2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

قاسم العجلاوي*
بدعم من وزارة الثقافة والشباب والتواصل قطاع الثقافة ومسرح محمد الخامس ،قدمت جمعية شارع الفن مسرحية كوـ ڤيد العرض ما قبل الاول بمسرح لوزين بتاريخ 8اكتوبر 2024
المسرحية من إعداد وإخراج ايوب ابو النصر وتشخيص رضى بنعيم وعادل ابا تراب وقدس جندل وأمين بلمعزة ومجموعة مهمة من التقنيين ،سينوغرافيا طارق الربح، ومساعد المخرج سفيان نعيم وإضاءة لرضى العبدلاوي وموسيقى ليوسف لغليضي والصوت لناني شوقي والملابس لكوثر بنسجاي وتنفيذ الديكور لنبيل ظفر الله والتواصل لرضى قادة وإدارة المشروع لياسين بريش
العنوان كمدخل لقراءة العرض
عنوان النص كو فيد CO_VIDE يحيل منذ الوهلة الأولى الى الخواء والفراغ والدعوة إلى المشاركة في لعبة الوجود العبثي او الى وجود الوباء القاتل والجائحة الذي مست البشرية جمعاء ، وخلفت الكثير من الموت و البؤس ، والرقم 81 قد يشير إلى عدد كبير من أجيال تناسلت فيها الاوبئة المميتة، والحروب والدمار ، وأجيال من الكائنات التي تعيش وجودا عبثيا متسلسلا بشكل متكرر دون توقف ولهذا يتم التأكيد على فكرة اللانهاية او لعبة البحث عن النهاية *ماغاديش تسالي هذه المسرحية ، ودون تحديد أي حقبة زمنية فكل شيء متشابه في عالم من العبث.ولعل حياة انتظار الموت مع وباء كوفيد وحياة الفراغ التي يتقاسمها العبثيون، هو مايقصده معد النص ومخرجه المبدع ايوب ابو النصر قياسا على مسرحية نهاية اللعبة لصامويل بيكيت التي حاك على منوالها نص كوـ ڤيد ،بلغة مغربية وإبداع في البناء الفني تشخيصا وإخراجا ،و لهذا أخمن في هذه القراءة ان هذا العنوان الذكي من حيث امتلاكه لدلالة تعدد التأويل والتفسير يختزل العرض المسرحي برمته والذي ربطه ايضا بيوم القيامة وقلوب الكافرين والفرجة غير الممتعة وغيرها من المفاهيم الوجودية المميزة لمدرسة العبث كما ورد في الوصلة الإشهارية للعرض
شخصيات العرض وتشخيص الادوار
مسرحية CO_VIDE ، تحاول مقاربة الحياة العبثية لأربعة أشخاص ثلاث رجال وامرأة يقبعون في مكان مغلق ،غرفة مظلمة ضيقة ،أشبه بسجن اوقبر وداخل هذا المكان المغلق كل شخصية معتقلة داخل فضاء، أوسجن آخر اكثر ضيقا وكآبة
الشخصية الأولى التي أداها باقتدار المبدع عادل ابا تراب بحس مرهف تماهى معها نفسيا وجسديا الى درجة الاندماج سواء على مستوى الأحاسيس الداخلية الكئيبة او الحركة جلوسا كأعمى مقعد، ووقوفا ، ومشية احدب مدلى الرأس الى الأمام وكأنه يحمل اوزار الايام والسنين التي عاشها او حين يرفع رأسه إلى اعلى محدثا خادمه وفاغرا فمه مبرزا اسنانه بشكل اقرب الى الهزل الكئيب الذي انتزع من المتلقي بسمة بل ضحكات صادقة تجلت في تجاوب طفل صغير داخل القاعة حين سمع كلمة غريبة، بضحكة بريئة .وايضا تجلت براعة الممثل المقتدر عادل ابا تراب في تغيرات صوتية حافظ على نبراتها المختلفة باختلاف الحالات والمواقف طيلة العرض وبذل مجهودات في اخراج حوارات ببحة مخنوقة حين يحاور خادمه وعبر الميكروفون بصوت قوي بعبر عن احزان رجل غارق في تشاؤمه وعدميته وكرهه لكل شيء أو حتى في حالة تكسير الجدار الرابع ومخاطبة جمهور القاعة .
شخصية محورية من بداية العرض الى نهايته ان كانت له نهاية ، شخصية تمثل رجلا مقعدا فوق كرسي متحرك واعمى وبالاحرى لا يريد ان يرى ويفضل وضع نظارات سوداء ،بل يؤكد في اكثر من حواراته ان له عينين بيضاوين والبؤبؤ فيهما ايضا ابيض وهي دلالات على قتامة الحياة وان لا شي ء فيها يستحق النظر ،لانه كما يقول حين يغمض عينيه يرى ما في رأسه وحين يفتحهما يرى ما في رؤوس الناس من بؤس وحزن ، رجل متسلط يتمنى ان تتوقف الحياة، وتكون للعالم نهاية ، لا يؤمن باي شيء حي ، عامر بالكره لذاته ولأبيه ؤأمه، وكل شيء حوله عدم في عدم ،
ويحرص ان يبقى متمركزا في وسط المكان للحفاظ على سلطته ووجوده المتحكم في الآخرين كما يقول انا رجعت لكم من جديد كرمز للعذاب الأزلي او صخرة سيزيف التي يجبر الآخرين على حملها الى اعلى وإسقاطها من جديد لاستمرار تعذيبهم ،في دور مغلق لا ينتهي .
والشخصية الثانية كلوف الاسم الذي ينطق طيلة العرض والتي أداها باقتدارالممثل المبدع رضى بنعيم لكونها شخصية مركبة ووحدها متحركة في مساحة ضيقة تؤثث االفضاء ،وتقوم بجميع الخدمات رغم قساوة الوضع وعبثيته ، رضى بنعيم بشكل تغريبي قدم المسرحية بأنها لن تنتهي ما غاديش تسالي هاد المسرحية لانها تبدأ من النهاية ،نهاية الوجود البشري الى حياة الاغتراب والضياع، شخصية لا تمشي على رجلين وكأنها هي الاخرى مقعدة تتحرك بشكل ميكانيكي ولولبي كدلالة على الدور المغلق والرتيب ،والفارغ من المعنى.
وحتى باقي التموضعات المتماهية مع سيرورة المسرحية كانت تحركات غريبة وتائهة ومترددة تصاحبها اصوات غير مفهومة اوآهات او أنات متقطعة يخرجها بحرقة اقرب الى الكوميديا منها الى تراجيديا واللحظة الكئيبة، حركات فيها إلتفاف حول قضبان الحديد المشكلة للجدار العازل/الغرفة او السجن و صعودا الى اعلى عبر السلم كنافذة تمكن من حصول رؤية العالم الخارجي الذي لايوجد فيه الا الموت ،ورائحة الجثث النتنة المترامية في كل مكان ،والجميع ينتظر نزول الامطار التي لا تأتي لكي تخلص الارض والهواء من الموت والروائح الكريهة ، كل شيء عدم وقحط في الخارج .
شخصية العبد الذي لا يستطيع مفارقة السيد رغم قساوة معاملته له رغم انه يهدد بالرحيل ويفكر فيه دون أن يفعل او بغير شيئا من الوضع داخل رتابة اليومي التافه ومرارة الجوع في انتظار الموت الذي لا ياتي ،بل فقط الضياع والاحساس بالعذاب والعبث المطلق
شخصية الاب والام التي اداها كل من الممثلين الرائعين أمين بلمعزة وقدس جندول ، كائنان مسجونان كل منهما داخل قفص حديدي ملفوف بغطاء اسود لاعدام الحركة والضوء ، شخصيتان لا تتحركان الا بصعوبة داخل القفص الحديدي الضيق والصغير ، وکأن المخرج اختار عن قصد أسلوب القساوة ليقحم أمين بلمعزة طيلة العرض وما يزيد على الساعة ، وفي وقت لاحق عادل ابا تراب بينتهما الجسدية الفخمة داخل القفص , لن يكون الا تعاسة أخرى تعمق الشعور بالغرابة والحزن ، أب وأم ليس لهما من ذنب سوى أنهما انجبا ابنا تنكر لهما واقحمهما في عالم العبث فاصبحا بعد مرور الزمن وكأنهما مقعدان ، يشكوان الجوع العاطفي والجسدي و عدم القدرة على رؤية بعضهما بفعل الزمن الطويل المتباطئ الذي سلبهما البصر والسمع والحب وكل شيء جميل ، وحين يحاولان الخروج من القفص ولو حبوا والتحرك والاقتراب من بعضهما في غفلة من الابن / الاعمى المتسلط وهو نائم فوق مقعده، سرعان ما يتلاشى الامل حين يصب الابن غضبه عليهما ويامر خادمه بارجاعهما الى القفص وإحكام إغلاق أبوابه ، مما كان يدفعهما معا الى طرح التساؤل الوجودي من ابن جاء هذا الابن ؟من حمله في بطنه شهورا ؟ وبشكل عبثي
يتفقان على أن كل منهما حمله في بطنه نصف مدة الحمل .
الجميع في جحيم يتبادلون سرا وعلانية الشتم و الكره والحقد والغضب، وكأن كل واحد يحمل الآخرين وضعية وجوده المستلب وحياة العبث التي اتى إليها دون إرادته حسب تعبير سارترمادام *الجحيم هوالآخرون وفي حوار عميق بين الزوجين حول أشياء كثيرة او لا شيء على الاطلاق ، وظف المخرج كل تقنيات لغة العبث من اختزال للمعنى وتغييب للعقل والمنطق نحو اللامعقول
الجزء الثاني يتبع
*باحث مسرحي