
نص مسرحي حاول المزج بين رؤية فلسفية جريئة في ممارستها الاجتماعية، وعميقة في ابعادها الفكرية ، وافكار لشريحة مهمشة من المجتمع من الصعاليك

والمشردين والمجانين ،يجمعهم التمرد على الاعراف والقوانين السائدة ، ومن هنا يمكن القول ان نص اكستازيا نجح بشكل مهم في إثارة ثنائية تقديس الجسد ، وتدنيسه، والجميل في النص ان التمرد على السائد تأتي من امرأة فنانة في مواجهة رجل يدرس الفلسفة يفترض فيه ان يكون متحررا ، ولكنه مكتئب سلبي، الى درجة ان المؤلف أنهى حياته في نهاية النص ،كخلاص او تطهير روحي للمكتئب و تحيز للانثى الباحثة عن متعة الجسد ، في مواجهة رجل شده الخنوع لاعراف المجتمع ،وهو انتصار للحياة رغم صدمة الموت وفراق الصحبة والرفقة من زمن الدراسة في الكلية بكل ما تحمل من ذكريات جميلة حالمة .
*باحث مسرحي
يتبع

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x