لماذا وإلى أين ؟

تغلغل الحقد والكراهية المجانية: تحولات مؤلمة في العلاقات الاجتماعية والمهنية في المغرب

بدر شاشا
في المجتمع المغربي اليوم، أصبحت ظاهرة الحقد والكراهية تتغلغل بشكل مؤلم داخل العلاقات الاجتماعية والمهنية على حد سواء. لم تعد هذه السموم مقتصرة على مواقف معينة أو أشخاص محددين بل انتشرت في أوساط مختلفة، بدءاً من العمل وصولاً إلى الأحياء والمساكن وحتى بين الأصدقاء. ما يثير القلق هو أن هذه المشاعر السلبية لا تكون في معظم الأحيان نتيجة أذى متبادل بل تنتج من الحسد والكراهية المجانية. تجد من يكرهك دون سبب يذكَر، ويحاول بكل السبل إلحاق الضرر بك حتى وإن لم تكن قد تسببت له في أي أذى.

هذه الكراهية المجانية التي أصبحت تعكر صفو الحياة اليومية تثير تساؤلات حول القيم التي يسير عليها المجتمع المغربي في الآونة الأخيرة. في صفوف العاملين على سبيل المثال، بات الحسد والشعور بالمنافسة غير الصحية يشكلان أساس العلاقة بين الزملاء. بدلًا من التعاون والعمل بروح الفريق، تجد من يسعى بكل الطرق لإفشال زميله أو تحطيم طموحاته، ليس لأنه يطمح إلى النجاح بنفسه، ولكن لمجرد الرغبة في إفساد نجاح الآخرين.

وفي الأحياء والمجتمعات السكنية، يظهر هذا الحقد بشكل واضح في العلاقات بين الجيران. حتى أبسط التفاعلات اليومية قد تتحول إلى مسرح للعداوات، وكأن الناس ينتظرون أي فرصة للنيل من بعضهم البعض. يرفض البعض مد يد المساعدة أو حتى التعامل بلطف، وتجد من يسعى لإفساد راحة الآخرين بدافع الغيرة أو الحسد.

الصداقات لم تعد بمنأى عن هذا التغير. في الماضي، كانت الصداقة تمثل ملاذًا آمناً من ضغوطات الحياة. اليوم، تجد أن العديد من العلاقات بين الأصدقاء أصبحت مليئة بالنفاق والمصلحة. الصداقة لم تعد تعني الوقوف بجانب الآخر في الأوقات الصعبة أو الاحتفال بنجاحاته، بل باتت وسيلة لتحقيق مصالح شخصية. تجد من يتقرب إليك فقط عندما يحتاج إلى خدمة أو منفعة، وعندما تتحقق غاياته، يختفي وكأنه لم يكن يوماً صديقاً.

ما يجعل هذا الوضع أكثر تعقيداً هو أن هذه المشاعر السلبية أصبحت متجذرة في الثقافة الاجتماعية. النفاق أصبح سمة في العديد من التعاملات اليومية. تجد الناس يظهرون لك وجهاً مبتسماً ويتحدثون بلطف أمامك، لكنهم في الخفاء يحملون لك الكراهية والحسد. الكلمات الجميلة أصبحت مجرد أقنعة تُستخدم لتحقيق غايات معينة أو لإخفاء نوايا سيئة. هذا النفاق الاجتماعي يزيد من تفاقم المشكلة، إذ يصعب على الأفراد التمييز بين من يصدقهم القول وبين من يتلاعب بهم.

كما أن العمل في هذا السياق لم يعد بسيطاً. بيئات العمل التي من المفترض أن تكون مكاناً لتحقيق الذات وتطوير المهارات تحولت إلى ساحات للصراعات الداخلية. تجد أن الكره والحسد يتغلغلان في علاقات العمل، فيسعى البعض لإحباط زملائهم أو إفشال مشروعاتهم بدلاً من دعمهم والتعاون معهم. الهدف ليس النجاح الشخصي بل إلحاق الضرر بالآخرين. كل هذا يحدث دون وجود أي ضرر حقيقي من الطرف الآخر، إنه فقط الحسد الذي يدفع هؤلاء الأشخاص للقيام بمثل هذه الأفعال.

هذه التغيرات السلبية في المجتمع المغربي تشير إلى تحولات عميقة في القيم والمبادئ التي كانت تحكم العلاقات الاجتماعية والمهنية. الحقد والكراهية لم يعودا نتيجة لخلافات حقيقية أو مواجهات حتمية بل أصبحا منتشرين بشكل مجاني. تجد من يكرهك فقط لأنك تعيش حياة هادئة أو لأنك تحقق نجاحاً بسيطاً، دون أن تكون قد أضرت به بأي شكل من الأشكال.

المجتمع المغربي الذي كان يتميز بالتآزر والتعاون بدأ يشهد تحولات عميقة أثرت على نسيجه الاجتماعي. العيش في هذا السياق أصبح أكثر صعوبة وتعقيداً. المشاعر السلبية والنفاق والمصلحة الشخصية تحكم العلاقات بشكل كبير، مما يجعل من الصعب بناء علاقات اجتماعية سليمة أو العمل في بيئات مهنية صحية. ربما يكون الحل في العودة إلى القيم الأصيلة التي كانت تميز المجتمع المغربي من تعاون وتضامن، وإعادة التفكير في السلوكيات التي أدت إلى هذا الانهيار في العلاقات الإنسانية.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

3 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
استاذ متقاعد
المعلق(ة)
20 سبتمبر 2024 08:41

الاسرة اي الام و الاب والمدرسة هما الاساس في هذه الظواهر الاجتماعية التي مزقت التماسك و التآزر بين الناس وحتى بين افراد العائلة . اتذكر جيدا في طفولتي كنا ندرس مادة تسمى ” الاخلاق” نتعلم من خلالها اسس التعايش بين الناس . في الحي السكان يعيشون كاسرة واحدة . ومن العجيب هو حتى الميسورين من السكان لا يغيرون تصرفاتهم اتجاه الجيران و يعيشون ببساطة . اما الان فنلاحظ وبكل اسف ان الاسرة من جهة و المدرسة من جهة اخرى اصبحتا غائبتين تماما في تكوين الطفل اخلاقيا . كمثال على ما اقول اصبحت الام لوحدها تتحمل اعباء الاطفال ، في البيت و في المدرسة . غياب الاب في المنظومة اثر بشكل كبير .
اظن ان الوضع لن يتغير بل يتأزم مع ظروف الحياة .

احمد
المعلق(ة)
19 سبتمبر 2024 22:35

تغير القيم يرتبط بتغير مناحي الحياة وبضروف العيش التي اصبحت صعبة وتمارس ضغوطا نفسية على الاسر و بدل ان تنتج قيما مضادة للتعاون والتازر واشكالا ايجابية للتجمع الحظاري لمقاومة الصعوبات، اصبحت تتغدى على خطابات سلبية تنتجها وساىل التشهير والتواصل المجاني الباحت عن البوز والمشاهدات.

Ahmed
المعلق(ة)
19 سبتمبر 2024 09:03

هدا موضوع مهم جدا….لاكن الكاتب قام بوصف للمجتمع و الدي يعرفه كل واحد….لم يأتي بجديد لكي نتقاسمه فهي قراو سطحية للمجتمع لا تسمن لا تغني من جوع…..كنت انتظر ان اقرأ جدور هدا المشكل…كنت انتظر تحليلا شموليا لان المشكل معقد اكتر من الوصف البسيط…..

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

3
0
أضف تعليقكx
()
x