الحماية الاجتماعية والاصلاح الضريبي مدخلان أساسيان لوقف هيمنة الاقتصاد غير المهيكل (جذري)

أعادت دراسة حديثة صادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، جدل الإقتصاد غير المهيكل إلى الواجهة.

وأشارت الدراسة إلى أن القطاع غير الرسمي (تقصد غير المهيكل) أكبر معوقات تطور سوق الشغل بالمغرب، والذي يستحيل معه تسجيل أي تقدم اقتصادي حقيقي.

ويتسبب الاقتصاد غير المهيكل حسب ما توصل له التقرير الذي اطلعت عليه جريدة “آشكاين” الإخبارية، في تدني إنتاجية الاقتصاد المغربي وضعف تنافسيته، لما يشكله من منافسة غير عادية للشركات الرسمية وخاصة الصغيرة منها على وجه الخصوص، وأيضا في عدم استخلاص الدولة للإيرادات الضريبية نتيجة هذا النشاط، مشيرا إلى أن تواتر ظاهرة إفلاس وإغلاق الشركات والمقاولات الصغير نتيجة من نتائج هيمنة القطاعات غير المهيكلة.

وأثارت الدراسة تجديد الدعوات الموجهة لحكومة عزيز أخنوش من طرف العديد من الفاعلين لسن إجراءات تنظيمية وتشريعية واقتصادية صارمة للحد من تغول الاقتصاد غير المهيكل، في حين يرى البعض الآخر أن هناك أعطابا موضوعية وذاتية متواجدة في قلب المنظومة الاقتصادية المغربية هي السبب الرئيسي في هذا النوع من الاقتصاد.

الخبير الاقتصادي محمد جذري، اعتبر أن “دراسة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مهمة جدا للاقتصاد الوطني المغربي إذا ما وضعناها في سياق نظرة نقدية من الخارج، وهي دراسة أشارت إلى أن الحجم الكبير للاقتصاد المهيكل من المعيقات كبير للاقتصاد الوطني، كونه يُشكل 40 في المئة من الاقتصاد الوطني دون احتساب القطاع الفلاحي، وما يزيد عن 70 في المئة باحتسابه”.

ومن السلبيات الكبيرة للاقتصاد غير المهيكل وفق ذات الخبير الاقتصادي، “تفويته مجموعة من الامور على الاقتصاد الوطني، لأن المقاولات المشتغلة في الاقتصاد غير المهيكل لا تؤدي الضرائب المفروض تأديتها سواء الضريبة على القيمة المضافة أو الضريبة على الشركات أو الضريبة على الدخل، ولا تؤدي التحملات الاجتماعية المفروض تأديتها للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، كما أن المشتغلين في القطاع غير المهيكل لا يتمتعون بأي حماية اجتماعية ولا تُضمن حقوقهم الشغلية المنصوص عليها في مدونة الشغل، إذ يشتغلون في ظروف لا تحفظ الكرامة وبأجور زهيدة”.

ورغم هذه المساوئ، شدد جذري في تصريح لجريدة “آشكاين” الإخبارية، أنه “بالمقابل عندما نسمع لمقاولات القطاع غير المهيكل، نجدهم يشكون بدورهم من مجموعة من المشاكل، أولها كبر الضغط الضريبي بما لا يمكنهم من تأدية الضرائب، وضخامة التكلفات الاجتماعية، لأن مدونة الشغل حسب زعمهم لا تسمح لهم بتسريح العاملين من وقت لآخر، ما يضطرهم للتشغيل دون عقود، إضافة إلى فساد الولوج للطلبات العمومية والرشوة، وأن الحكومة لا تساعدهم في الولوج للتمويلات البنكية، وهذه المشاكل هي ما تؤدي بهم لتفضيل العديد من المقاولات البقاء بالقطاع غير المهيكل”.

وفي هذا الصدد خلص ذات الخبير الاقتصادي إلى “العمل الكبير الواجب القيام به من طرف الحكومة في التفريق بين المقاولات الصغيرة والصغيرة جدا والمقاولات المتوسطة، وسن نظام ضريبي لكل فئة على حدى بشكل يسهل انخراط الجميع في الاقتصاد المهيكل، كما أن ورش الحماية الاجتماعية الجاري بناءه اليوم يشكل محفزا كبيرا للعديد من الفاعلين للالتحاق بالقطاع المهيكل، فالعديد من المقاولين سيرغبون في التوفر على التأمين الإجباري عن المرض وعن التعويضات العائلية وعن الشيخوخة وعن فقدان الشغل إذا ما تم التخفيض في قيمة اشتراكاتهم”.

وأضاف ذات المتحدث أنه “يجب استغلال ورشي تعزيز الحماية الاجتماعية وتعزيز الإصلاح الضريبي، للتقليص من القطاع غير المهيكل تدريجيا في الاونة الحالية على الأقل، كون القضاء عليه بشكل كلي صعب للغاية، كما يجب التأكيد أن إنهاء الاقتصاد غير المهيكل لن يتحقق دون وجود إرادة سياسية واقتصادية حقيقية من طرف مختلف الفاعلين، لأن الامر مرتبط بالضرورة بمحاربة كل مظاهر الفساد والرشوة والريع”.