2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

تضع جريدة “آشكاين” الرقمية بين يدي قرائها الأعزاء سلسلة رمضانية جديدة حول تاريخ الأقاليم الجنوبية للمملكة، من خلال سلسلة ثقافية تغوص في تاريخ الزوايا والرباطات والمساجد التاريخية العتيقة في الصحراء المغربية، عبر بوابة برنامجكم “زوايا من الصحراء”، الذي يعده ويقدمه الصحافي أحمد الهيبة صمداني.
وسنحاول خلال هذه السلسلة الثقافية الرمضانية نفض الغبار عن تاريخ التصوف وتمظهراته في الزوايا والمساجد و”المَحاظر” وارتباطاتها القبلية وخصوصياتها في الصحراء المغربية، علاوة على أدوارها الدينية والتاريخية والاجتماعية بالمنطقة على مر التاريخ، عبر بثها للأمن الروحي في المنطقة، وفض المنازعات القبلية وتكوين الطلبة والمردين، دون أن ننسى أدوارها في مكافحة المستعمر.
وقبل الغوص في معالم الزوايا كان لزاما أن نؤطر سلسلتنا الرمضانية تاريخيا ومفاهيميا عبر بسط حلقتين تأطيريتين (الأولى والثانية) عن الموضوع، كي يتسنى للقارئ، كما المتخصص، أن يواكب معنا السلسلة دون لبس مفاهيمي أو خلط بين الزوايا الدينية بباقي ربوع المملكة، وبين الزوايا والمساجد والمحضرات في الصحراء وما تتميز به من خصوصيات.
وسنتطرق في هذه الحلقة (2) لأهم الخصوصيات التي تميز الزوايا في الصحراء وعلاقاتها القبلية والأدوار التي لعبتها في مختلف مراحل التاريخ، مع الدكتور محمد دحمان، أستاذ الأنثروبولوجيا والثقافة الحسانية بجامعة ابن طفيل.
خصوصيات زوايا الصحراء
وحسب الدكتور محمد دحمان، أستاذ الأنثروبولوجيا والثقافة الحسانية بجامعة ابن طفيل، فإن “الزوايا عبارة عن مؤسسات اجتماعية ثقافية ودينية اضطلعت بدور كبير في تاريخ المنطقة وتاريخ علاقتها بباقي مناطق البلاد، وانتشرت في مناكب الصحراء، ولها بعض الخصوصيات منها ارتباط الزوايا بالقبائل، ومنها كون الزوايا التي انتشرت في الصحراء هي امتداد لزوايا ظهرت في شمال المغرب، مثل الزاوية الشاذلية، والزاوية الجزولية، ثم الزاوية القادرية القديمة، التي لها فروع، منها المعينية والكنتية، ثم الزاوية النقشبندية عند أهل سيدي محمد بتيرس، الزاوية الشاذلية في سلكها الناصري عند أهل بارك الله، خاصة مسكا ولد بارك الله الذي له علاقة بخليفة الطريقة الناصرية سيدي أحمد بناصر”.
وفي تأطيره الأنثروبولوجي للسلسلة، أكد الدكتور دحمان، في حديثه لجريدة “آشكاين” الرقمية أن “القرن العاشر عرف شهرة المشايخ في الساقية الحمراء، منهم سيدي أحمد لعروسي وسيدي احمد الرݣيبي وسيدي أحمد الفريم الكنتي، وأولاد بوسباع السبعة، وكل هؤلاء كانوا على الطريقة الشاذلية”.

واسطة عقد بين شمال المغرب وإفريقيا
وعزا المتحدث انتشار الزوايا في ربوع الصحراء، لكون الأخيرة “تضم في مختلف ترابها مسالك طرقية، وآبارا، كما أن هذه الصحراء بمثابة واسطة العقد بين شمال المغرب وبقية القارة الافريقية”.
ونبه الباحث إلى أن “هذه الزوايا احتضنت العلم، لكونها كانت مراكز علم وتصحيح العقيدة الدينية، وكانت مراكز لخلق الوئام الاجتماعي، كما كانت مراكز للجانب الفني والثقافي للمدح النبوي، إذ كلما طل شيخ على الفريك أو قدِم للقرية يُستقبل بالأمداح والطبول والتي كانت من أجهزة الزاوية”.
زوايا مقاومة واجهت الاحتلال
بالإضافة لما سبق ذكره فقد “كانت الزوايا مكانا لعقد الصلح”، يسترسل دحمان شارحا أنها “لم تكن زوايا خاملة بل قادت المقاومة وواجهت الاحتلال الأجنبي منذ البرتغاليين في القرن الخامس عشر والسادس عشر، إلى أن طلع الاستعمار الإسباني والفرنسي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين”.
الوجه الآخر للزوايا في الصحراء
وأبرز الباحث المتخصص في التراث الحساني أن “للزوايا وجها أخر في الصحراء ليست فقط مؤسسة معزولة يؤسسها شيخ، بل إن “الزْوَايَا” تعني القبيلة”.
ويعني هذا حسب دحمان دائما، أن “الزوايا في الصحراء هي قبائل، وهذه الزوايا تنتمي إلى طرق صوفية، وهذه الطرق الصوفية شكلت شبكة تواصل بين جميع مناطق المغرب”.
المغرب يصدر الزوايا
وأشار الدكتور دحمان إلى أن “المغرب الأقصى أصبح مصدرا للزوايا، حيث نجد امتداد زواياه في ليبيا والجزائر وتونس ومصر إلى العراق”.
وخلص إلى أن هذه “الزوايا امتدت جنوبا، عبر القارة الإفريقية وموريتانيا والنيجر وغينيا، إلى حدود نيجيريا، وهو ما يشكل أبعاد الهوية المغربية الأساسية، وهناك زوايا يمكننا التطرق لها واحدة تلو الأخرى لاحقا”.
الحلقة السابقة
زوايا الصحراء: خصوصيات تصوفية وتاريخ وأثر