لماذا وإلى أين ؟

العلالي: إصلاح مدونة الأسرة يتطلب شرحا وافيا حول نوايا التعديلات وتوضيح اهدافها وغاياتها (حوار)

طالب الملك محمد السادس، حكومة عزيز أخنوش، بشرح مضامين التعديلات التي طرأت على مدونة الأسرة للمغاربة، وذلك في أعقاب رفع الهيئة المكلفة بمراجعة المدونة تقريرها الشامل إلى عاهل البلاد.

بعد بلاغ الديوان الملكي، سارع رئيس الحكومة وزراء في حكومته، ويتعلق الأمر بعبد اللطيف وهبي وزير العدل، وأحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ثم نعيمة ابن يحيى وزيرة التضامن، إلى تنظيم لقاء تواصلي مع وسائل الاعلام في مقر أكاديمية المملكة بالعاصمة الرباط، تم خلاله الكشف عن مضامين التعديلات.

مع ذلك، لا يزال الكثير من اللبس والغموض يسود المسألة، رافقته إشاعات وتأويلات، أغلبها وسط وسائل التواصل الاجتماعي، في ظل تساؤلات حول مدى نجاح الحكومة في إيصال الرسالة كما ينبغي لعموم المغاربة.

في هذا الحوار مع جريدة ”آشكاين”، يستعرض الدكتور محمد عبد الوهاب العلالي، منسق ماستر التواصل السياسي بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، كيف تعاملت الحكومة مع المدونة من الناحية التواصلية.

ذات الخبير المغربي في التواصل السياسي، يرى أن التواصل الناجع والفعّال يرتبط بإبراز بُعد المشروع الفلسفي ضمن المسار الإصلاحي الذي عرفه المغرب، لافتا إلى المرحلة الجديدة للترافع والنقاش المجتمعي حول تعديلات مدونة الأسرة.

إليكم نص الحوار:

  1. دكتور، باعتباركم خبيرًا في التواصل السياسي، كيف ترون تعامل الحكومة من الناحية التواصلية مع قضية حساسة مثل مدونة الأسرة؟
    قبل كل شيء، وتنفيذًا لتوجيهات ملك البلاد عقب جلسة العمل التي ترأسها يوم الإثنين 23 دجنبر الجاري، المخصصة للموضوع ، على الحكومة أن تتواصل أولًا حول فلسفة تعديل مدونة الأسرة في المغرب، بالارتباط مع التحولات التي يعرفها المغرب منذ سنة 1999 إلى مرحلة 2011 وإلى الآن، على مسار بناء مجتمع ديمقراطي حداثي.
    من هذا المنطلق، أعتبر أن التواصل الناجع والفعّال يرتبط بإبراز بُعد المشروع الفلسفي ضمن المسار الإصلاحي الذي عرفه المغرب مع اعتلاء الملك محمد السادس العرش، بدءًا بإصلاح مدونة الأسرة سنة 2004، وإقرار دستور جديد في عام2011 و ما جاء بعده، هذا الدستور الذي يؤطّر النموذج الديمقراطي الحداثي التنموي المغربي ضمن مسار يعزز الحريات، والمساواة الاجتماعية للمرأة، واحترام حقوق الطفل، واستقلال القضاء، وتحقيق العدالة الانتقالية وطي صفحة الماضي وإحترام خصوصية المجتمع المغربي.
    هذا الأمر له أهمية قصوى على الصعيد الداخلي، ليفهم المغاربة جميعًا الاتجاه العام لمسار التحولات والمكتسبات التي تراكمها بلادنا. كما يكتسي أهمية بالغة على الصعيد الدولي، بالتأكيد على تحقيق إنجازات جديدة تتوافق مع العديد من الاتفاقيات الدولية الأساسية في مجال حقوق الإنسان، والقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة وإقرار المساواة بين النساء والرجال وحماية حقوق الأطفال.
    فهذا المشروع يسير على نهج تعزيز التسامح والاعتدال في المجتمع المغربي. لذلك، فإن إصلاح مدونة الأسرة في المغرب يتطلب شرحا وافيا نوايا التعديلات وتوضيح أهدافها وغاياتها. كما يجب جعل التواصل حول تعديلات مدونة الأسرة لسنة 2024 أكثر تأثيرًا ووقعًا على الناس من مختلف الشرائح، بدلًا من اختزاله في شرح بعض الإجراءات التقنية التي هي مجال عمل للمختصين والخبراء.
    كما أن العملية التواصلية لشرح فلسفة التحولات الجارية تكتسي أهمية قصوى للوصول إلى مغاربة العالم، وإبراز صورة المغرب في العالم كبلد يسير بخطى ثابتة نحو تكريس هويته الديمقراطية والحقوقية والتقدمية، خاصة في سياق تستعد فيه بلادنا لاستضافة كأس العالم والتحول إلى مركز جذب واهتمام لكل سكان المعمور.
  2. وهل فشل الحكومة من الناحية التواصلية قد يؤثر سلبًا على تنزيل التعديلات، خصوصًا وأنه بدأت تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي بعض الإشاعات والتأويلات؟
    يا لطيف.. يالطيف .. ! نتفاءل خيرًا.
    هذا السيناريو لا نتمناه لبلادنا. ففشل الحكومة في التواصل مع الرأي العام حول تعديلات مدونة الأسرة قد يكون نكسة، مما قد يؤدي إلى زيادة معارضة الناس لمسار الإصلاحات، والتشكيك في نوايا الحكومة ومجهودات عاهل البلاد، حول جدوى الإصلاحات في سياق اجتماعي معقد.
    إحتال فشل التواصل الحكومي حول تعديلات المدونة قد يؤدي إلى تنامي انتشار الإشاعات والتأويلات الخاطئة، والمعلومات الكاذبة، والتضليل. وهذا قد يجعل الإعجاب (اللايكات) والمشاركات والتعليقات والتأويلات المعزولة عن سياقات الإصلاح تهيمن على البنى العقلية لشرائح واسعة من المغاربة، حول موضوع يرتبط بالدين والمقدس وبواقع اجتماعي صعب.
    قد يؤدي ذلك إلى سوء فهم الأبعاد الإيجابية للتعديلات، أمام تنامي بعض المظاهر السلبية الملازمة لما أسميه “مجتمع المعلومات والجهالات”، الذي تسيطر عليه أنواع مختلفة من الأميات، حيث شرائح واسعة من الناس تستهلك المعلومات دون تمحيصها أو التعامل النقدي معها. وهذه الشرائح الواسعة، حسب الإحصائيات الرسمية المنشورة مؤخرا، تفصح بشكل واضح، أنه رغم المجهودات المبذولة في التعليم، فإن نسبة الأمية الأبجدية و إنخفاظ مستوى التعليم وارتفاع مستوى الهدر المدرسي مؤشرات هيكلية بارزة مؤثرة سلبا.
    في هذا السياق، فالمستوى المنعدم أو المنخفض للمعرفة والمعلومات قد يتحول إلى قوة مؤثرة حاصرة لمسار التحولات معبرة عن إتجاهات نكوصية مقاومة .
    وعلاقةً بذلك، لا تفوتنا الإشارة إلى أول خرجة للحكومة من خلال الندوة الصحفية ليوم الثلاثاء الماضي بأكاديمية المملكة تشكل خطوة في إتجاه التواصل حول ما تم التوصل ليه من نتائج للهيأة المعنية. فالمعلومات المتداولة التي قدمها الوزراء المعنيون بقطاعات ذات صلة مباشرة بالموضوع ، إعتمدت طابعا إخباريا صرفا، لقضايا لازالت تحتاج إلى معالجات متعددة المستويات ، هي من شأن الاختصاصيين والخبراء. لكن اعتماد الندوة الصحفية للتواصل مع وسائل الإعلام الوطنية والدولية لأسلوب تواصل أحادي الاتجاه، من خلال تلاوة السادة الوزراء لأوراقهم، دون تفاعل أو سماع وإنصات لانتظارات الصحفيين وتساؤلاتهم. أثار إنتقادات عدد من الصفيين والإعلاميين.
    وهنا يبدو الأمر محيرًا: إذا كانت الحكومة أو الفاعل الحكومي يحتاج إلى الصفيين والإعلاميين فكيف لا يتم الإنصات إلى انشغالاتهم وتساؤلاتهم حول موضوع استراتيجي؟ ثم كيف يمكن للصحفيين، المطوقين بمهمة الوساطة والتفاعل مع الرأي العام، القيام بعملهم بكل مهنية و موضوعية ، دون تمكينهم من الحصول على معلومات و تفسيرات و تعليقات من الفاعلين الحكوميين حول جوانب تحتاج إلى توضيحات؟ كيف يُطلب من الصحفيين، كوسطاء للتواصل مع الرأي العام، تنوير المجتمع حول قضايا غير واضحة لهم بالشكل الكافي؟
    بالتالي، كيف يمكن للحكومة التعامل مع سيل وتدفق للمعلومات دون القدرة على التأثير فيها؟
    هذا يبرز أن التواصل مع الرأي العام حول قضية استراتيجية للمغرب الراهن، مهمة دقيقة وجدّية. وهي مهمة دولة تحتاج إلى تسخير كل إمكاناتها وطاقاتها لأجل ذلك، وفق ممارسة سياسية وتواصلية مهنية.
  3. ماذا يجب على الحكومة القيام به تواصليًا في المرحلة المفصلية، وهي مرحلة الصياغة القانونية لتعديلات مدونة الأسرة؟
    لا يمكن تحقيق استراتيجية ناجعة للتواصل السياسي حول تعديلات مشروع مدونة الأسرة، خارج إطار عام لتعزيز المسار التشاوي الواسع مع القوى السياسية والمدنية الذي بدأت به عملية مراجعتها. يجب استكمال ذلك ضمن فضاء عام شفاف، تتفاعل فيه وتتلاقح وتتكامل مختلف الخطابات، مهما كان مصدرها: من السلطة، الأحزاب السياسية، المجتمع المدني، والنخب الفكرية والدينية.
    هذه المنهجية ، تقر بأننا أمام مرحلة جديدة للترافع والنقاش ، كمجتمع حي و ديناميكي ، كفيلة بتنمية النقاش المجتمعي في مجال عام (رغم تطوره المحتشم)، تقوم فيه الحكومة بدورها، إلى جانب الأحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني والنخب الفكرية والإعلامية، على نحو يمنح الناس مناعة ووعيًا نقديًا، ضمن فضاء عام شفاف للنقاش الحر والمسؤول، بعيدًا عن السقوط في وعي زائف وبراثن الشعبوية والعجز عن إستكمال مسار التغيير.
    هذا يتطلب، على الصعيد الإعلامي والتواصلي، ترسانة كاملة من الإجراءات متعددة المستويات، لا يسع المجال هنا للحديث عنها بالتفصيل كما يتطلب، على مستوى أخر تكاثف جهود كافة القطاعات الوزارية الأخرى، والإسراع في توضيح الجوانب التي تطرحها مواءمة مقترحات التعديلات مع ما هو قائم من قوانين وتشريعا و خصوصية كل قطاع من القطاعات.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x