2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
في شأن تماهي نظام الحكم بالدولة المخزنية ومخاطر المواجهة المباشرة مع المجتمع

امام ما نشهده من حراك اجتماعي علي امتداد خارطة الوطن، وما نرصده من تذمر عام لدى فئات واسعة من الشباب، خاصة امام انسداد كل الافاق امامهم ،وما نلمسه كذلك من تحولات على مستوي وعينا الجمعي الذي اصبح يؤسس لنفسه مسارات جديدة تقطع مع الانساق الفكرية والسياسية التقليدية التي اطرت الممارسة السياسية لدولة ما بعد الاستقلال ووثيقة 11 يناير. وهي القطيعة التي تلاشت من خلالها كل الوسائط التي طالما شكلت صمام امان لاستقرار الدولة والمجتمع معا، رغم كل مؤاخذاتنا على أدوارها السلبية تاريخيا في ضياع الفرص التاريخية لخلق شروط انتقال ديمقراطي حقيقي .
يمكن القول اننا فعلا امام مرحلة جديدة في تاريخ المغرب المعاصر، حيث يتواجد المجتمع في مواجهة مباشرة مع الدولة ، بعد ان استنفذت كما قلنا كل الوساءط مهامها التاريخية ،ولم تعد قادرة علي اداء مهامها سواء علي مستوي التاطير او علي مستوي التمثيل والدفاع عن مصالح من تدعي تمثيلهم . انها المواجهة التي وإن بدت الدولة قادرة لحد الساعة علي تدبيرها وادارتها لصالحها بالشكل الذي يضمن تفوقها واستقرارها علي المدي المنظور ، لما تمتلكه من إمكانيات ووسائل زجرية وقمعية في حق نشطاء الحركات الاحتجاجية ،ونظرا لطراوة هذه الحركات ونقص تجربتها . الا ان هذا الوضع الذي يجعل الدولة في مواجهة مباشرة مع المجتمع ،لايمكن له ان يستمر على المدى البعيد أو حتي المتوسط ، لما يمكن ان يشكله من وبال علي الجميع. ولا بد للدولة ان تراجع حساباتها و تضع موضع المساءلة مجموع تعاقداتها السابقة التي تأسست في اطار توافقات تاريخية بينها وبين احزاب لم تعد تحظي بالمصداقية، كما كان الشأن سابقا، لدى اوسع الجماهير الشعبية وبالتالي فتلك التوافقات لم تعد تعني لها شيءا، بل اصبحت محل تشكيك و تبخيس لدى غالبية المجتمع المغربي الذي فقد الثقة في الدولة ومؤسساتها الحزبية والمنتخبة ويطالب بمساءلتها عن ما آلت إليه أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .
لكن اذا كان على الدولة واجب مراجعة نهجها القائم على منطق التحكم في المشهد السياسي والحزبي، و اكراه المجتمع بما لديها من وسائل زجرية علي تقبل الأمر الواقع ،.فهل يمكن ان نعتبر ان المجتمع بما يعرفه من حراك شعبي قد أفرز بشكل موازي حراكا فكريا وسياسيا وثقافيا يؤهله لأن يشكل تلك القوة الاقتراحية التي تتموقع في الطرف المقابل لنظام الحكم و الضرورية لبلورة اي تعاقدات سياسية واجتماعية جديدة ؟. ام ان ما نشهده من حراك شعبي سيكون كسابقيه ، قدره هو تعزيز قدرات نموذج نظام الحكم السياسي والاقتصادي الحالي، رغم ما يعيشه من علل و اختلالات بنيوية عميقة، وذلك عبر إصلاح بعض هفواته دون المس بجوهر توافقاته السابقة بالشكل الذي يضمن له استمرارية الحكم والتحكم ولو بصفة مؤقتة؟
هل يمكن التسليم ان ما افرزه ويفرزه الحراك من نشطاء في ظل هذا الوضع مصيرهم الاعتقال. وان ما يفرزه المجتمع من مثقفين علي قلتهم سيستمر البعض منهم في عزلتهم واعتزالهم هموم المجتمع ،فيما يعمل البعض الاخر علي التماهي مع نظام الحكم، الذي تماها بدوره بشكل كلي مع الدولة، التي تحولت إلى أداة قمعية وظيفتها اخضاع المجتمع لرغبات الحكام ،وذلك في انزياح تام عن مفهوم دولة الحق والقانون و بالشكل الذي يحيلنا علي دولة مرحلة ما قبل الحداثة؟
وهل يمكن اعتبار ما نشهده من دينامية و من حوارات سجالية علي المستوي الاوروبي، خاصة عبر تقنية اللايف ، يمكن ان تشكل بديلا عن نخب ودينامية الداخل بعد ان كانت داعمة له ؟. وهل يمكن لها ان ترقي الي مستوي تلك القوة الاقتراحية التي تحدثنا عليها سلفا ،والتي يمكن ان تطرح مشروعا مجتمعيا ديموقراطيا تتمثله و تناضل عليه الحركات الاحتجاجية بالداخل و التي ستبقى في نظري دائما هي المحدد الأول والأخير والفاعل الأساسي في أي عملية تغيير لشكل السلطة السياسية في بلدنا؟. وهل يبقي الحراك على المستوى الأوروبي داعما ومساندا لنضالات الداخل شريطة أن يكون حراكا لعموم المغاربة على اختلاف خصوصياتهم المناطقية والتاريخية وتعددهم الثقافي واللغوي؟
ام ان الدينامية الاوروبية كما قلنا تفتقد للكثير من المقومات لأن تتبوأ هذه الأدوار ، نظرا لانحصارها في الجالية الريفية وعدم تمكنها من الانفتاح علي عموم المغاربة باوروبا، و لبعدها عن موقع الاحداث، الذي يجعل دورها داعما بشكل ايجابي ان تجاوزت اخطاءها وليس بديلا كما يتوهمه البعض، و انها غير منسجمة بل ومتناقضة علي مستوي الطروحات السياسية بين من يتبنى جمهورية اللايف، في اطار مفهوم عرقي مغلق لا علاقة له بالمبادئ المؤسسة للفكر السياسي الجمهوري ، ومتطرف في فهمه لقضايا الهوية والذاكرة والتاريخ يخون كل من عاداه، مما يدفعه الي مزيد من الانعزال سواء في محيطه الاوروبي او علي المستوي الوطني . وبين من يدافع عن مشروع سياسي ديمقراطي تعددي ينسجم فيه مع واقعه الأوروبي يؤهله لان يكون فاعلا فيه ،و في نفس الوقت يكون داعما وشريكا في انطلاق أي دينامية ديمقراطية تسعى إلى التغيير السياسي و الدستوري على مستوى الداخل.
لكن اذا كان الوضع علي المستوي الوطني كما سبق وان تمت الاشارة اليه .وان الدينامية الأوروبية في شقها الديموقراطي لا يمكن الا ان تكون داعمة ومكملة لنضالات الداخل الذي يبدو انه لازال يخالف وعده مع التاريخ، ويهدر الكثير من الفرص من أجل الانتقال إلى الديمقراطية ، بعد ان تخلت الأحزاب والنخب السياسية والفكرية التقليدية عن دورها التاريخي في التاطير والدفاع عن مصالح الشعب، و بعد ان شاخت في عمرها البيولوجي وانعزال ما تبقي من النخب الفكرية و الديمقراطية والحداثية التي اخذت موقع المراقب او المتفرج علي الاحداث، في مقابل تغول الدولة وتماهيها المطلق مع نظام الحكم المخزني و التي اصبحت بذلك في مواجهة مباشرة معه ، بكل ما يمكن ان ينتج عن ذلك من احتقان و توترات اجتماعية وسياسية وانتهاكات صارخة لحقوق الانسان .
ألا يمكن القول انه ان الاوان لما افرزه المجتمع من قيادات ميدانية شبابية سواء من داخل المعتقلات أو من خارجها ، وما تبقى من النخب الفكرية والسياسية الديمقراطية والحداثية والاطر الاكاديمية والجامعية التي لم تتلوث بالريع الاقتصادي والسياسي بأن تتكاثف في أفق خلق جبهة وطنية عريضة، تروم الي تشكيل تلك القوة الاقتراحية اللازمة والضرورية لاي تعاقدات اجتماعية وسياسية جديدة ،اساسها العفو العام، كمدخل لتحقيق السلم الاجتماعي الضروري لإطلاق حوار وطني شامل ، في افق اصلاحات سياسية ودستورية تؤسس لقيام الدولة الديموقراطية المتعددة ، الضامنة للحقوق والحريات ،ولنظام حكم سياسي ديمقراطي، لا مركزي ، قائم على مبدأ الشراكة السياسية وعلى اشراك الجهات ككيانات ترابية وسياسية في تقرير وتنفيذ السياسات العمومية الجهوية والوطنية.