2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
”كِتَاب أَثَار جَدَلا”.. الإِسْلام وَأُصول الْحُكْم: شَيْخ أَزْهَري يُؤَسِّس لِلْعَلْمَانِيَّة وَيَرْفُض فِكْرَة الخِلَاَفَة (الحلقة 03)

” كتاب أثار جدلا” رحلة في عالم الأفكار الممنوعة، سلسة تنشر على شكل حلقات طيلة شهر رمضان في ”آشكاين”، تتناول مؤلفات خلقت ضجة كبيرة، في السياسة، في الدين، كما في قضايا اجتماعية.
هذه الكتب دفعت مؤلفيها أثمانًا باهظة، بلغت حد التكفير والتهديد بالقتل وتنفيذه أحيانا، وتارة أخرى تدخلت الرقابة وبقيت هذه المؤلفات ممنوعة من التداول لسنوات.
لكنها في المقابل أحدثت ثورة فكرية وخلخلت مفاهيم كانت بمثابة طابوهات لفرات طويلة.
سيكون قراء ومتابعو جريدة “آشكاين” على موعد مع هذه السلسلة طوال أيام شهر رمضان.
الحلقة الثالثة: الإسلام وأصول الحكم

يُعد كتاب “الإسلام وأصول الحكم” للشيخ الأزهري علي عبد الرازق (1888-1966) من أهم الكتب التي ضجة فكرية كبيرة في العالم الإسلامي، بدأت منذ القرن العشرين ولا زالت مستمرة إلى اليوم رغم مرور قرن على ظهور المؤلف.
صدر الكتاب سنة 1925، وتناول قضية الخلافة والحكومة في الإسلام، داعياً إلى فصل الدين عن الدولة، مؤكداً أن الخلافة ليست أصلاً من أصول الإسلام.
جاء الكتاب في مرحلة تاريخية دقيقة إثر انهيار الخلافة العثمانية، حيث وقعت الدول العربية والإسلامية تحت الهيمنة الأوروبية. ومع تنامي الجهود لإحياء الخلافة الإسلامية، برزت مصر كمرشح بارز لتولي هذا الدور، وسط تطلعات ملحة من العديد من الزعامات العربية والإسلامية لهذا المنصب الشاغر.
في تلك الحقبة ساد شعور عميق بالفراغ السياسي والديني داخل الدول الإسلامية، ما أوجد حالة من الإلحاح للبحث عن حلول. وفي سنة 1925م، دعا الأزهر في مصر إلى عقد مؤتمر في القاهرة لمناقشة قضية الخلافة. خلص المؤتمر إلى أن الخلافة ضرورية كرمز لوحدة المسلمين وتجتمع في شخصها السلطة الروحية والدنيوية على حد سواء. وتزامناً مع هذه الأجواء، طُرحت فكرة تنصيب الملك فؤاد الأول، ملك مصر، خليفة للمسلمين.
وسط هذه التحركات، قدّم علي عبد الرازق كتابه “الإسلام وأصول الحكم”، حيث تناول المسألة بوضوح، وذهب إلى القول بأن الخلافة ليست من أصول الإسلام، بل هي أمر سياسي ودنيوي. واستشهد بعدم وجود نص صريح في القرآن أو الأحاديث النبوية يفرض وجوب تنصيب خليفة أو اختياره.
تجاوز عبد الرازق ذلك، مشيرًا إلى أن التاريخ يُظهر أن الخلافة كانت سبباً للمآسي والفساد داخل الأمة الإسلامية. أثار الكتاب ضجة كبيرة عند صدوره وتعرض لردود علمية واسعة. واعتبر الملك فؤاد أن أطروحات عبد الرازق تمثل تهديدًا مباشرًا لمساعيه في تولي الخلافة، مما أدى إلى إصدار قرارات قاسية بحقه. تجسدت هذه القرارات بعزله من سلك العلماء، فصله من القضاء، وسحب درجته العلمية من الأزهر.
يتألف الكتاب من ثلاثة أجزاء رئيسية: ”الخلافة والإسلام”؛”الحكومة والإسلام” ؛ ”الخلافة في التاريخ”. يفتتح الكتاب بفصل يناقش طبيعة الخلافة. يُعرِّف عبد الرازق الخلافة من منظور لغوي بأنها تعني “النيابة أو التولي”، بينما من الناحية الاصطلاحية عند المسلمين فهي “رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم”. كما يتطرق المؤلف إلى اختلاف الآراء حول كون الخليفة خليفة لله أم لرسوله، ويشير إلى أن أبا بكر الصديق رفض أن يلقب بخليفة الله، مما يعكس خلافًا في تفسير منصب الخلافة.
ثم يعرج الشيخ الأزهري، لمناقشة مذاهب المسلمين حول استمداد الخليفة لشرعيته. البعض يرى أنها مستمدة من الله مباشرةً، بينما يشير اتجاه آخر إلى أن الأمة هي مصدر شرعية الخليفة، حيث إن اختيارها له يمنحه سلطته. يتناول عبد الرازق نظرة الفقهاء المسلمين لقضايا الحكم والسياسة. تساءل عن ضآلة إسهاماتهم العلمية في هذا المجال مقارنة باطلاعهم وتأثرهم بالفكر الإغريقي، مثل أعمال أفلاطون (الجمهورية) وأرسطو (السياسة). ويرى أن استبداد الخلفاء جعلهم ينفرون من أي بحث علمي أو سياسي قد يهدد سلطتهم المطلقة، وكان هذا سببًا لتضييق الخناق على حرية الفكر والمعرفة السياسية.
يخلص عبد الرازق إلى أن النصوص الدينية من القرآن والسنة لا تثبت وجود نظام الخلافة أو تجعله ركيزة أساسية في الإسلام. يشبّه الحديث عن طاعة الإمام بما ورد عن الالتزام باتفاقيات مع المشركين، مشيرًا إلى أن الطاعة هنا لا تعني بالضرورة تأصيلًا للنظام السياسي ذاته. وبرأيه، فإن مفهوم الخلافة كان يُفرض تاريخيًا بالغلبة والقهر، لا عن طريق الإجماع أو التوافق.
ترك عبد الرازق بصمة واضحة بنقده الجريء لنظام الخلافة الذي اعتبره أكثر ارتباطاً بالقوة والسيطرة منه بتعاليم الإسلام. هذه الأطروحات الجريئة أحدثت جدلاً واسعاً لا يزال صداها ممتداً حتى اليوم.
أبرز أفكار الكتاب:
- الخلافة ليست أصلاً من أصول الإسلام: يرى عبد الرازق أن الخلافة لم تكن إلا سلطة دنيوية، وأنها لم تستند إلى نص قرآني أو سنة نبوية، بل قامت على القوة والعنف.
- النبي محمد كان رسولاً لا زعيماً سياسياً: يؤكد عبد الرازق أن النبي كان رسولاً لدعوة دينية خالصة، ولم يكن زعيماً سياسياً.
- الدين الإسلامي بريء من الخلافة: يرى عبد الرازق أن الدين الإسلامي بريء من تلك الخلافة التي شهدها المسلمون، وأنها كانت نكبة على الإسلام والمسلمين.
- الدعوة إلى الدولة المدنية: يدعو عبد الرازق إلى هدم الأوهام العتيقة حول الخلافة، وتشييد نظام يستجيب لحاجات العصر، دولة مدنية تقوم على العقل وتجارب الأمم.
أهمية الكتاب:
تكمن أهمية كتاب “الإسلام وأصول الحكم” في أنه طرح رؤية جديدة للعلاقة بين الدين والدولة، ويدعو إلى التفكير في نظام سياسي يستند إلى العقل وتجارب الأمم، بدلاً من السلطة الدينية. وقد أثار الكتاب جدلاً واسعاً في الأوساط الدينية والسياسية، وتعرض لهجوم شديد من قبل المؤسسة الدينية، لكن أفكاره ظلت حاضرة في الفكر العربي الحديث، وأثرت في العديد من المفكرين والباحثين.
ردود الفعل على الكتاب:
أثار الكتاب ردود فعل عنيفة من قبل المؤسسة الدينية في مصر والعالم الإسلامي. فقد اتهم عبد الرازق بالكفر والإلحاد، وتم فصله من الأزهر ومن القضاء الشرعي. كما صدرت العديد من الكتب والمقالات التي ترد على أفكاره وتنتقدها.
تأثير الكتاب:
على الرغم من الهجوم الشديد الذي تعرض له الكتاب، إلا أنه كان له تأثير كبير على الفكر العربي الحديث. فقد ساهم في فتح النقاش حول العلاقة بين الدين والدولة، ودعا إلى التفكير في نظام سياسي مدني. كما ألهم الكتاب العديد من المفكرين والباحثين الذين دعوا إلى الإصلاح والتجديد في الفكر الإسلامي.