2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

د.فوزي بوخريص
-1-
هذا الصمت المريب الذي أعقب مقاطعة طلبة الطب والصيدلة للامتحانات الاستدراكية، والذي يتردد “صداه” مع الأسف في وسائل الإعلام ببلادنا، يكشف بالملموس مرة أخرى (بعد مناسبات سابقة) عن وجود خلل في تدبير ملف أزمة كليات الطب، ويكشف عجزا عن فهم وضعية طلبة الطب والصيدلة.
-2-
إن المسؤول عن الملف لم يفهم إلى حد الآن، بأنه أمام جسم مهني متجانس إلى حد كبير، تصل فيه “حرفة أو مهنة الطالبle métier de l’étudiant” بتعبير ألان كولونAlain Coulon إلى أقصى مستوياتها، لأن في هذه الوضعية المهنية تمتزج كفايات مهنة الطالب عموما (الاستعداد للالتزام والنضال…)، مع كفايات مهنة الطبيب المتدرب، الأمر الذي يستدعي درجة حقن عالية للقيم، خصوصا في وضعيات الخطر التي تهدد مستقبل المهنة وتعصف بمواصفات التكوين الطبي. إن ما يحرك طلبة الطب، وما يجعلهم وحدة متراصة لمواجهة ما يستهدفهم، هو إيمانهم بعدالة قضيتهم، واحساسهم بالتجاهل، من وزارتين وصيتين، حتى لا أقول حكومة بدت لهم متلكئة في تدبير أزمة “كليات الطب والصيدلة”، وعن اقتراح إصلاح وحلول لمعضلة التكوين الطبي ببلادنا.
ففي نظر الوزير والمسؤولين الحكوميين عموما، حقن القيم يكون عاليا فقط بتأثير من التنظيمات الجذرية. لهذا فالذريعة التي يبرر بها المسؤول عن الملف، إصرار طلبة وطالبات الطب والصيدلة على موقف المقاطعة، هو أن هناك جهة ما تحركهم، لهذا فهو يلمح في كل مناسبة وحين إلى وجود جهات خارجية تحركهم، وكلنا نعلم من المقصود بالضبط بالتلميح. والحال أن ما يتناساه هذا المسؤول، هو أنه من المستحيل على التنظيمات المقصودة أن تؤثر بهذه القوة والشمولية على آلاف مؤلفة من الطلبة والطالبات، غير المتجانسين اجتماعيا وثقافيا ومجاليا وعمريا….الخ.
-3-
رغم تغني المقاربات البيداغوجية والأندراغوجية الحديثة بمبدأ أن الطالب أو المتدرب هو في صلب سيرورة التعليم أو التكوين، ما تزال الإصلاحات التربوية والبيداغوجية وما يصاحبها من إجراءات وتدابير تنظيمية، تتخذ لأجل الطالب، لكن بدونه.
و المفارقة التي يسجلها أي مختص في الهندسة البيداغوجية (والأندراغوجية)، هو أن الإصلاح البيداغوجي والأندراغوجي المقترح للتكوين الطبي ببلادنا، أراد طلبة أطباء وصيادلة على المقاس، أرادهم أشبه بالأطفال والقاصرين، وأرادهم متلقين سلبيين وخاضعين لما يُمْلَى عليهم من فوق، باسم المصلحة العليا للوطن، وورش بناء الدولة الاجتماعية.
لكن ما لم يفهمه المسؤول هو أن التكوين في كليات الطب والصيدلة، والممتد لسنوات طويلة، يهم شبابا راشدا، وليس أطفالا ومراهقين. هذا الشباب راكم تجارب وانتظارات طوال سنوات تكوينه.
ومشروع التكوين الطبي المراد إصلاحه، ليس مشروعا بيداغوجيا، كما يتم الترويج له عن خطأ، وإنما هو مشروع اندراغوجيandragogique، يتطلب تفاوضا اندراغوجيا . لأن الأمر يتعلق بفئة متدربين لها تجاربها الشخصية والمهنية، التي تشكل مصدر تبادل واقتسام، بل وتفاوض مع المكونين ومع المسؤولين عن التكوين، كما أن الوضعيات المرجعية الأساسية التي يحيل عليها التكوين الطبي ليست وضعيات صورية، بل هي وضعيات تعلم وتكوين ملموسة ودقيقة ومعيشة. لهذا فمطلب طلبة الطب ودفاعهم المستميت عن السنة السابعة التي هي بالأساس سنة تداريب ووضعيات عملية، يدخل في صلب ماهية التكوين الطبي الأساسي وجودته . والمؤسف هنا أن تدافع الوزارة ومسؤوليها عن ما يتنافى مع هذه الحقيقة المميزة لهندسة التكوين الأساسي في مهنة الطب في كل تجارب.
علاوة على ذلك، فإن مشكلة اصلاح التكوين الطبي “المأزوم”، لا تطرح فقط في العلاقة مع طلبة الطب بصفتهم الجهة المعنية الأولى به، والتي استشعرت ضرره وخطورته، وإنما تطرح أيضا في العلاقة مع المكونين أنفسهم ، أساتذة كليات الطب والصيدلة، الذين لم تكن لهم الجرأة للدفاع عن حقهم في المشاركة في أي إصلاح للتكوين الطبي.
فأي إصلاح للتكوين الطبي هذا الذي يهندس في مكاتب الدراسات؟ أي يبلور بعيدا عن المعنيين الحقيقيين: بعيدا عن الطلبة وعن المهنيين في مجال الصحة، بل وعن المختصين في مجالات الديموغرافيا وعلم الأوبئة، وسوسيولوجيا الصحة ، بل أي إصلاح بيداغوجي وأنداراغوجي للتكوين الطبي لا تتم مناقشته بشكل عمومي… ؟
-4-
إن الإشارة التي لم تستطع مع الأسف الحكومة، والوزارة الوصية ، التقاطها من المقاطعة المستميتة التي انخرط فيها طلبة وطالبات الطب والصيدلة لمدة أكثر من سبعة شهور، هي أن هناك حاجة لإصلاح هذا “الإصلاح المتسرع” الذي حاولت الوزارة الوصية فرضه، والذي يتذرع فيه الوزير الميراوي بتطبيق توصيات “تقرير النموذج التنموي الجديد” …
والحال أن الوزير الميراوي ومن معه، الذين ركزوا فقط، وبشكل مبالغ فيه واستفرادي على إشارة “تقليص سنوات التكوين الطبي”، لم يلتقطوا الأهم في الرؤية التي يقترحها “النموذج التنموي الجديد” على مستوى إصلاح منظومة التربية والتكوين بشكل عام، والمتمثل في منهجية الإصلاح التي تقوم على الاستمرارية وليس القطيعة، باستثمار الجوانب الايجابية في الاصلاحات الجارية، وتجاوز جوانب القصور الملاحظة، وهذا لا يمكن أن يتحقق بدون مشاركة فعلية للمعنيين الأساسيين بالتكوين الطبي في كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان (الأساتذة الباحثون وممثليهم والطلبة والطالبات وممثليهم) لأنهم أعلم بواقع التكوين الطبي واختلالاته الواجب تجاوزها ونقطه المضيئة الواجب تعزيزها…
-5-
عطلت الوزارة الوصية الحوار لشهور عديدة، وقبلت مغربا بدون كليات طب وصيدلة عمومية(وبكليات طب وصيدلة خاصة تعرف سيرا عاديا للدراسة والتكوين !!). فأي ذرائع هذه التي تجعل مسؤولينا يقبلون أن تتعطل المدرسة العمومية مرة أخرى في حلقة من أهم حلقاتها، ألا وهي حلقة التكوين الطبي العمومي…فلا شيء يبرر هذا العناد الغريب، الذي هو أقرب إلى التعنت الشخصي المزاجي، منه إلى تدبير رجل الدولة.
ولا شيء يبرر الاصرار غير المفهوم على البرمجة المتسرعة والمتكررة للامتحانات، بدون توفير أي بناء لشروط الثقة بين الطرفين، ولا شيء يبرر الرهان على الحرب النفسية، بنزوعها الانتقامي وغير الأخلاقي(التوقيف والطرد، ومنح نقطة الصفر للمقاطعين..الخ)، لكسر الإرادة الصلبة لطلبة الطب والصيدلة، ودفاعهم المستميت عن مستقبلهم وعن جودة تكوينهم وعن حرمة مهنته…
لا شيء يبرر ذلك غير منطق التقنوقراطي، الذي يصر على التعامل مع أزمة طلب الطب والصيدلة، بمنطق يذكرنا بما حدث هذه السنة في التعليم المدرسي وفي قطاعات أخرى، منطق يؤشر على ظهور نوعية جديدة من المسؤولين الحكوميين، المؤمنين بأن السياسة، ليست سوى جملة من الإجراءات والتدابير العملية المطروحة للتطبيق كما هي. فالتقنوقراطي أبعد ما يكون عن السياسي المؤمن بأن السياسة، هي بالأساس قرارات سياسية نسبية، تمتح من معين السياسة بصفتها فنا للممكن…
ودون الدخول في فحوى تفاصيل وحيثيات الحوار المجهض بين طلبة الطب والصيدلة وممثليهم وبين المسؤولين الحكوميين، يبدو ألا مخرج للأزمة الحالية، غير إرجاء تطبيق هذا الإصلاح البيداغوجي والاندراغوجي إلى الموسم الدراسي المقبل 2024-2025 مع اقتراح توقيع الطلبة الجدد لالتزام واقرار قبول التكوين الطبي وفق مقتضيات الإصلاح الجديد، على أن يستمر طلبة الطب والصيدلة من السنة الأولى إلى السنة الخامسة ضمن النظام القديم دون تغيير، والسيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار يعلم أن كل كليات العلوم والآداب والعلوم الانسانية والعلوم القانونية والسياسية ببلادنا تعرف نفس الواقع، أي تجاور نظامين بيداغوجيين قديم وجديد…
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها.
مقالة تبين انخراط المسؤول في مشروع غير قابل للتطبيق وهو مصمم على الإنتقام من الشباب وهدر وقتهم لأنهم لم ينفذوا الأوامر! ألم يفطن لكونه المعني الأساسي بالتأخر والإخفاق؟!
لا يمكن لهذه الأزمة أن تمر بدون محاسبة.
محنة يعاني منها آلاف الشباب وأسرهم والمرضى وعشرات الكليات ومن يشتغل فيها… كل هذا فقط لأن المتحكم في القضية شخص لا يحب أن يعاكسه أحد! والباقي من الأعذار غير منطقية والسيادة في هذا الموضوع ابتكار غير مفهوم…
الحديث عن جودة التكوين وربطه بعدد سنوات التكوين مجانب للصواب..وهل فعلا سبع سنوات من التكوين كانت تعطينا تكوينا ذي جودة؟ في ظل تطور التكنولوجيا وادخالها لعالم التكوين عن طريق خلق وضعيات مشابعة للواقع وكذا نظام المحاكاة يمكن تكوين اطباء في اربع سنوات وليس حتى ست سنوات..كثير من الدول التي فيها الطب متقدم جدا لا تتجاوز مدة التكوين فيها في احسن الاحوال خمس سنوات. واهم من يعتقد ان الابقاء على السنة السابعة من التكوين ستضمن له الهجرة والاندماج في هيئة اطباء دولة الهجرة بكل سهولة.
والغريب هو صمت رئيس الحكومة كما لاحظ البعض وخوف الأساتذة وعمداء كليات الطب من الوزير. اتضحت الرؤيا حسب بعض المتتبعين أن الميراوي يخدم مصالح لوبيات القطاع الخاص.
لم يبق لهذا الملف الا تدخل صاحب الجلالة الملك محمد السادس لانقاد السنة والطلبة واسرهم والخروج من هذه الكارثة. لأن لاقدر الله اذا استمر الوزير في تعنته فسيدمر التكوين الطبي في بلدنا الحبيب لمدة 40 سنة القادمة لأن هؤلاء الطلبة هم من سيداوي المغاربة في هذه الفترة. هذا في أحسن الأحوال لأن البعض منهم سيهاجر بلا رجعه والبعض سيصبح معارضا جراء الظلم الذي تعرضوا له.
لاننسى انهم زبدة أبناء هذا الوطن.
والله أعلى و اعلم
أصبحنا في بلاد لانعرف من أين تشرق شمسه ومن أين تغرب
ربما يمكن ان نقول بأن الإصلاحات المهنية Andrgogique والتي قامت بها الدولة لمهنة الطب كانت في وقت مبكر لما كان يعتمد على تسبيق الخدمة المدنية في انتظار منصب مالي للتوظيف ….
اما الان والحالة هاته والتجنيد الاجباري او التدريب الاجباري ممكن ان يبق في حدود شهرين الى ستة اشهر حسب اختيار الطالب ويمكن الاداء عنه ولا علاقة له بالتداريب البيداغوجية والطالب لا يستفيد من شهادة الدكتوراة بل تسمى شهادة الماستر…
هدا النظام القديم الجديد يمكنه الدفع بالطالب الى التحصيل المتميز وهو في سن مبكرة والمثابرة تعطيه شهادة مهنية متمبزة.
نفس الشيء في التخصص واجتياز مباراة الاستادية……وهي شهادة للدكتوراة في سلك ودراسة واحدة بمباراة واحدةوامتحان واحد …
أما عدم مشاركة الاساتدة فالسبب واضح هو مشاركتهم عبر ممثليهم على مستوى التمثيل الاكاديمي في اللجان العلمية بوزارة التعليم العالي وتكوين الاطر والبحث العلمي …وهو الامر الدي لا يظهر جليا مثل المجالس العلمية
كلية الطب مخترقة. أصحاب الطب الخاص يريدون افشال افسال مشروع الدولة الاجتماعي.
الطلبة غير واعين بانهم يضيعون عمرهم. يريدون تكوينا بالمجان وعندما يتخرجون يهربون للعمل في الخارج. أصلا التعليم والطب في المغرب غير منتجين.
التعليم يهرب الناس إلى القطاع الخاص ويبقى العمومي لمن لا مال له.
الطبالعمومي قتلته الرشوة. من لديه مال قليل او كثير يذهب للخاص ومن لا مال له بذهب للعمومي لكن الكل ياخذ الرشوة.
مع الأسف صاحب المقال لم يتحر الدقة و لم يتساءل لماذا تم إجهاض كل المحاولات التي قامت بها الحكومة لحلحلة الملف. الواضح أنه لم ينصت إلا لطرف واحد .
لا فض فوك ولا جف قلمك.
مقال يشخص كل الاعطاب و يلخص المشكل القائم بين المسؤولين و طلبة كليات الطب و الصيدلة. التعامل مع الطلبة كانهم قاصرين من منطلق ( لا تتحاوروا مع الطلبة غاضي يضصرو علين)، عطل فرص الوصول الى حل. كما ان الارتجالية و المزاجية في الاصلاح تؤدي الى كوارث. النموذج التنموي الذي سبق فشل في تحقيق التنمية المنشودة. فلا شك ان تنزيل النموذج التنموي الجديد بهاته المقاربة و المنهجية المبنية على فرض و املاء الاصلاح دون نقاش عمومي او محاورة ذوي الاختصاص سيحكم عليه مسبقا بالفشل و هكذا لن نستغرب مستقبلا عند تقييمه.
ان احكام الحكمة و البصيرة يتطلب الحكومة تلبية مطالب الطلبة و ارجاء الاصلاح.
احسن و ابلغ و اشمل ما قيل في هذا الباب هو تشخيص يمكن للمسؤولين اعتماده لرؤية انفسهم في مراياه و تقصي الخلل من خلاله .هذا اذا كانت لهم رغبة في حلحلة الازمة و اما ان يقال انه امر سيادي لصد ابواب الحوار و فرض الامر الواقع في تدافع اقرب الى المزاج الشخصي من تدبير مرفق عمومي فذلك حق يراد به باطل، على كل حال و الاقرب الى الواقع ان المسؤول الحالي تجاوزته الاحداث و تفاجأ بلحمة الطلاب الاطباء و وعيهم بما يتربص بهم و اخذته العزة بالنفس و هو امر قد يؤدي الى ما لا تحمد عقباه
هذا التحليل لمعضلة كليات الطب والصيدلة واقعي ومنطقي .نهنىء كاتبه عليه ونرجو ان يفهم المسؤولون الوضعية كما فهمها كاتب المقال.اما الجريدة كان عليها ان تفتخر بمثل هذا المحلل ومقاله بدل ان تقول ان هذا لا يعبر عن رأيها في الاخير.لا حول ولاقوة الا بالله.
أشكر جزيل الشكر صاحب المقالة، فقد وفا الموضوع حقه ولا اضن ان اي عاقل يمكن أن يختلف معه.
لب هذا المقال هو ان الاوصياء عن هذا القطاع اعتبروا ان الطلبة قاصرين والاساتذة ماشي شغلهم. وان الخبر اليفين لا يعرفه الا مراوي وايت الطالب.