2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
ترامب والإعلام الأميركي… تكتيكات التخويف

يصعّد دونالد ترامب معركته الطويلة الأمد مع وسائل الإعلام الأميركية إلى مستوى جديد، مسلحاً بدعاوى قضائية بملايين الدولارات وتهديدات تنظيمية، ليستهدف تمويل المنظمات التي تعاني أصلاً في ظل مناخ تجاري يزداد صعوبة. لطالما أظهر الرئيس الأميركي عداء لوسائل الإعلام التقليدية الكبرى، فعمد إلى انتقادها ووصفها بأنها “عدو الشعب”. وفي استثناء لافت، تحظى شبكة فوكس نيوز المحافظة الواسعة الجمهور بمعاملة خاصة من الرئيس الجمهوري الذي كلف بعض مضيفيها تولي أدوار رئيسية في إدارته، ومن المقرر بدء زوجة نجله لارا ترامب العمل فيها مقدمةَ برنامج في وقت الذروة.
ويبدو أن ترامب يصعّد حالياً خطابه المناهض للإعلام في شهره الأول في منصبه، في ما يسميه المراقبون حالة من الغضب المفتعل. ووجدت “بوليتيكو” نفسها في قلب عاصفة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نشر أنصار ترامب، بمن فيهم الملياردير إيلون ماسك، لقطات شاشة زعمت زوراً أنها تُظهر تحويل أكثر من 8 ملايين دولار من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية إلى المجلة. الوكالة نفسها في قلب حملة لخفض نفقات الإدارة الفيدرالية أوكل بها ترامب إلى مستشاره المقرب إيلون ماسك الذي مُنح سلطة غير مسبوقة لتفكيك مؤسسات حكومية. وانصب التركيز الأكبر على الوكالة الأميركية للتنمية الدولية التي توزّع مساعدات إنسانية حول العالم، والتي دعا الرئيس إلى إغلاقها ببساطة. وأظهرت السجلات على موقع USAspending.gov، الذي يتتبع عبر الإنترنت المدفوعات الحكومية، أن الوكالات الفيدرالية دفعت نحو 8 ملايين دولار إلى “بوليتيكو” مقابل الاشتراكات، بما في ذلك خدمة “بوليتيكو برو”. وأظهرت السجلات أن المدفوعات من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية كانت جزءاً صغيراً من هذا الإجمالي. لكن الحقائق لم تمنع ترامب من الادعاء زوراً بأن مليارات الدولارات من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ووكالات أخرى ذهبت بشكل “غير لائق” إلى “وسائل الإعلام للأخبار الكاذبة” باعتبارها “مكافأة لاختلاق قصص جيدة عن الديمقراطيين”.
من جهة ثانية، كتبت الرئيسة التنفيذية لمجلة بوليتيكو جولي شيخ الإسلام ورئيس تحريرها جون هاريس في مذكرة إلى القراء: “لم نتلق أي تمويل حكومي على الإطلاق، لا إعانات، ولا منح، ولا مساعدات”. ولفتت المذكرة إلى أن “الوكالات الحكومية التي تشترك تفعل ذلك من خلال عمليات المشتريات العامة الاعتيادية تماماً مثل أي أداة أخرى يشترونها للعمل بشكل أذكى وأكثر كفاءة. هذا ليس تمويلاً. إنه صفقة”.
ترامب يعاقب وسائل الإعلام
أعلن البيت الأبيض أنه سيلغي اشتراكاته في “بوليتيكو”. كما أن وسائل الإعلام الأخرى قد تخسر ملايين الدولارات إذا ألغت الحكومة المزيد من الاشتراكات، وهي وسيلة لإدارة ترامب لتقويض الصحافة التي تواجه بالفعل ضائقة مالية، كما يقول المراقبون. قال مات غيرتز من مؤسسة ميديا ماترز ذات الميول اليسارية إن “النتيجة المترتبة على كل هذا الهراء هي أن قاعدة (لنجعل أميركا عظيمة من جديد) لديها تقليد جديد بإمكانهم استخدامه لتفسير أي تغطية سلبية لترامب”.
وفي نوع آخر من الضغط، أمر بريندان كار، رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية الجديد لترامب، بإجراء تحقيق في شبكتي إن بي آر وبي بي إس، في خطوة يخشى البعض أن تهدف إلى كشف التمويل الفيدرالي لمحطات البث العامة. وقال الأستاذ في جامعة سيراكيوز، روي غوتيرمان، لوكالة فرانس برس: “يبدو أن الإدارة الجديدة تكثف جهودها المتعددة الأوجه لمعاقبة وسائل الإعلام”. وأضاف: “نحن نتحرك إلى ما هو أبعد من مجرد التهديدات”.
وفي خطوة غير مسبوقة، أعلنت إدارة ترامب أن ثماني مؤسسات إعلامية، بما في ذلك نيويورك تايمز وواشنطن بوست وسي أن أن وإن بي سي وإن بي آر، يجب أن تخلي مساحات مكاتبها المخصصة في البنتاغون. وأشارت إلى الحاجة إلى الحاجة إلى إفساح المجال لمنافذ إعلامية أخرى، بما في ذلك “نيويورك بوست” و”بريتبارت” المحافظان.
لم ينتظر ترامب البداية الرسمية لولايته الجديدة كي يخوض هذه المعركة. فمنتصف ديسمبر/كانون الأول، أطلق ملاحقات قضائية في حقّ الصحيفة المحلية في آيوا “دي موين ريجستر” ومجموعة محلية لاستطلاع الآراء، إثر نشر استطلاع يشير إلى فوز كامالا هاريس في الولاية التي كانت من نصيب ترامب في نهاية المطاف. وخلال الشهر نفسه، وافقت “إيه بي سي نيوز” على دفع 15 مليون دولار لتسوية دعوى قضائية رفعها ترامب، زعم فيها أن المذيع الشهير للشبكة جورج ستيفانوبولوس قد شوه سمعته. واعتُبرت التسوية بمثابة تنازل كبير من قبل مؤسسة إعلامية كبيرة لترامب الذي غالباً ما انتهت جهوده السابقة لمقاضاة المنافذ الإخبارية بالهزيمة.
وكتب المدير التنفيذي لمعهد نايت للتعديل الأول في جامعة كولومبيا، جميل جعفر، في عمود في صحيفة نيويورك تايمز: “أصبح مشهد المنظمات الإعلامية القوية التي تحط من قدر نفسها أمام ترامب مألوفاً للغاية، لدرجة أنه بدأ يشبه البرمجة المجدولة”.
وامتثلت “سي بي إس نيوز”، وهي محطة إذاعية تقع في قلب تحقيق آخر من قبل لجنة الاتصالات الفيدرالية ودعوى قضائية بقيمة 10 مليارات دولار من ترامب، أخيراً لطلب من لجنة الاتصالات الفيدرالية بتسليم اللقطات الخام من مقابلة العام الماضي مع المرشحة الرئاسية الديمقراطية كامالا هاريس، بعدما اتهمها الرئيس بـ”التحرير الخادع”. وأوردت تقارير إخبارية أن “باراماونت”، الشركة الأم لشبكة سي بي إس، تفكر الآن في تسوية الدعوى القضائية، في وقت تحتاج فيه إلى دعم ترامب لاندماجها المقترح مع “سكاي دانس”.
عملة ذات وجهين
ليست العلاقات المشحونة بين رئيس والإعلام بالجديدة في المشهد الأميركي، بحسب ما أكّد الأستاذ المحاضر في الصحافة في جامعة نيويورك آدم بينينبرغ الذي ضرب مثل ريتشارد نيكسون (1969-1974) الذي “بلغت به البارانويا حدّاً” جعله “يجيِّش كلّ الماكينة الحكومية ضدّ الصحافيين”.
وفي ظلّ احتدام المنافسة مع شبكات التواصل الاجتماعي وانتشار المعلومات المضلّلة، تعاني وسائل الإعلام تراجع عائداتها الإعلانية وثقة الجمهور على السواء. وتمرّ “واشنطن بوست” المملوكة لمؤسس “أمازون” جيف بيزوس، والتي نشرت الكثير من الأخبار الحصرية عن ترامب خلال ولايته الأولى، بمرحلة حرجة بعد مغادرة عدّة أسماء فيها، إثر رفض الإدارة الدعوة في الصحيفة إلى انتخاب كامالا هاريس خلال الحملة الانتخابية.
ومنذ دخول ترامب الذي فجر الفضائح والجدالات معترك السياسة، خصوصاً خلال حملته الأولى وولايته الأولى في البيت الأبيض، ساهم في زيادة عدد متابعي بعض وسائل الإعلام والمشتركين فيها. لكنها عملة ذات وجهين، “عندما تُركز وسائل الإعلام على إثارة مشاعر الغضب والرفض، فإن هذا قد يسهم في نشر معلومات مضللة”، بحسب بينينبرغ. وصرّح الأستاذ الجامعي بأن “فترة ترامب الثانية ستختبر ليس قدرة وسائل الإعلام التقليدية فقط على التحمل أو التعامل مع الظروف الصعبة، ولكن أيضاً مدى جدواها”.
وكانت صحيفة نيويورك تايمز، التي نشرت وابلاً من الأخبار الحصرية عن البيت الأبيض خلال ولاية ترامب الأولى، قد دعت في افتتاحيتها يوم 17 يناير الماضي، إلى “التصدّي لتكتيكات التخويف التي يعتمدها دونالد ترامب”.
(فرانس برس)