لماذا وإلى أين ؟

“الحزام والطريق” الصيني يمر عبر المغرب نحو إفريقيا”‎   

حسن قديم*

زار الرئيس الصيني المغرب، واستقبله ولي العهد الأمير مولاي الحسن بالدار البيضاء، في سياق  بروز مؤشرات اتساع دائرة التقارب بين الرباط وبكين، وسط تقارير تشير إلى وجود تقارب مغربي صيني في قضية الصحراء ، وتوجه بكين إلى دعمها لآلية الحكم الذاتي كخيار وحيد لطي النزاع الإقليمي المفتعل بالصحراء المغربية.

وبرزت العديد من التساؤلات حول هذه الزيارة في سياق عالمي مطبوع بالتوتر والقلاقل السياسية والتهديدات الإرهابية والجريمة العابرة للحدود، ورغبة الصين في اقتحام القارة الافريقية، لتبين دور المملكة الاستراتيجي في محيطها الإقليمي وما توفر من فرص للاستثمار والشراكة البناءة والمثمرة، وهي قفزة نحو تعميق الشراكة بين البلدين أكثر فأكثر.

وتحاول  الصين بناء علاقات جيدة وعميقة واستراتيجية مع المغرب، منذ زيارة الملك محمد السادس إلى هذا البلد سنة 2016، وما تبعتها من مبادرات اقتصادية كبرى بين الطرفين، والتي شكلت انعطافة جديدة في تاريخ العلاقات بين البلدين.

وجرى توقيع إعلان مشترك بشأن إقامة شراكة استراتيجية بين الرباط وبكين، ليصير المغرب أول بلد في شمال أفريقيا يرتبط بميثاق تعاون شامل مع الصين.

كما انضم المغرب سنة 2017 إلى مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها بكين، ليصبح من أوائل الدول الإفريقية والعربية التي تنضم لهذا المشروع الهام.

وتسعى الصين من خلال مشروع “الحزام والطريق”،  طريق الحرير قديما، إلى الامتداد عبر العالم، مرورا بأوروبا وصولا إلى إفريقيا، التي يشكل المغرب بوابتها الآمنة والمستقرة.

وترى الصين في المملكة المغربية شريكا استراتيجيا موثوقا فيه لما يحظى به من استقرار وأمن  وبوابة نحو القارة الإفريقية، نظرا للعلاقات المغربية ببلدان القارة السمراء وعمقها السياسي والاقتصادي والروحي.

في المقابل، يسعى المغرب إلى انتزاع موقف صيني داعم لوحدته الترابية وسيادته على كامل ترابه وأقاليمه الجنوبية، خاصة وأن بكين عضو دائم بمجلس الأمن، مما سيزيد من قوة المغرب وصلابة موقفه، والذي لا يقبل أي مساومة أو ابتزاز.

تلتزم الصين الحياد في قضية الوحدة الترابية للمملكة، لكن الزخم الدولي الكبير للمقترح المغربي بخصوص الحكم الذاتي، وما توفره الاقاليم الجنوبية من فرص للاستثمار، قد يدفع بكين إلى الاعتراف بأهمية الحكم وانضمامها للداعمين لهذه المبادرة، رغم محاولتها الحفاظ على علاقتها مع الجزائر، حاضنةالانفصالين.

تدرك الصين جيدا أن أطروحة  الجزائر الداعمة للانفصاليين تتهاوى يوما بعد يوم، منذ أن صار واضحا للجميع ضلوع الجزائر بصفة مباشرة في هذا النزاع الإقليمي ودعمها لجماعة مسلحة وانفصالية، تعقد من الأوضاع الأمنية في منطقة الصحراء والساحل، وتقوض كل المحاولات لاستتاب الأمن في المنطقة.

 ولن تقف الصين عند مفترق طرق وتستمر في حيادها من قضية الوحدة الترابية، والتي يمكن أن نستشفها من خلال تأكيد الرئيس الصيني شي جين بينغ لولي العهد الأمير مولاي الحسن، خلال لقائه به بالعاصمة الاقتصادية للمملكة على “دعم بكين لأمن واستقرار الرباط “.

أصبحت دول العالم اليوم تدرك جيدا أن المملكة المغربية لا تخضع لأي ضغط أو ابتزاز خارجيين بخصوص وحدتها الترابية، وأثبتت مراراً قدرتها على إدارة الأزمات مع الدول التي اتخذت مواقف معادية لسيادتها على كامل ترابها.

وهكذا، دخلت الرباط في حروب ديبلوماسية مع باريس ومدريد وبرلين، وغيرها من الدول،  وصلت إلى سحب السفير أحيانا، قبل أن تعود العلاقات مع هذه الدول إلى مجراها الطبيعي، بخروج هذه العواصم من المنطقة الرمادية واتخاذها مواقفة واضحة من مغربية الصحراء.

هذه المؤشرات وغيرها تجعل من التقارب الصيني المغربي واقعا ممكنا، قد تزكيه خطوات مستقبلية من الطرفين، في إطار الشراكات رابح- رابح.

*صحافي مغربي

الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي “آشكاين” وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x