لماذا وإلى أين ؟

الفرق بين المغرب والجزائر من خلال تصريحات بوعلام صنصال وعزيز غالي!

إدريس بنيعقوب

يبدو أن الفروق أصبحت تتسع، يوما بعد يوم، بشكل كبير وسريع بين المغرب والجزائر، في طرق تدبيرهما للمصالحات مع العقد التاريخية والسياسية. ومن خلال النظر في مواقف الدولتين مع مواطنيها فيما يخص توسيع هوامش النقد والتعبير، تبرز مفارقة مهمة، تصنع الفارق على مستوى السمعة العالمية وكسب الثقة، وتوضح مدى تطور ذهنية الحكام في إدارة الاختلاف. المفارقة هي أن المغرب نجح إلى حد بعيد في الخروجط من منطق الحصار إلى الاحتواء، فيما ظلت الجزائر تجتر، داخل بنياتها المؤسساتية والذهنية عقيدة اللاتسامح مع أي مختلف مع عقيدة الحاكم ونفسيته.

وبغض النظر عن محتوى تصريح عزيز غالي رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فإنه قد يكون فعلا طبيعيا، وتتويجا لمسار طويل لتعامل الدولة المغربية مع المشككين في مغربية الصحراء. ورغم أن خطاب غالي، ينحو أحيانا كثيرة، نحو محاولة فرض نظرة متشاءمة سوداء كفكاوية (من منظور فرانز كافكا)، تنظر إلى المغرب كشيء تحول إلى مسخ، فإن الواقع يؤكد إمكانية نسج نظرة رومانسية للبلاد، رومانسية سياسية وفكرية تثمن قيمة المثل العليا، وتشحد الإبداع وتوفق ما بين الجمال والجلال، وتمنح المناضلين نفسا متجددا لمواصلة أدوارهم.

لقد كانت الدولة المغربية في وقت سابق، تنظر إلى أي حديث خارج الإجماع حول مغربية الصحراء، كجريمة عقوبتها الاعتقال لسنوات أو الاضطهاد. تطور هذا الموقف مع الزمن ليصير قبولا مخففا للمشككين، ثم أضحت مسألة التشكيك المنعزلة غير مثيرة للإنتباه. ثم بعد ذلك شاهدنا انفصاليين يسكنون حواضر الصحراء، ويحملون شعارات البوليساريو! من بينهم اميناتو حيدر وغيرها كثير، ورغم الإثارة التي أحدثوها في وقت سابق في هذا الموضوع، إلا أن الدولة تجاوزت الدولة صدمة المواجهات الأولى، ثم تجاهلتهم بحكم الواقع والمنجزات والفوارق مع صور مخيمات تندوف، فتحول هؤلاء الانفصاليين إلى “أثاث” يزين صورة المغرب المتجدد المتسامح الواثق في قوته وقدراته، وشتان بين خطورة فكرة الإنفصال وبين تصريح غالي الذي يعد درجة أقل في التشكيك لأنه لم يخرج عن لغة الأمم المتحدة وحتى بعض أصدقاء المغرب، وهو يعي أنه يعيش معربا آخر غير الذي عرفه أو سمع عنه من قبل!

فمن المؤكد أن عزيز غالي مغربي مخضرم، سمع عن لعلعة الرصاص في مطاردة المحتجين، وعن حضر التجول مساء لأتفه الأسباب وبدون سابق إعلان، بل وعن رمي شباب المدارس المحتجين على أبسط المطالب، بالرصاص ودفنهم في مقابر مجهولة.

واضح أنه يعرف كيف كان يقف المغاربة في مخافر الشرطة لأي غرض مرفقي كان، وربما سمع عن حالات كثيفة من التبول اللارادي التي كانت تصيب مغاربة زمن القسوة والحصار، وحالات مطاردة الساهرين ليلا أو المستمتعين بمشاهدة الأفلام في قاعات السينما وهم يخرجون عند منتصف الليل. لاشك أنه سمع، وربما رأى بأم عينه استعمال مخزن ذلك الزمن لسيارات اسعاف لنقل المعتقلين غير المتوفرين على بطاقات التعريف، أو المشتبه بهم التوفر على أضعف وأدنى درجات الإيمان المحتمل بوجود أي فكرة احداث فوضى أو احتجاج ضد الدولة!

لذلك فإن تصريحات غالي تجسد بامتياز مغرب اليوم مغرب متجدد، وتتوج لهذا المغرب المتسامح، الذي يعرف ماذا يريد ويشق طريقه نحوه. تصريحاته بمثابة اعتراف شخصيا وضمني بأن المغرب وسع من هوامش الحرية، ولم تعد تخيفه عقد الماضي. لذلك فإن تصريحات غالي يمكن أن توظف كدليل إضافي في اشعاع مغرب 2030 وليس كجرم اقترفه، أمام الشركاء الأوروبيين وأمام المتتبعين وصناع تقارير حقوق الإنسان في الغرب.

وكنتيجة لذلك ساهمت الجزائر هي الأخرى بشكل متسرع و بدون وعي، في صناعة هذه الصورة المتميزة عن المغرب أمام المجتمعات الأوروبية خصوصا الفرنسية، من خلال تجند اعلامها لنقل تصريحات غالي، محاولين استغلالها كحجة لهم، فيما تحولت إلى حجة ضدهم، وضد نظام نشأ في زمن الحرب الباردة يلفظ أنفاسه في زمن الحرب الساخنة، في عالم معقد يتحرك بحمولة تارخية ودينية وصراع ثقافات، لاسيما في سياق اعتقال بوعلام صنصال في نفس النسق الذي تحدث فيها عزيز غالي.

بذلك ثبتت الجزائر المفارقة والصورة بين البلدين أمام العالم، والكل صار يشاهد موقفين في زمن واحد، ويقارن سلوك الدولة المغربية مع رئيس الجمعية المغربية لحقوق الانسان، وبين دولة الجزائر قضية صنصال. تبين للجميع بالملموس أن الجزائر تنظر لأي متحدث جزائري حول ضرورة الاحتكام إلى التاريخ وإلى الأمم المتحدة فيما يتعلق بالحدود مع المغرب، وفي قضية الصحراء المغربية، بأنه مجرم يستحق السجن والعقاب، مما يؤكد الرعب الذي تعيشه فئات من مثقفي ومناضلي الجزائر عكس المغرب.

لا شك أن عزيز غالي هو أحد أفراد النخب المغربية المثقفة والمتعلمة، يمارس خطابه في الإعلام بدون حصار أو اضطهاد. هو جزء من النخب التي صنعت خارج أسوار السجون، لتساهم بطريقة ما في بناء المغرب أو تخفيف الضغوط عنه. في المغرب ليست كل طرق التنخيب مصدرها الزبونية السياسية، بل هناك طرق كثيرة من بينها السجن والاعتقال والمنفى. لأن هذه الأدوات تخلق نخبا ذات مصداقية وشرعية نضالية. فالسجون المغربية لم تكن فقط لعقاب المعاندين لإرادة المخزن، وانما كانت ولازالت طريقا للتنخيب السياسي ولاكتساب المشروعية، وأيضا لبناء المراجعات وإعادة “البرمجة” والتفهم ثم التوافق. فكم من معتقل خرج من سجنه، سواء بعد قضاء محكوميته، أو بفضل عفو ملكي، أو عاد من المنفى بضمانات ما، فصار بيننا قائدا سياسيا عظيما أو إعلاميا مرموقا، يتمتع بمشروعية كبيرة في القاء خطبه أو في تأطير الرعية التي صارت مهيأة للتلقي عنه.

فمن المحتمل، انطلاقا من الأسلوب الخطابي التي يتناول به عزيز غالي موافقه تجاه قضايا الدولة، أن تكون له هو الآخر قنوات تواصل موازية مع المخزن يستشير معها أو يسعى إلى التوافق معها على مساحات فعل معينة، فجمعيته لا تعيش في جزيرة، بل هي جمعية تضع ملفاتها كل سنة لدى مصالح وزارة الداخلية والمالية لأنها تحظى بظهير المنفعة العامة. كذلك فإن الدولة لا يمكنها أن تترك أي فعل بدون تأطير وتهذيب، وإلا فإنها لا تستحق أن تكون دولة لها تاريخ ومؤسسات تصونه، وقد عبر الملك الراحل الحسن الثاني عن هذا التصور، عندما قال أنه لو لم تكن هناك معارضة لصنعت المعارضة، ولعله لم يكن يقصد المعارضة البرلمانية فقط وإنما جميع أنواع المعارضات، بما في ذلك الحقوقية.

الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي “آشكاين” وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
عبد الله
المعلق(ة)
23 ديسمبر 2024 15:34

المدعو غالي لغبائه أو لخسته يريد بتصريحاته الخارجة عن السياق الأخلاقي و حتى الوطني تقديم خدمة في طبق من ذهب للنظام المفلس لخنازير المرادية. هو بذلك يحاول خلق توازن القوى بين بلد في صحرائه رغم انتمائه له للأسف، و عدو لدود حسود حقود لجوج يحاول جاهدا خلق حالة اللا استقرار لبلد كان سنده الوحيد و الأكبر في حرب التحرير. لو كان يرجى منهم خير لما أوصى محمد أركون رحمه الله أن يتم دفنه في الدارالبيضاء عِوَضَ الجزائر

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x