لماذا وإلى أين ؟

أساطير طنجة.. جنْ حمّام فرانكو (2)

أساطير طنجة، سلسلة يعدها الصحافي عبد الله الغول، تستكشف أغرب الحكايات الشعبية والأساطير التاريخية المتداولة حول مدينة طنجة… حلقاتها تجمع بين السرد الأسطوري والمعطيات التاريخية… تلتقون معها طيلة شهر رمضان في حلقات يومية مثيرة ومشوقة.

الحلقة 2 :

في قلب المدينة القديمة بطنجة، حيث الأزقة الضيقة والأبواب العتيقة التي تخفي بين جدرانها حكايات لم تُروَ بعد، تتردد على ألسنة السكان أسطورة غامضة عن جني يسكن حمّاما بالقصبة، يظهر للزبائن في ظلمة الليل ليمنحهم جلسة “تكسيل” لم يحظوا بمثلها من قبل. 

ليست مجرد خرافة يتناقلها العجائز لإخافة الأطفال، بل قصة عاشها أحد الرجال قبل عقود، وسجّل تفاصيلها الكاتب يوسف شبعة الحضري في روايته “الشريفة”، لتظل شاهدة على غرائبية طنجة وسحرها الغامض.

يحكي شبعة أنه في إحدى الليالي الحالكة، حين كان الظلام يعمّ الزنقة الطويلة، خرج “الزيلاشي”، أحد سكان القصبة، من منزله قاصدًا الحمّام قبل الفجر. كان الليل في أشد وحشته، تصيح الديكة، وتعوي الكلاب، ويتردد نعيب الغربان فوق السور البرتغالي، وكأن المدينة بأسرها تحاول تحذيره من شيء لم يكن يعرفه بعد. تسارعت خطواته بين الأزقة حتى بلغ باب الحمّام، ودفعه ليدخل، متخلصًا من شبح الخوف الذي ظل يطارده طوال الطريق.

في الداخل، استقبله رجل أسود ضخم الجثة، ملامحه غير واضحة وسط البخار الكثيف، لكن صوته العميق ونظرته الثاقبة منحاه شعورًا غريبًا، بين الاطمئنان والخوف. 

خلع “الزيلاشي” ملابسه، وأخذ مكانه بجوار “البرمة”، ثم نادى على الكسّال ليبدأ جلسة التكسيل. كان الرجل الأسود قويًا بشكل غير طبيعي، قلبه على جنبيه، مدّده أرضًا كما يُمدّ الخروف يوم العيد، ثم بدأ في فركه بعنف، وكأنما ينزع عنه طبقة من جلده.

انتهت جلسة “التكسيل” الغريبة، وخرج “الزيلاشي” من الحمّام بجسد نظيف كأنه عاد تواً من الحج. لكن المفاجأة كانت في طريق عودته إلى المنزل، حين التقى بـ”عبد السلام الفرنتشي”، القائم على حمّام فرانكو، والذي أخبره أنه في طريقه الآن لفتح الحمّام لأول مرة ذلك اليوم! أقسم له أنه لم يكن هناك أحد في الداخل، وأخرج مفتاح الحمّام من تحت جلبابه دليلاً على ذلك.

عندها، تجمد الدم في عروق “الزيلاشي”، وأدرك أن من أشرف على تكسيله لم يكن بشرًا، بل ذلك الجني الذي ترددت عنه الحكايات في أزقة المدينة القديمة.

منذ ذلك اليوم، لم يجرؤ أحد على دخول الحمّام بمفرده في الليل، وأصبحت القصة جزءًا من تراث القصبة، تُروى همسًا في المقاهي القديمة، وتُحكى كنذير لكل من تسوّل له نفسه الاستحمام وحده عند اقتراب الفجر، لأنك قد تخرج نظيفًا من الحمّام، لكنك لن تعود كما كنت أبدًا!

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x