2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
تغيير مجرى واد بطنجة لبناء مجمع سكني فوقه يهدد بكارثة (وثائق)

شهد حي اعزيب الحاج قدور في مدينة طنجة واقعة خطيرة تتعلق بتغيير مجرى واد بطريقة غامضة، وذلك لإحداث رسم عقاري جديد فوق مجراه بهدف بناء مجمع سكني لمنعش عقاري نافذ بالمدينة، هذا التغيير في تصميم المنطقة أثار تساؤلات واسعة حول تواطؤ محتمل بين جهات نافذة، خاصة وأن تصميم التهيئة الحضرية ينص على ضرورة الالتزام بمسافة أمان لا تقل عن 15 متراً للبناء بالقرب من الوديان والمجاري المائية، وهو ما لم يُلتزم به في هذه الحالة.
تفاصيل الواقعة
تستند الواقعة إلى الخبرة التي أنجزها مهندس معماري وخبير محلف، حيث أجرى خبرة تقنية اختيارية للبقعة الأرضية ذات الرسم العقاري رقم 9861/ج، الواقعة بحي اعزيب الحاج قدور، والتي تعود ملكيتها إلى شخص تضرر من تغيير مجرى الوادي الذي أصبح يمر من أرضه، بعدما كان يمر من جوارها. واستندت هذه الخبرة إلى مقارنة التصميم الطبوغرافي للرسم العقاري مع الواقع، للكشف عن حقيقة ما إذا كان مسار الوادي قد تغيّر أو لا يزال في موضعه الأصلي، بالاعتماد على الخرائط المتاحة للمنطقة.
الخبرة التي تتوفر صحيفة “آشكاين” الإلكترونية على نسخة منها، ومن خلال الوقوف على الأرضية المعنية والاطلاع على المعطيات المتوفرة في مصلحة المسح العقاري والخرائطية لطنجة، تبيّن أن العقار موضوع الخبرة هو قطعة أرضية عارية تبلغ مساحتها 3322 متراً مربعاً، وتتألف من ثلاثة أجزاء: جزء مستغرق بطريق التهيئة رقم TM378 بعرض 30 متراً، جزء مستغرق بطريق التهيئة رقم TM381 بعرض 20 متراً، وجزء مستغرق بخندق مطمور ضمن منطقة محرمة للبناء (SNA).
تغيير مجرى الوادي: تلاعب بالقانون ؟!!
تؤكد الخبرة أن العقار يحده من الجهة الغربية واد بحراين. ولكن، وفقاً للتصميم الطبوغرافي للرسم العقاري الذي يعود تاريخه إلى مايو 1964، كان الحد الغربي للعقار مفصولاً عن الضفة الشرقية للوادي بحافة عرضها متران فقط على طول الحد الغربي للعقار. ومن خلال خريطتي المسح الجوي للمنطقة المتواجدة بها العقار، واحدة تعود إلى أكتوبر/نوفمبر 1997، والأخرى إلى سنة 2011، يتضح أن مجرى الوادي قد تغيّر عن مساره الأصلي.
التحليل الذي أجرته الخبرة كشف عن اندثار المسار الأصلي للوادي، وانتقاله إلى داخل نطاق الرسم العقاري موضوع الخبرة، مما أدى إلى تأسيس ثلاث رسوم عقارية جديدة شملت أجزاء من المجرى الأصلي للوادي. هذا التغيير أثار العديد من الشكوك حول السبب وراء تغيير المسار الطبيعي للمجرى المائي وما إذا كان ذلك قد تم بطرق قانونية أو أنه كان نتيجة تواطؤ بين بعض الجهات المستفيدة.
خرق قوانين التعمير ؟!!
ويرى متتبعون أن هذه الواقعة تعد انتهاكاً واضحاً لقوانين التعمير والبناء، التي تنص على ضرورة الحفاظ على مسافة أمان تبلغ 15 متراً على الأقل من الوديان والمجاري المائية قبل الشروع في أي عملية بناء. ورغم هذا الشرط، تم بناء المجمع السكني الذي يشرف عليه منعش عقاري نافذ فوق مجرى الواد المعدل، وهو ما يشكل تهديداً خطيراً للبيئة والسلامة العامة، والأمر الذي أشار إليه صاحب العقار الأصلي الذي أصبح يمر منه الوادي بعد تغيير مساره، في شكاية، تتوفر “آشكاين” على نظير منها، مرفوعة إلى والي جهة طنجة تطوان الحسيمة، منذ ما يناهز الثلاثة سنوات.
خبير في مجال التعمير استشارته الصحيفة، فضل عدم ذكر اسمه، كشف أن تغيير مسار الواد لا ينتهك فقط القوانين، بل يعرض المنطقة والمجمع السكني المقام فوقه لخطر الفيضانات والتآكل المستمر للتربة، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى كوارث طبيعية في المستقبل. مما يسائل دور السلطات ووكالة حوض اللوكوس في مراقبة مثل هاته القطع الأرضية، خاصة وأن المجمع السكني المبني فوق الأصل العقاري الجديد بعد تغيير مجرى الوادي يتطلب قانونا أن توافق وكالة حوض اللوكوس على رخصته.
مسؤولية السلطات
وتتحمل السلطات جزءاً كبيراً من المسؤولية في هذه القضية، إذ كان من المفترض أن تقوم بمراقبة ومتابعة كل عمليات البناء والتهيئة العمرانية في المنطقة. ومع ذلك، يبدو أن هذه الجهة كانت غائبة في هذه القضية، مما يطرح تساؤلات حول الدور الذي تلعبه هذه السلطات في حماية مصلحة وسلامة المواطنين وضمان تطبيق القوانين بشكل صارم.
متتبعون عبروا عن استيائهم من هذه الممارسات غير القانونية، مطالبين بفتح تحقيق عاجل في القضية لمعرفة حقيقة تغيير مجرى الواد ومعاقبة المتورطين. كما طالبوا بإعادة الأمور إلى نصابها وإيقاف أي أنشطة بناء جديدة في المنطقة إلى حين حل المشكلة.
الحاجة إلى تدخل عاجل
تشكل هذه الواقعة نموذجاً آخر لانتهاكات القوانين البيئية والتعميرية في المغرب، وهي تضع السلطات أمام تحدٍ كبير لكسب ثقة المواطنين من خلال اتخاذ إجراءات صارمة بحق المخالفين. فإحداث رسوم عقارية جديدة فوق مجرى واد طبيعي دون مراعاة القوانين المعمول بها يُعتبر تلاعباً خطيراً بالبيئة والبنية التحتية.
لذا، يتوجب على السلطات المحلية الإسراع في اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان سلامة المنطقة وسكانها. وينبغي إعادة فتح التحقيقات حول الواقعة وتقييم الآثار البيئية لتغيير مجرى الواد، كما يجب محاسبة كل من تورط في هذه الانتهاكات سواء كانوا مسؤولين أو منعشين عقاريين.
إن تغيير مجرى واد “بحراين” بطريقة غامضة وإحداث رسم عقاري جديد فوقه لبناء مجمع سكني في منطقة اعزيب الحاج قدور بطنجة يعد انتهاكاً خطيراً للقوانين البيئية والتعميرية. ومع وجود أدلة واضحة من الخبرة المنجزة حول تغيير المسار الطبيعي للواد، تصبح الحاجة إلى تدخل السلطات المحلية والجهات المعنية أكثر إلحاحاً لضمان حماية البيئة والمواطنين من أي أخطار محتملة في المستقبل.
أين واد المعاير من هذا ؟