لماذا وإلى أين ؟

الحـُـسَـيْـني يستعرض الخيارات المتاحة أمام ماكرون بعد إسقاط البرلمان الفرنسي للحكومة

دخلت الجمهورية الفرنسية في منعطف سياسي غير مسبوق في عهد الجمهورية الخامسة، بعدما أقر نواب الجمعية الوطنية الفرنسية مساء الأربعاء  4 دجنبر الجاري، حجب الثقة عن حكومة ميشال بارنييه بعد ثلاثة أشهر فقط على توليه مهامه.

وتثير خطوة إسقاط الحكومة الفرنسية من طرف البرلمان، الكثير من التساؤلات عن مآلاتها وتبعاتها، وما إن كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قادرا على ضبط التوازنات وإعادة الأمور إلى نصابها من جديد، ام أنه هو الآخر قد يكون مهددا بالتنحي من منصبه كرئيس للجمهورية؟

وفي هذا الصدد، أوضح الخبير في العلاقات الدولية، محمد تاج الدين الحسيني، أن “رئيس الجمهورية الفرنسية سيوضع في موقع مأزق حقيقي بالنسبة لمستقبل الجمهورية الخامسة، لأن ما حدث اليوم شيء جديد على الجمهورية الخامسة منذ سنة 1962، عندما وقع نفس الشيء مع جورج بومبيدو ووضعه في وضعية مخالفة”.

وأكد الحسيني على أن هذه هي أول مرة في تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة يتم تقديم نزع الثقة من الحكومة، بعد مضيها في ممارسة لمدة تقارب 3 أشهر، وهذا يمس بشخصية ميشال بارنييه، الذي كان الرئيس ماكرون، قد اعتبره الشخص المناسب لمعالجة الأوضاع مع كل من واليمين اليسار”.

وأشار المتحدث إلى أن “بارنيي بذل جهودا قصوى في إمكانية استمرار  حكومته في تنفيذ برامجها، لأنه قدم تنازلات صعبة، وكان مطوقا بالقيود، سواء  في الميزانية،  وبسياسة التقشف وبإكراهات صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الأوروبية،  بحيث أصبحت فرنسا تحسب على نموذج البلدان المتخلفة عن أداء التزاماتها، مثل اليونان، أو في حالات نادرة إسبانيا، وهي الوضعية التي لم تجد فيها فرنسا نفسها  في الماضي”.

الخبير في العلاقات الدولية، تاج الدين الحُسَـيْني،

وتابع أن “بارنييه كان يوجد بين المطرقة والسندان، فمن جهة كان مطالبا بالاستجابة لتطلبات الوضع الراهن في الوسط الأوروبي والوسط الدولي، وفي نفس الوقت عدم المساس بالقدرة الشرائية للمواطنين الفرنسيين، ورغم ذلك أصبح مضطرا في لحظة حاسمة لاستعمال مقتضيات المادة 49 من الدستور الفرنسي، والتي تعطي لرئيس الحكومة صلاحية تمرير قوانين معينة دون المرور على البرلمان”.

وشدد على أن هذا الاضطرار “كان القشة التي قسمت ظهر البعير، وألزمت كلا، في آن واحد، وهذا شيء غريب، يعني الجبهة الوطنية من جهة، وفرنسا الأبية، التي تشكل حزبا مهما الآن داخل فرنسا، والتي تقود الان حركة اليسار، فسواء تعلق الامر باليمين المتطرف أو باليسار، فميشيل بارنييه كان يوجد في وسطه هذه المعمعة”.

ونبه إلى أن “الجميع كان يلاحظ بالأمس، من عملية التصويت،  أن سقوط الحكومة واقع لا محالة، لدرجة أن الرئيس ماكرون الذي كان في زيارة دولة إلى المملكة العربية السعودية،  قطع زيارته إلى هذه الدولة المهمة،  في بداية اليوم قبل أن تمر عمليه التصويت، وعاد إلى قصره ليمارس دوره الفعال في هذه المرحلة،  وهو إيجاد حل يرضي من  جهة الفرنسيين،  ومن جهة أخرى، يستطيع البقاء على قيد الحياة إلى فترة معينة من السنة المقبلة”.

 وأبرز الحسيني أن “الاختيار سيكون صعبا في هذه الحالة، ما يطرح السؤال عما إن كان ماكرون سيلجأ الى اختيار أحد أعلام الجبهة اليسارية، وهذا سيؤدي إلى نوع من الاطمئنان من جبهة اليسار حتى تهادنه خلال المرحلة المقبلة، وبالتالي تبقى الجبهة الوطنية وأحزاب اليمين المتطرف غير قادرة على نزع الثقة من الحكومة”.

“لكن في نفس الوقت، إذا ما اطمئن فقط إلى أحزاب الوسط التي دعمت بارنييه، فسوف يقع في نفس الاشكالية”، يسترسل المتحدث مستدركا  “وهي أن الحكومة ستبقى معلقة في إمكانيات نزع الثقة، سواء من اليمين أو من اليسار، وباذلك يمكن أن نقول بأن الرئيس الفرنسي نفسه يوجد الآن في موقف صعب”.

ونبه إلى أن  “أي شخص أخذ قيادة الحكومة، إلا وسيكون على المحك بكل تأكيد، خاصة وأن الإكراهات التي عايشها ميشيل بارنيي، لن تنتهي، وربما ستزداد خطورة وتطورا بشكل سلبي، مما يؤثر على الأداء الرسمي للحكومة”.

 وخلص إلى أن “هناك من يرفع الآن اصواتا تقول أكثر مما سبق ذكره، وتؤكد بأن ماكرون نفسه عليه أن يغادر الحكم، وهذا شيء غير مقبول في إطار  الدستور، ولكنه تحد جديد لرئاسة ماكرون ولأي صيغة يمكن أن يوجدها لمعالجة هذا الوضع المتأزم بهذا الشكل الذي لم يسبق له مثيل في حياة الجمهورية الخامسة على الاطلاق”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
بويشو
المعلق(ة)
6 ديسمبر 2024 08:39

هناك ايضا الأزمة الاوكرانية وتداعياتها الاقتصادية والسياسية
الازمة الاقتصادية التي تضرب العالم ونؤدي ثمنها نحن ايضا هي نتيجة التضخم الناتح عن الدعم الاقتصادي الغربي لاوكرانيا
بمعنى نحن نؤدي ثمن طبع الدولار والاورو بدون مقابل

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x