2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

العالم الفيلالي
لاشك أن ثورة العلوم والتكنولوجيات التي يشهدها العالم اليوم قد ساهمت في تيسير حياة العموم وإزالة الإشكالات وعديد الهموم، بالنظر لسرعة الاستجابة وسهولة الاستفادة حتى أضحى عالمنا قرية صغيرة على امتداده تربطه أجهزة اتصال وتفاعل ومواقع بحث وتواصل بين مختلف الشعوب والمجتمعات والدول والمنظمات للتعرف على التقاليد والعادات ومختلف الأعراف والثقافات. غير أن الرقمنة برغم ما توفره من خير عميم ونفع عظيم، إلا أن لها الدور الكبير في تأكل منظومة القيم والأخلاق وتدمير الكثير من الآداب الحميدة والخصال المكتسبة السليمة، خاصة في المجتمعات الإسلامية على غرار المجتمع المغربي الذي شهد في العشرية الأخيرة تحولات عميقة عائدة بالأساس لغزو العادات الدخيلة وتشجيع صناعة التفاهة وانتشار أفكار الحركات الشاذة والقيم البذيئة. لكن المثير في التجربة المغربية المقاومة الشديدة والرفض القاطع لتفشي هذه الظواهر والسلوكات المنافية للدين الإسلامي والهوية المغربية الأصلية، مما يسألنا عن صمود هذين المعتقدات حائلا أمام تفشي هذه التصرفات ؟
في البداية ينبغي التأكيد على أن الثورة الرقمية كان لها تداعيات خطيرة على الأسرة المغربية، على اعتبار أنها نواة المجتمع والمدرسة التربوية الأولى حيث سبب سوء الإستخدام وانتشار الإدمان الرقمي عواقب وخيمة، كان من أهم أثارها تفاقم حالات الطلاق وارتفاع معدلات العنف ضد النساء وتزايد معدلات الجريمة والخيانة الزوجية، بغض النظر عن الظروف الاقتصادية الأخرى هذا دون أن ننسى بروز حرکات شاذة ومنحرفة تسوق أفكار مسمومة وتنشر مفاهيم مغلوطة، تساهم في اتساع الهوة الاجتماعية وترسخ عقائد متطرفة قد تؤدي بضياع جيل بأكمله.
غير أن ما يثلج الصدور أن هذه التصرفات تبقى محدودة في الحضور ومنحصرة في الخفاء ووراء الستور، فتفرد المجتمع المغربي يجعل من المحافظة على جميل الأعراف وثوابت الدين الإسلامي والهوية الأصلية، ذاك الجدار المتين والحاجز المنبع في مواجهة المبتدل من السلوكات والمعولم من التصرفات، فمن إن تضج منطقة بفضيحة أخلاقية أو تشهد مواقع التواصل الاجتماعي حدثا مجانيا للقيم الحميدة، إلا وترى المجتمع ينبذ ويشجب ويندد ويحذر، ومناط ذلك الإحساس بالإنتماء للهوية المغربية النابذة للسلوكات المقيتة والحركات الفاسدة، ومؤشر على وجود ضمير حي جماعي يراقب فيقبل ويرفض فيحاسب، لكن الخطر كل الخطر أن يستمر تسارع الرقمنة ويوازيه تدمير للقيم والأخلاق فلا يبقى للدين هيبة ولا للهوية كلمة ولا للضمير حياة.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.