2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
ماريا شرف: ورش تعديل مدونة الأسرة فرصة ثمينة لإحياء الحركات النسائية المغربية (حوار)

مكن النقاش المُشار في الآونة الأخيرة حول تعديل مدونة الأسرة، وما رافقه من جدل مجتمعي حاد جدا بين التيارات اليسارية والليبرالية من جهة، وبين التيارات الإسلامية والمحافظة من جهة أخرى، من إحياء الحركة النسائية المغربية، وعودة العديد من المنظمات النسائية الوطنية للواجهة.
وللوقوف على واقع الحركة النسائية المغربية حاليا، في ظل السياق الحالي المتسم بتعديل أبرز قانون وطني ذات صلة مباشرة بقضايا النساء، أجرت جريدة ”آشكاين” الإخبارية، حوارا مفصلا ضمن فقرة “ضيف الأحد”، مع المهندسة والناشطة النسائية ماريا شرف.
– في رأيك، كيف يبدو لك الواقع الحالي للحركة النسائية المغربية سياسيا وجمعويا؟
منذ التسعينات، كثفت الحركة النسائية التقدمية في المغرب نضالاتها من أجل المساواة كرد فعل ضد التمييز بسبب الجنس الذي كانت و لازالت تعاني من تبعاته النساء و الفتيات و تطال عواقبه كل المجتمع. رغم القيود الاجتماعية والدينية، انخرطت الجمعيات النسائية والحقوقية في مسار طويل من العمل المشترك والتنسيق، وذلك عبر “المجلس الوطني لتغيير قانون الأحوال الشخصية” ثم تنسيق “ربيع المساواة“ سنة 2002 ، من أجل إقرار قانون أسرة جديد يضمن المساواة والكرامة للنساء، و بعده تكوَّن ”الــــــــــربيع النسائي للديمقراطية والمساواة” في 2011.
غير أنه شكل ورش تعديل مدونة الأسرة، الذي انطلق في منتصف سنة 2022 ، فرصة ثمينة لإحياء نضالات الحركات النسائية من أجل المساواة، سواء منها الجمعيات الحقوقية النسائية أو القطاعات النسائية للأحزاب والنقابات، بالإضافة إلى بزوغ تنسيقة مختصة في المناصفة، حيث برزت ائتلافات و تنسيقيات جديدة أهمها: التنسيقية النسائية من أجل التغيير الشامل و العميق لمدونة الأسرة، التي تأسست في 30 نونبر 2022 وضمت 33 جمعية منسجمة في رؤيتها وأهدافها، وتجمعها نفس المطالب والمقترحات للنهوض بحقوق النساء في المجال السياسي والإجتماعي والإقتصادي، بمقاربة ديمقراطية و حداثية.
من جهتها، عجلت العديد من الأحزاب بعقد مؤتمرات قطاعاتها النسائية لتحيين هياكلها، حتى تواكب و تسهم في تأطير ورش النقاش العمومي في عدة مناطق بالمغرب، حول اقتراحات تعديل المدونة و باقي القوانين المطروحة للتحيين.
لقد استطاعت الحركة النسائية بالمغرب أن تحصل على مساندة فعلية لمطالبها من طرف زعماء و قواعد أحزاب اليسار ومن القطاعات النسائية للنقابات و من نساء ورجال الثقافة و الخبرة و البحث العلمي.
في ظل هذا الزخم والتقدم، ما هي أبرز التخديات التي واجهتها النساء والحركة النسائبة المغربية؟
رغم كل هذا التقدم و الإشعاع الملحوظ، لا زالت النساء في المغرب يواجهن عدة تحديات تعرقل ولوجهن للعمل السياسي و لمراكز القرار عموما، وذلك لعدة أسباب نذكر بعضها في إغفال إشراك النسويات و الحداثيات في الحوارات التي تبث عبر وسائل الإعلام الرسمية، والاقتصار على بعض الوجوه التي لها مواقف مهادنة قد لا تثير غضب المحافظين، وفي دخول مجال التنافس السياسي بالنسبة للمرأة كولوج حلبة صراع غير متكافئ، مع خصم متمرس و ذي تجربة ميدانية، و مسند من الجمهور الناخب و لا تنهكه المسؤوليات المنزلية الملقاة من طرف المجتمع على عاتق النساء.
إضافة إلى تأنيث الفقر، في الوقت الذي أصبح من اللافت للانتباه أن ” أصحاب الشكارة” هم من لهم الحظ الأوفر للفوز في الإنتخابات، كما أن الإنخراط في السياسة يتطلب التوفر على نسيج من العلاقات الشخصية و العائلية و المهنية والقبلية أو في الحي، و هذا ما ينقص أغلب النساء اللواتي لا وقت فراغ لديهن لنسج مثل هذه الروابط بسبب ساعات عملهن المضاعفة بالعمل المنزلي وتربية الأطفال، وصعوبة ارتياد فضاءات الكولسة الحزبية التي غالبا ما تقصى النساء منها.
هذا وقد تواجه النساء في المعترك السياسي نفس التمييز الذي يعانين منه في المجتمع، ولنا في هذا الموضوع الشائك عدة أمثلة آخرها ما تفوه به رئيس فريق برلماني سابق في حق برلمانية من حزبه و الضغط الممارس عليها للتنازل عن شكايتها أمام القضاء.
– تمثل الكتلة الناخبة في البوادي و في هوامش المدن ثقلا مهما في نتائج الاقتراع، في الوقت الذي مازالت النظرة الدونية للمرأة تتفشى في هذه المناطق.
إن تهيئ جو سياسي ملائم للمنافسة الشريفة والمتكافئة هو من مهام الدولة، التي عليها توفير الشروط الضرورية لانتخابات حرة ونزيهة. كما عليها أن تمنح امتيازات مؤقتة لضمان تكافؤ الفرص بين الذكور والإناث في المجال السياسي و لتيسير ولوجهن لمراكز القرار.
ما هي المداخيل المستعجلة الواجب البدء فيها حاليا لتطوير وتعزيز المشاركة النسائية في الشأن السياسي والاجتماعي والجمعوي بالمغرب؟
إن إرساء الديمقراطية البرلمانية الحقيقية في رأيي هي السبيل الأنجع لتحقيق المساواة و تيسير بلوغ المناصفة بين النساء و الرجال في المجال السياسي و في باقي المجالات، وذلك يتطلب قيام الدولة بالإصلاحات الضرورية لتحقيق الانتقال الديمقراطي الفعلي المنشود، لأن المساواة بين المواطنين و المواطنات هي حجر الزاوية في كل الأنظمة الديمقراطية الحقة، وتفعيل البند 19 من الدستور بالتطبيق الفعلي للمناصفة في كل المجالات في القطاعات الحكومية وفي القطاع الخاص، واعتماد المناصفة كمؤشر لقياس المساواة في كافة المجالات، والإسراع بإخراج المؤسستين الدستوريتين: هيئة المناصفة ومحاربة كل أشكال التمييز والمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة إلى حيز الوجود للقيام بأدوارها.
أيضا يجب توعية المجتمع وتربية الأجيال الصاعدة على قيم المساواة و المناصفة و تدبير الاختلاف و التعايش السلمي مع كافة المكونات الفكرية والثقافية للمجتمع، وفتح وسائل الإعلام للمدافعات و المدافعين عن المساواة و تهيئ الرأي العام لتقبل التطور الفكري و تحولات الواقع الاجتماعي، وتعميم الشفافية و عدم تشجيع “الكولسة” السياسية وجزر الفساد و الاغتناء الغير المشروع و تبذير المال العام، مع ضرورة منع ومعاقبة استغلال الهشاشة و الفقر و الأمية المتفشية بين النساء و تجريم استعمال المال في الانتخابات، والتدقيق في مصادر ثروة المترشحات و المترشحين للبرلمان و لمواقع قرار أخرى.
إن السياق المغربي الحالي يقتضي إرادة واضحة لتعزيز الاعتراف بالأدوار الرئيسية والريادية للنساء في مختلف المجالات وضرورة رفع كل القيود التي تكبل إرادتهن لضمان انخراطهن الفعلي في العمل السياسي و الأجتماعي و في تنمية البلاد،
– إلى أي حد نجحت الإطارات النسائية في إبراز تصوراتها و طروحاتها للنقاش الذي طال موضوع مدونة الأسرة مؤخرا؟
لقد نجحت الحركة النسائية الديمقراطية الحداثية في تحفيز النقاش العمومي حول التعديلات المرتقبة لمدونة الأسرة، بعد حوالي عقدين من تطبيقها، وذلك بتنظيمها للعديد من الندوات واللقاءات الجماهيرية و المحاكمات الرمزية في مختلف المدن و بنشر مقالاتها و بياناتها و مداخلاتها و حواراتها في العديد من المنابر الإعلامية التقليدية والحديثة و عبر وسائل التواصل الإجتماعي و بفضحها الاختلالات القانونية و المسطرية التي تشوب مدونة الأسرة الحالية وكذلك النقص في آليات التفعيل وتفاوت التأويل والتفسير والتقدير بسبب ضبابية بعض المواد و ثغرات قانونية وبعض مقتضياتها التي تتيح التحايل والابتزاز وتكرس التمييز والدونية واللامساواة والعنف ضد النساء والفتيات. كما ركزت الحركة النسائية على مخالفة بعض مواد المدونة الحالية مع مقتضيات الدستور والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والقيم الكونية التي أسهمت مختلف الحضارات – ومن ضمنها المغربية – في إرسائها.
إن النجاح الذي حققته الحركة النسائية التقدمية هذا في خلخلة السردية الذكورية المحافظة حول المرأة و الأسرة، أغاظ بعض تجار الدين الذين يقامرون بمستقبل المغرب ويقفون حجر عثرة أمام نموه وتقدمه، فواجهوا هذا الصوت النسوي الحقوقي الديمقراطي المسموع و المقنع و المنسجم بالسب والقذف والكذب بل و حاولوا إسكاته بالتهديد.
لكن هذا لم يثني من عزيمة الحركة النسائية التقدمية، التي رافعت كجمعيات وكتنسيقيات نسائية أمام الهيئة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة، ودافعت بجرأة قل نظيرها من أجل قانون وضعي حداثي للاسرة المغربية، يضمن المساواة في جميع المجالات و في تقسيم التركة و يحمي المرأة والفتاة من العنف و التمييز، و طالبت بالإعمال الفعلي لقيمة المساواة المنصوص عليها في الدستور والاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المغرب، وملاءمة مدونة الأسرة و مقتضياتها دون أي تمييز على أساس الجنس، ووضع نصوص قانونية منسجمة ومتكاملة فيما بينها تقطع مع التضارب في الفهم والتطبيق وتعديل باقي التشريعات ذات الصلة بحقوق النساء، مع ضمان الولوج إلى باقي الحقوق الإنسانية للنساء الواردة في الفصل 19 من الدستور وعلى رأسها الحقوق االقتصادية والسياسية و المناصفة في جميع الميادين.
– ما هي نتائج اعتماد الكوطا النسائية في مجلس النواب المغربي خاصة أنها تعرضت لانتقادات عديدة بادعاء تكريسها لنوع من الريع السياسي؟
رغم أن الدستور منح النساء حق التصويت والانتخاب، كانت نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 1977 محبطة لآمال الحركة النسوية. إذ شارك في هذه الإنتخابات 6 ملايين و نصف مليون ناخب.ة، ضمنهم 3 ملايين من النساء، لكن لم تفز سوى ثمانية مرشحات، و هو الأمر الذي تكرر في الانتخابات البلدية لسنة 1983. كان علينا انتظار انتخابات 1993 لنرى بالكاد امرأتين تصلان إلى غرفة البرلمان. في السياسة كانت تعتبر المرأة (و لازلت عند البعض)، مجرد “خصلة شعر وقعت سهوا في كوب حساء” un cheveux sur la soupe”، حيث كان يتم حصر مساهمة المرأة في لجنة المرأة أو مكلفة بالشؤون الاجتماعية و لا تصل إلا بصعوبة إلى مراكز القرار كاللجان المركزية أو المكاتب التنفيذية، كيفما كان لونها السياسي.
إذ أسهم نظام الكوتا في تطور التمثيل السياسي للمرأة، حيث تم تخصيص 30 مقعدًا في مجلس النواب للنساء. في عام 2011، تم رفع الكوتا النسائية إلى 60 مقعد، مما رفع من نسبة تمثيل النساء في مجلس النواب إلى 15%. في سنة 2016، ارتفعت نسبة تمثيل النساء في البرلمان إلى 20.5%، ثم إلى 96 نائبة في سنة 2021، بنسبة 24.3% . فيما يتعلق بالمجالس البلدية والجهوية، ارتفعت نسبة النساء في المجالس المحلية إلى 27% بعد تبني تعديلات قانونية تدعم مشاركة المرأة في هذه الهيئات.
ولقد أدى اعتماد الكوتا إلى تيسير دخول النساء إلى المشهد السياسي وتعزيز تمثيلهن في اتخاذ القرار، و أصبحت قضايا مثل التمكين الاقتصادي للنساء وتجريم العنف الممارس عليهن وقضايا التعليم والصحة والعدالة الاجتماعية تحتل أولوية أكبر في الأجندة التشريعية، فإن التواجد الوازن للنساء في البرلمان و في المجالس المحلية و ظهورهن في وسائل الإعلام يترافعن بحماس حول مطالب الناخبين، يساهم في محو الصور النمطية والدونية التي لدى البعض عن النساء ، و يسهم من رفع فرص نجاح مرشحات في المستقبل و يعطي للجيل الصاعد القدوة التي هو في حاجة لها لحشد عزيمته للمشاركة في الحياة العامة ، ولا سيما الفتيات اللواتي غالبا ما تفتقدن للمثال الأعلى الذي يمكنهن الإقتداء به.
قد تعلو بعض الأصوات منتقدة نظام الكوتا، معتبرة إياه ريعا سياسيا أو هدية غير مستحقة للنساء، لأنه حسب ادعائهم غير مبني على الكفاءة، وهنا يجب الإشارة إلى إن اعتماد الكوتا يعد تدبيرًا مؤقتًا، لكنه ضروري في مرحلة انتقالية لضمان التمثيل النسائي في المشهد السياسي. وقد أظهرت التجربة أن النساء اللاتي وصلن إلى المناصب السياسية من خلال الكوتا أثبتن كفاءتهن في أداء واجباتهن بفعالية، وأسهمن في تعزيز القوانين الخاصة بحقوق الإنسان وتطوير سياسات تنموية شاملة، تستفيد منها كل شرائح المجتمع.
إن الحفاظ على نظام الكوتا بالمغرب ضروري لتعزيز مشاركة المرأة في السياسة، بل يجب في نظري الإنتقال اليوم بهذا النظام إلى اعتماد المناصفة و تخصيص نصف مقاعد البرلمان والمجالس المحلية للنساء، من أجل توسيع قاعدة التمثيل النسائي وضمان فرص حقيقية للنساء اللواتي يتوفرن على الكفاءة، للمشاركة في بناء ديمقراطية حقيقية و في تطور المجتمع، وحتى تنسجم نسبة تمثيلية النساء في كل الهيئات المنتخبة و في باقي مواقع القرار مع ثقلهن الديمغرافي في المجتمع و الذي يفوق %50.